أكد الوزير الأول عبد المالك سلال، أن ترقية الاستثمار ومكافحة البيروقراطية من صلب مهام الولاة لتحقيق التنمية المحلية، وشدد على التوجه نحو العصرنة وتبني مقاربة ناجعة لتجاوز الصعوبة الاقتصادية الحالية، مذكرا بأن سنة 2017 ستكون عسيرة وتستدعي مزيدا من الجهود. تطرق الوزير الأول لدى ترأسه اجتماع الحكومة بالولاة أمس، بقصر الأمم بالعاصمة، إلى الواقع الاقتصادي الذي تمر به البلاد بكثير من التفصيل والصراحة، وجمع بين حقيقة الواقع «العصيب» والحلول المتاحة التي تبعث على «التفاؤل» بالمستقبل القريب شرط توفر مجموعة من العوامل. وقال سلال «أن الوعي برهانات المرحلة وتغيير الذهنيات أو خطوة للذهاب نحو نمو اقتصادي متنوع»، مؤكدا أن مسؤولية الولاة في هذا الجانب كبيرة جدا، «لأن الاستثمار الذي لا بديل عنه والقضاء على البيروقراطية وعصرنة الإدارة مفاتيح نجاح الحلول المقترحة للخروج من الأزمة». واعتبر الوزير الأول، أن الأزمة المالية والاقتصادية التي تعيشها الجزائر عقب تدني مداخيل النفط منذ أزيد من سنتين ونصف، تمثل فرصة سانحة للخروج من الدائرة المفرغة للتبعية للمحروقات وضع أسس اقتصاد نامي يبدأ سنة 2019. وأوضح سلال، أن الجزائر تقاوم على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي رغم تراجع الموارد المالية وتبذل جهودا مضنية للحفاظ على مؤشرات اقتصادها مما سمح لها « بتحقيق نسبة نمو تقدر ب 3.9 بالمائة هذه السنة وهو الهدف المسطر للسنة المقبلة رغم أنها ستكون صهبة جدا» مشددا على ضرورة تكثيف الجهود والتحلي بالمسؤولية وتشريف الثقة، وبالأخص ثقة رئيس الجمهورية في الولاة وكافة المسؤولين التنفيذيين. ولفت المتحدث إلى تحسن مناخ الاستثمار في السنوات الأخيرة، مشيرا إلى إنجاز 70 بالمائة من الاستثمارات برقم يناهز 25 ألف مشروع أنطلق في العملية الانتاجية، وأوضح أن القروض الموجه للاقتصاد الوطني ارتفعت بنسبة 9 بالمائة. وأكد سلال، أن معدلات التضخم والبطالة مازالت مستقرة، معتبرا ذلك مؤشرا إيجابيا يتطلب مزيدا من العمل الدؤوب. ولمح الوزير الأول إلى نجاح الحكومة في الحفاظ على التوازنات الاقتصادية الكبرى، مما جعلها تتوجه بأريحية نحو نموذج جديد للنمو مبني على نظرة واضحة تمتد لغاية 2019، ويقوم على إصلاحات وتحكم أفضل في الميزانية، والإبقاء على أهداف التحول الاقتصادي ووفاء الدولة بالتزاماتها تجاه الطبقات المحرومة. وفي السياق، أكد سلال عدم تراجع الحكومة عن سياسة الدعم الاجتماعي، موضحا أن تكلفة التحويلات الاجتماعية تناهز 30 مليار دولار سنويا، وهو مبدأ نابع من قيم الثورة ومبادئ الدولة الجزائرية. فضلنا النمو على التقشف الوزير الأول، جدد التأكيد على أن الحكومة تمسكت بخيار النمو بدل سن إجراءات تقشفية لمواجهة الأزمة المالية وتداعياتها، وقال «فضلنا التوجه إلى النمو بدل التقشف وسنبحث عن هذا النمو لدى المؤسسات الوطنية باعتبارها الفضاء الأمثل لخلق الثروة والقيمة المضافة ومناصب الشغل وتعزيز العدالة الاجتماعية». وسجلت الحرب التي شنتها الحكومة على البيروقراطية في السنوات الثلاث الأخيرة، نتائج جيدة حسب المسؤول الأول عن الجهاز التنفيذي، قائلا « التسهيلات الخاصة بانشاء المؤسسات والاستثمار بصفة عامة عالجت الكثير من العراقيل خاصة بعد صدور قانون الاستثمار الجديد». وأضاف الوزير الأول «أن التنمية قضية الجميع والعمل الجماعي أساس النجاح»، ودعا إلى تحرير المبادرات وإبعاد الممارسات السلبية، وطالب بإشراك المنتخبين المحليين وتجسيد الديمقراطية التشاركية عبر جذب المواطن للمساهمة في اتخاذ القرار. وجدد تعليماته للولاة والقاضية بتسهيل الحصول على العقار الصناعي وجعل الصناعة، الفلاحة، السياحة والخدمات من صميم التنمية المحلية، مؤكدا حاجة البلاد إلى «مقاربة اقتصادية في تسيير المرفق العمومي تعتمد على النجاعة والديمومة والاستعانة بالإدارة الرقمية لتحسين مؤشرات النمو». ودعا إلى الخروج من روتين التسيير وتفقد المشاريع، وتبني منهجية قائمة على المصلحة الاقتصادية التي تجلب النمو وتصنع المشاريع الخلاقة للثروة ومناصب الشغل، وتأسف إلى الوضع الذي باتت عليه المهام الأساسية للمسؤولين المحليين فبدل الحديث عن الاستثمار أصبحت النفايات والنظافة والمشاكل الصغيرة الشغل الشاغل. قانون المالية 2017 يحرص على توفير موارد جديدة وبشأن قانون المالية 2017، قال الوزير الأول أنه «يحرص على توفير موارد مالية جديدة للجماعات المحلية من خلال تثمين أملاك البلديات وإصلاح الجباية المحلية وجاذبية الفضاءات العمرانية لإعطاء صورة إيجابية لمدننا». وخاطب سلال الولاة قائلا «ننتظر منكم مواصلة الجهود في كل ما يتعلق بالنظام العام والقضايا الاجتماعية وإزالة النفايات وتأمين التجمعات السكانية والتنشيط الثقافي». وشدد على الحوار لحل كافة المشاكل المطروحة مهما كانت الظروف. التحسيس بتمديد آجال تسوية البنايات ودعا الوزير الأول، إلى التحسيس بالتعليمة الوزارية التي أصدرها في القليلة الماضية والتي تتعلق بتمديد آجال القانون 15-08 القاضي بتسوية الوضعية القانونية للبنايات غير المكتملة، لتحسين أوضاعهم وانسجام السكنات مع الجانب الحضاري للمدينة. لا تراجع عن المسبق والنسبي في سياق آخر، جدد سلال استحالة التراجع عن رفع سن التقاعد إلى 60 سنة، وقال أن الصحة المالية المتردية لصندوق التقاعد تفرض الحزم في التخلي عن التقاعد المسبق والتقاعد النسبي، قائلا «بعدما كان سابقا 3 عمال معاش عامل واحد، اليوم نحن في 7 عمال لدفع معاش عامل واحد». وأوضح استحالة لجوء الدولة إلى مديونية كبيرة لسد عجز الصندوق باعتبار ذلك يرهن جيل بأكمله في الحصول على معاشات التقاعد. وقال سلال أن الجزائر قادرة على تجوز الامتحان العسير وتحوز على الإمكانيات اللازمة لذلك، وستشرع السنة المقبلة في شطب بعض المواد من قائمة الواردات على غرار الإسمنت، ودعا إلى تبني المرشحين للانتخابات المحلية المقبلة لخطاب اقتصادي في حملتهم الانتخابية وعلى المواطنين محاسبتهم على هذا الجانب. وكشف عن عرض القانون الخاص بالجباية، السنة المقبلة على البرلمان بغرفتيه للمصادقة، مما سيسمح بمنح الضوابط القانونية لتحصيل الجباية خاصة للجماعات المحلية، مجددا رهان الدولة على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والسياحة والفلاحة باعتبارها قطاعات بيد رؤساء البلديات للنهوض بالتنمية المحلية. على صعيد آخر، أكد الوزير الأول، أهمية تعميم الرقمنة على الإدارات العمومية، مؤكدا أنها ستغير الذهنيات وتقضي على البيروقراطية وتضمن الشفافية في التسيير، مشيرا إلى تأخر الجزائر في هذا المجال مقارنة ببلدان إفريقية. وأكد حاجة البلاد إلى تنمية اقتصادية حقيقة لضمان مناعتها من مختلف الأخطار والتهديدات مشيرا إلى قدرة الجيش على تامين الحدود على أكمل وجه، ولكن في حاجة إلى اقتصاد وطني قوي يقف وراءه. وفي سياق متصل، اعتبر سلال أن المشكل الذي تعاني منه الجامعة الجزائرية اليوم لا يتمثل في ضعف المستوى الذي يدعيه البعض، «وإنما في الفجوة الهائلة بين نظام التكوين والواقع الاقتصادي»، مشيرا إلى انعدام تخصصات تتعلق بالعقار رغم المشاكل الهائلة التي تواجهها البلاد في هذا المجال. وجدد التأكيد على أهمية التحكم في الرياضيات والفيزياء لبناء منظومة دفاع قوية واقتصاد متنوع، منتقدا قلة هذه التخصصات في الجامعة، داعيا إلى أن تلعب المدرسة دورا في هذه المهمة من خلال إحداث التغييرات اللازمة. وقال أن نظام ال»أل.أم.دي» قضى على تكوين المهندسين رغم حاجة البلاد إليهم لذلك تقرر إنشاء أقطاب الامتياز والعودة إلى المدارس العليا. كما انتقد الوزير الأول، ضعف المقاولين الجزائريين في المساهمة في إنجاز برنامج السكن، وقال أن الحكومة اضطرت لإنشاء مجمعات مشتركة مع الأجانب لبناء المشاريع بعدما أصبح اللجوء إلى المؤسسات الأجنبية في ظل الأزمة المالية معقدا. واستطرد ذات المتحدث، بالأهمية التي توليها الدولة لأرباب العمل، وتعتبرهم شركاء مهمين في استراتيجية النمو، مشددا على الصراحة في مناقشة القضايا التي تهم الصالح العام. ودعا المتحدث إلى عدم الخلط بين العمل السياسي والنقابي، مؤكدا على أن الحوار كوسيلة وحيدة لحل المشاكل والحفاظ على استقرار المؤسسات.