برز دور المراسلين الصحافيين في الجزائر، منذ اعلان التعددية الحزبية والإعلامية في 1989، حيث أصبحوا حلقة أساسية في العمل الاعلامي ولاعبا أساسيا لا يمكن الاستغناء عنه خاصة في ظل الأوزار التي حملوها من أجل تجسيد حق المواطن في الاعلام، وتمكين المناطق الداخلية والنائية في اسماع صوتها ونقل انشغالاتها للسلطات. عانى بعض أعضاء هذه الفئة التي تنتمي للأسرة الاعلامية بامتياز من التهميش والاستغلال من قبل الكثير من أرباب الصحافة لتصفية الحسابات والانتقام من هيئات وأشخاص، ومؤسسات لأمور شخصية ومصلحة ضيقة حيث وجد الكثير من المراسلين أنفسهم أمام المحاكم، متابعين بجنح القذف والسب والشتم والتضليل ونشر أخبار كاذبة. زادت متاعب هؤلاء بعد ان تخلت عنهم مؤسسات اعلامية في مشهد درامي يعكس مدى استغلال هذه الفئة، كما بقي عدد من المراسلين الصحفيين إعلاميا من الدرجة الثانية في مؤسسته، من حيث نيل الحقوق والاعتبار..أجورهم زهيدة جدا والمحظوظ منهم - وهم قليلون – يستفيدون من التغطية الاجتماعية. الملاحظ كذلك توجيه عمل المراسلين – تجاهل وعدم احترام قناعتهم- للتركيز فقط على أخبار الجريمة، والقتل والاغتصاب، والمشاكل وكل ما من شأنه تسويد الأوضاع مع تغييب كلي لأصناف الريبورتاج والتحقيق والأنواع الاعلامية الأخرى التي من شأنها مثلا أن تعرّف بالإمكانيات التنموية للبلاد على غرار قطاع السياحة والفلاحة ومختلف المجالات التي يمكن أن تجلب المستثمرين، وتساهم في التنمية المحلية بدلا من نشر أخبار الرعب والشر والفتنة التي تؤثر على حركة السياحة وتجوال المواطنين. لاحظت من خلال مختلف الزيارات التي رافقت فيها «الشعب» مختلف المسؤولين الى الولايات وجود الكثير من المواضيع والملفات التي يرفض المراسلون التطرق إليها وعند استفساري عن هذه الظاهرة وسبب التركيز فقط على الاثارة والتهجم على الجميع، أشار الكثير منهم « الى مسؤول المؤسسة الاعلامية المركزي الذي يملي عليهم التوجيهات ويرفض نشر الأخبار المتوازنة والاهتمام فقط بمواضيع الاثارة وان لم تكن موجودة لا بد من استحداثها.»هكذا صرح لي أكثر من مراسل، رافضين الكشف عن هويتهم أثناء التصريح أو الدعوة للكتابة دون ذكر اسمهم تجنبا للمضايقات أو التوقيف. في ظل غياب احصائيات دقيقة حول المراسلين تبقى هذه الفئة تعاني في صمت تنتظر تكفلا أحسن ومعاملة جيدة من قبل أرباب الصحافة. التشريعات تأخرت في إنصافه لم تنص مختلف التشريعات الاعلامية منذ الاستقلال على مهنة المراسل الصحفي إلا في القانون العضوي للإعلام 12-05 ، وهو ما يؤكد المتاعب الجمة التي تعرضت لها هذه الفئة. عانى المراسل الصحفي من غياب الحماية القانونية وهو ما جعله لقمة صائغة لدى الكثير من أرباب الصحافة لفرض الضغوطات وتحميله عبئا أكثر من طاقته دون أدنى حقوق..يحدث هذا لدى بعض العناوين الاعلامية عندنا، عكس ما هو موجود ومتعارف عليه في دول أخرى حيث المراسل الصحفي في أعراف الصحافة العالمية يعتبر « جندي مشاة عالم الأخبار» وهي كناية تشبيهية لمشاة كبرى الجيوش العالمية المحترمة التي يعتبر فيها سلاح المشاة المحور الرئيس في قيادة الجيوش وقدرتها على التحمل وقلب الموازين، ناهيك عن أنها تتكون من الطبقات البسيطة والتي لها صبر وبأس شديد. بقي التجاهل الصفة المميزة للمراسل حتى سنة 1982 ؟ تاريخ صدور أول قانون للإعلام في الجزائر الذي أعطى تعريفا للصحفي المحترف وفقا للمادة ال 33 التي اعتبرته مستخدما في صحيفة يومية أو دورية تابعة للحزب أو الدولة أو هيأة وطنية للأنباء المكتوبة أو الناطقة أو الصورة، ويكون دائما متفرغا للبحث عن الأنباء وجمعها وانتقائها وتنسيقها وعرضها. يتخذ من هذا النشاط مهنته الوحيدة والمنتظمة التي يتلقى مقابلها أجرا، غير أن هذا القانون ألزم الصحفي بإتباع ايديولوجية الحزب الواحد، وفقا للمادة 35 من نفس القانون،وقسّم الصحافيين الى وطنيين محترفين ومبعوثين ومراسلي الصحف الأجنبية. أغفل المشرع الجزائري الشروط المتعلقة بممارسة مهنة المراسل الصحفي، آخذا فقط التوجه السياسي والدرجة النضالية للصحفي أو المراسل. وتواصل تجاهل المراسل الصحفي في قانون اعلام 90/07 حيث تم التطرق فقط الى الصحفي المحترف من خلال المادة 28 التي أكدت في نصها أن «الصحفي المحترف هو كل شخص يتفرغ للبحث عن الأخبار، جمعها وانتقائها واستغلالها، وتقديمها خلال النشاط الصحفي الذي يتخذه مهنته المنتظمة». لم يتطرق نفس القانون لوضعية الصحفي المحترف والمراسل وحول امكانية الاستفادة من صفة الصحفي المحترف، ولكن المادة 29 منعت صحفيي القطاع العام دون الخاص من العمل لدى دوريات أخرى دون ترخيص من المؤسسة الأم، وهو ما تم اعتبراه، اعترافا ضمنيا بالمراسل الصحفي دون تسميته، لأن المراسل بإمكانه مراسلة العديد من وسائل الاعلام دون التقيد بمؤسسة اعلامية واحدة. أزال القانون العضوي للإعلام 12-05 الغموض عن المراسل الصحفي حيث عرف الصحفي المحترف في المادة 73 وأضافت المادة 74 الى قائمة الصحافيين المحترفين المراسلين الصحافيين، واعتبرت «أنه يعد صحافيا محترفا كذلك كل مراسل دائم له علاقة تعاقدية مع جهاز اعلام.» منح قانون 12-05 الكثير من الحقوق للمراسلين على غرار الحق في التأمين الذي جاء في المادة 90 ، وذهبت المادة 91 الى أبعد الحدود عندما منحت الحق للصحفي والمراسل رفض القيام بالمهنة في حال لم يتمتع بالحقوق على غرار الأجر والبطاقة المهنية. شهادات مثيرة لمآسي المراسلين
رفض جل المراسلين نشر هوياتهم وهم يتحدثون ل «الشعب» عن المآسي التي يعيشونها في بعض الجرائد، مؤكدين بأن نشر ما يعانونه قد يجعلهم عرضة للفصل من المؤسسات الاعلامية. في هذا الاطار، كشف مراسل من الاغواط يعمل لدى صحيفة مقربة من أحد رجال الأعمال المعروفين أنه تعرض للإهانات في كثير المرات من المقر المركزي حيث يقوم رئيس التحرير بقطع المكالمات في وجهه وتوبيخه، ومقالاته الاخبارية لا تنشر بعد ان طلبت منه رئيسة القسم المحلي التوسط لأخيها مع مؤسسة بترولية لتقوم بكراء سيارات رباعية الدفع من وكالاته. أوضح في سياق متصل أن الحديث عن التأمين والأجر خطان أحمران وهي الوصاية التي ورثها ممن سبقوه للمهنة حتى لا يجد نفسه بدون دخل. سرد ل «الشعب» المراسل «م/ك» من أدرار الذي كان يعمل مع صحيفة من غرب البلاد، حيث قال: «...كان رئيس التحرير ورئيس القسم المحلي يطلبان مني القيام بربورتاجات ومهام تستحق التنقل ومصاريف دون أن يبعثوا لي بمصاريف المهمة، ولما طلبت منهم ارسال الحقوق قاموا بتهديده بالطرد». أوضح أن الأجر الذي لم يكن يتعدى 12 ألف دج كان يتأخر الى أكثر من 20 يوما، وهو ما جعله يتوقف ويبحث عن عمل في جهة أخرى. من جهته، قال مراسل من ولاية جنوبية كان يعمل مع مؤسسة اعلامية كبرى بأنها لم تتكفل به عندما أصيب بمرض خبيث ولم يجد سوى الوالي الذي ضمن له سيارة نقلته الى غاية مقر سكناه بالهضاب العليا وهو ما جعله يكره الاعلام كرها شديدا. وأضاف قائلا: «كدت أن أفقد حياتي بسبب أشخاص لا يهمهم سوى الأخبار والأموال». نفس الصورة قدمها «ف/ب» مراسل يومية من غرب البلاد عمل معها في سنوات 2004 /2005 وانتهت مغامرته معها بمتابعة قضائية بعد ان أخلف مديرها تنصيبه كصحفي دائم ولم تفصل العدالة لصالحه وهو ما جعله يغير العنوان الاعلامي. أكد « ف.ب» في شهادته ل»الشعب» أنه كان مراسلا ولكنه يعمل أكثر من صحفيي تلك الجريدة ودون أدنى حقوق وباعتراف المدير العام آنذاك لكن تشويه سمعته وعدم الاعتراف جعلته يغادر مُكرها. تحدث مراسل من ولاية بسكرة عن الاتهامات التي يتلقاها من الجميع وحتى المقر المركزي للصحيفة التي عمل بها حيث يؤكدون له استفادته من سكنات وقطع أرضية وامتيازات، موضحا لو كان لدي تلك الثروات لماذا أقبل الاهانة من أشباه صحافيين، موضحا بأن القيم التي درسها بالجامعة كانت كلها أضغاط أحلام لم يجدها في الواقع. كما تحدث مراسلون آخرون عن معاناتهم من التخلي عنهم بعد المتابعات القضائية التي تعرضوا لها بسبب السب والشتم والقذف والكتابة دون مصادر،حيث اعتبروا ذلك نكرانا لتضحياتهم مع المؤسسات الاعلامية خاصة في العشرية السوداء حيث غامروا كثيرا ليجدوا أنفسهم في الأخير عرضة للإهانة. من الوقائع التي نقلها أحد المراسلين الذي تم توقيفه عن العمل برسالة «اس.أم.أس» حيث أوضح المراسل الذي يعمل حاليا في احدى الاذاعات أنه طلب من الادارة تأمينه اجتماعيا، لأنه كان يعاني من مرض مزمن فثارت ثائرة المسير وطرده بالطريقة المذكورة سابقا. بيع الصحف وجلب القراء وراء الاهتمام بالإثارة كشف الاعلامي عزوز بلعمري الذي سبق له وأن عمل رئيسا للقسم المحلي في جريدة «الأحداث» أن سبب الاهتمام بالمواضيع الأمنية والمتعلقة بالجريمة، وتكليف المراسلين بها لعدة أسباب قائلا: في تصريح ل «الشعب»: «اعتقد ان اهتمام المراسلين بهذا النوع من الأخبار يرجع أساسا الى سهولة الحصول على مثل هذه الأخبار التي تأتيهم عن طريق بيانات من مصالح الامن والشرطة والدرك والحماية المدنية، والجيش، كما أن هذه الأخبار غالبا ما يحصلون عليها وهي جاهزة أي هذه الاجهزة تقوم بتحرير الاخبار والمراسلون يمضونها بأسمائهم ومن ثم يرسلونها الى الجريدة.» أضاف عزوز «كل الصحف الخاصة تبحث عن الاثارة، عكس الصحف العمومية، لاعتقادهم أنها تجلب متابعة الجمهور ومن ثم زيادة المبيعات والانتشار». حول ما إذا كان هذا التوجه نابعا من مسؤولي الجرائد، أكد عزوز «...الأمر ليس مفروضا دائما، أظن أن المراسلين يقومون بذلك بحرية، إذ يعتقدون أن هذا النوع من الأخبار هو الجدير بالقراءة من طرف الجمهور». حول تقييمه لعلاقة المراسلين بالسلطات المحلية، أكد عزوز في هذا السياق «أعتقد أن علاقة المراسلين بالسلطات المحلية هي علاقة محاولة استغلال أو محاولة ابتزاز، الكثير من المراسلين استغلوا السلطات من خلال تلميع صورتهم لدى الرأي العام مقابل الحصول على امتيازات .. كما أن السلطات المحلية هي أيضا تستغل الصحافيين في هذا الشأن .. وقد سمعنا ان مراسلين تحسنت وضعيتهم المالية والاجتماعية أفضل بكثير»، واقترح عزوز لتطوير قدرات المراسلين دورات تكوينية مكثفة ومنحهم أجور محترمة وتوفير الإمكانيات لهم. الوساطات وتصفية الحسابات لتوظيف المراسلين حقيقة نسبية... اعترف الصحافي فيصل حملاوي، باختلال بعض المعايير في انتقاء وتوظيف المراسلين، معترفا بوجود عامل الوساطات وتصفية الحسابات أي اختيار من له القدرة على تنفيذ سياسة الجريدة وقرارات المسؤولين، موضحا «.. أولا يجب أن نصنف أنواع المراسلين، هناك من يتم توظيفهم بناء على مسارهم المهني، وهناك من يتم انتقائهم عن طريق وساطات، وهناك من يتم قبولهم بناء على عرضه على المؤسسة، في كثير من الاحيان يكون انتقاء المراسل بناء على مبادرات فردية من طرف الراغبين في مراسلة أي وسيلة اعلامية وذلك بعرض خدماتهم على المؤسسة». أضاف حملاوي ل»الشعب»: «في الكثير من الاحيان يتم توجيه المراسلين لخدمة حسابات ضيقة على حساب الرسالة الاعلامية على المستوى المحلي، وبعضهم يذهب ضحية لذلك.. لكن يبقى ذلك ضيقا.. أي ان اللجوء الى ذلك محصورا في حالات تدرج ضمن «المنفعة الخاصة»، وفي المقابل نجد وعيا لدى الكثير من المراسلين». حول موضوع التفرقة بين الصحافيين المحترفين والمراسلين رغم تقارب مستوى المجهودات والتضحيات، فيصل حملاوي يضيف: «يجب تعريف الصحفيين المحترفين وهم الذين يتفرغون لنقل الاخبار ويتخذون من ذلك مصدرا لرزقهم، أما المراسلين فأغلبهم غير منتسبين الى الإعلام . أغلبهم موظفون في قطاعات أخرى وبذلك لا يمكن اعتبار أي مراسل صحافي لأية وسيلة اعلامية صحفيا محترفا، وقانون الاعلام خير مرجع في ذلك». برر حملاوي تركيز المراسلين على اخبار الاثارة الى رغبة القارئ الذي ملّ من كلام الساسة ورجالاتها، ويريد الملموس أكثر من الوعود، هو الامر الذي أثر سلبا على الجانب التنموي. الاثارة أحسن من الأخبار الروتينية دافع طاهر حليسي، المراسل الصحفي من ولاية باتنة، عن عمل المراسلين ورفض أن يصف عملهم بنقل الاثارة دون المواضيع الأخرى، مصرحا ل «الشعب»: «الإهتمام بالمواضيع التي يراها الكثيرون مثيرة، راجع لمقروئيتها لدى القراء. فأنيس منصور الكاتب الكبير لا يتحرج في الكتابة عن حوادث المرور، وعلينا أن نتخلى عن فلسفة تحقير هذه المواضيع فحوادث المرور تحصد أرواح 12 جزائري يوميا، بحسب احصائيات رسمية، كما أن الصحف العالمية تكتب عن هذه المواضيع، وهي أفضل من أن تكتب زيارات روتينية لولاة أو وزراء من حيث المقروئية». أشار حليسي في سياق متصل عن علاقة المراسل بالمؤسسة الاعلامية والنظرة قائلا: «..العلاقة تحددها شخصية المراسل وهي علاقة مركبة جدا و معقدة بحكم التعارض»، معتبرا أن المراسل في الجانب المهني أحسن حالا من الصحفيين الذين يعملون في المقر المركزي من حيث هامش المناورة والحرية. أشار حليسي «على أي حال المراسل يملك حرية أفضل من الصحفي المركزي بحكم قرب الثاني من مراكز الضغط والعلاقات مع الوزراء وغير ذلك». طالب في سياق متصل الى ضرورة الاهتمام بالمراسلين، مثلما يتم الاهتمام بالصحافيين قائلا: «..مثلما يتم تطوير الصحفي المركزي ينبغي تطوير الصحفي المراسل. من خلال دورات التكوين والرسكلة». توظيف المراسل يجب أن يخضع لشروط توظيف الصحافيين أكد جمال بوشاقور ، أستاذ علوم الاعلام والاتصال بجامعة الجزائر 3، في تصريح ل «الشعب» أن توظيف المراسلين يجب أن يخضع لنفس شروط لتوظيف الصحافيين لتقديم القوة اللازمة لهذا النوع من الاعلاميين، موضحا حول معايير انتقاء توظيف المراسلين التي توصل إليها بعد اجرائه رسالة ماجستير حول واقعهم المهني والاجتماعي أن « معايير الانتقاء تختلف من الصحف الصادرة بالعربية والاخرى، الصادرة بالفرنسية التي غالبا ما يقتصر فيها الانتقاء على معيار التحكم وإتقان اللغة الفرنسية، دون ضرورة الشهادة أو التكوين في الصحافة. أما بالنسبة للصحف الصادرة بالعربية هناك نسبة ضئيلة من المراسلين الذين يتم انتقاؤهم وفقا لمعيار التكوين والأغلبية يتم اختيارهم عن طريق المحاباة والتوسط عبر رئيس المكتب المحلي أو الجهوي أو انطلاقا من الإدارة المركزية. حول دور المراسل في التنشئة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، قال بوشاقور هذا أمر مرهون بمنحه تكوينا متواصلا في أساسيات العمل الصحفي خاصة للذين يفتقدون إلى ابجديات الممارسة الصحفية وأهداف الخدمة العمومية،والمساهمة في التثقيف، التربية ومراقبة المحيط. أضاف بوشاقور: «يمكن للمراسل أن يلعب دورا أساسيا في التنمية من خلال تعزيز ممارسته في إطار الحق في الوصول إلى مصادر المعلومات و الوثائق العمومية والتقارير الخاصة بمدى تقدم أو تعطل المشاريع التنموية المحلية، حيث يمكنه تبسيط أسلوبها ونشرها على نطاق أوسع، مساهما بذلك في التنمية «. طالب من المؤسسات الاعلامية توفير الظروف الملائمة لتطوير قدرات المراسلين، معلقا على واقع التغطية الاجتماعية والأجور «يرتبط هذا السؤال بالطريقة أو الشكل الذي تبنى من خلالها المؤسسات الصحفية علاقات العمل مع شبكة مراسيلها. ففي السابق كانت كل صحيفة تكتفي بمراسل يعين على مستوى إقليم ولاية معينة تربطه غالبا بعقد محدد زمنيا أو بصفة دائمة، وفي هذه الحالة فهو غالبا ما يستفيد من حقوقه، لكن هذه الفئة هي الأقل تواجدا في الساحة بحكم لجوء الصحف الى توظيف عدد من المراسلين يفوق 6 بالولاية الواحدة، تربطها معهم علاقات هشة غير قانونية من خلال أمر بمهمة لشهرين أو ثلاثة، تجدد باستمرار، وأحيانا تجدهم بطالين وأحيانا يمارسون مهن حرة وبعضهم في سلك التعليم وغالبا ما يتقاضون منح من مؤسستهم الصحفية، لكن على عكس ما نتصور، فإن أغلبهم لا يهمه مسألة الاحترافية أو تأدية الخدمة العمومية بقدر ما يهمه نسج علاقات مع الادارة المحلية، وتحقيق أهداف ومصالح شخصية، لذا غالبا ما نجد المحاكم تعّج بهم». تدهور الاعلام المحلي يتحمّله مسؤولو المؤسسات الاعلامية .. كشف الدكتور اليامين بودهان من كلية علوم الاعلام والاتصال، بجامعة فرحات عباس بسطيف، في حديث ل «الشعب» أن ما يعيشه المراسلين من وضعية مزرية اجتماعيا ومهنيا يعود لانحراف السياسيات التحريرية للمؤسسات الاعلامية قائلا: «أعتقد أن توجه أغلبية المراسلين المحليين في الجزائر لتغطية أخبار الإثارة، مرّده انحراف واقع على مستوى سياسات التحرير التي ترسمها إدارات وسائل الإعلام، التي أصبحت تفكر بمنطق تجاري يستهدف الوصول لمقروئية أو مشاهدة أكبر، ولو كان ذلك على حساب نوعية وجودة الأخبار المنشورة، وحتى لو اقتضى ذلك نشر مادة إعلامية لا تتوفر فيها مواصفات معينة» كمصداقية مصدر الخبر، الموضوعية، النزاهة ... هذا التوجه دفع بالمراسلين للبحث عن أي خبر، مهما كانت قيمته الخبرية، فأغلب ما ينشرونه لا يخرج عن مواضيع بعينها: جرائم قتل، اغتصابات، اختطافات». انتقد بودهان اهمال فنيات التحرير الجمالية والجدية على غرار التحقيق والريبورتاج قائلا: في هذا المجال: «الريبورتاج مثلا من أهم وسائل إظهار الإمكانيات السياحية للبلد لو أحسن استغلاله، ونلاحظ غياب تام لهذا النوع الصحفي في الإعلام الجزائري، لم نعد نقرأ أو نشاهد ريبورتاجات تروج للموروث الثقافي والشعبي والفني وللأماكن السياحية التي تزخر بها كل الولايات، وأعتقد أن من أسباب غياب هذا النوع الصحفي عدم تمكن كثير من المراسلين المحليين من توظيف الريبورتاج، وهنا يأتي دور التكوين الإعلامي للمراسل». أضاف بودهان حول علاقات المراسلين بالسلطات المحلية والاتهامات الكثيرة الموجهة للطرفين باستغلال كل طرف لتحقيق أهداف ضيقة أو نشر صور غير حقيقية «أعتقد أن نقص تكوين وعدم احترافية أغلب المراسلين المحليين يجعلهم في موقع ضعف أمام السلطات المحلية، إذ لا يستطيع أغلبهم التواصل مع المسؤول للوصول لمصادر الخبر، كما أن غموض وضعيتهم المهنية على مستوى مؤسساتهم الاصلية، -أغلبهم غير مثبتين ولا يملكون بطاقات مهنية أو تصاريح عمل، ولا ضمان اجتماعي، ولا أجر ثابت، كل ذلك يجعلهم في موقف ضعف أثناء تأديتهم لمهامهم». للرقي بمهنة المراسل، يرى بودهان ضرورة «اعادة الاعتبار للمراسل المحلي و اعطائه حقوقه كاملة بالإدماج المهني، الحقوق الاجتماعية والمهنية، حق التكوين والتدريب، توظيف أصحاب الاختصاص في الإعلام ولا يفتح المجال لأي كان «حتى دون مستوى كما هو حاصل الآن ، هو الكفيل فقط بجعل المراسل يعمل بكفاءة ويكون شريكا فعليا في تحقيق التنمية المحلية والاعلام الجواري في ابعد مداه وقيمته».