ثورات لم تنل الاهتمام المطلوب تعد المقاومات الشعبية بمنطقة الزيبان ببسكرة عينة من النضال التحرري الذي خاضه الشعب الجزائري ببوابة الصحراء منذ أن وطأت أقدام المستدمر الغاشم أرض الجزائر الطاهرة سنة 1830، والمعروفة بقائدها البطل الشيخ بوزيان وابنه اللذين قتلا رفقة مجموعة من المجاهدين، دفاعا عن المنطقة التي احتلت في 4 مارس 1844، في ثورة الزعاطشة سنة 1849. بعد استشهاد الشيخ بوزيان وابنه أخذت فرنسا رأسيهما المحنطة لتوضع في المتحف الأنثروبولوجي بباريس، بحيث سجلت بطولة الشيخ بوزيان الذي تجهله الكثير من الأجيال، على صفحات من الشجاعة والإقدام التي عرف بها كل الجزائريين. في هذا الصدد، أصدر الإعلامي والباحث الأستاذ فوزي مصمودي، مدير المجاهدين ببشار كتاب يتناول التسلسل الزمني للمقاومات الشعبية بعنوان:«المقومات الشعبية بمنطقة الزيبان: كرونولوجيا الأحداث”، وهذا بغرض ربط الصلة بين جيل المقاومة والثورة وجيل الاستقلال والحرية، بحيث اعتمد على عدة مراجع ورسائل جامعية ودوريات. أوضح مصمودي في هذا السياق، أنه من أجل حصر وتحديد أهم الثورات والمقاومات والانتفاضات الشعبية والمعارك التي وقعت بمنطقة الزيبان (بسكرة)، ضد الاستدمار الفرنسي، خلال القرن التاسع عشر الميلادي، بادر إلى إعداد هذه الكرونولوجيا وذلك لتسهيل عملية البحث التاريخي على الطلبة والمشتغلين بتاريخ منطقة الزيبان العريقة، ولتكون منطلقا لدراسات أكاديمية وأطروحات معمقة حول هذا الموضوع. بحسب مصمودي فإن، موضوع المقاومة بالمنطقة لم يجد العناية المطلوبة من قبل الباحثين والمؤرخين، ولم يفرد لها كتاب مستقل رغم طول مدتها وأهميتها والنهايات المأساوية والمفجعة التي عرفتها، وكذا الدور الكبير الذي قامت به في تأخير تغلغل المستدمر الفرنسي في الصحراء الجزائرية. في مقدمة الكتاب، قال الباحث أن منطقة الزيبان “بسكرة وما جاورها” تعد من أعرق المناطق في الجزائر، بل في الشمال الإفريقي، وتاريخها حافل بالبطولات والمآثر التي يحق لأهلها الفخر به على مدى الأيام، مؤكدا أن بسكرة كان لها مساهمة كبيرة وفاعلة في التصدي لكل الموجات الاستعمارية التي تعرضت لها الجزائر عبر الحقب المتعاقبة، كما أنها سطرت بطولات عظيمة في مقاومة المحتل الفرنسي، لاسيما مقاومة الزعاطشة الشهيرة سنة 1849 ومقاومات الشيخ عبد الحفيظ الخنقي والشيخ الصادق بلحاج وانتفاضة العامري، سنة 1876 وغيرها. أضاف مصمودي، أن المستدمر الفرنسي ظن أنها واحة مفتوحة مثل بسكرة من السهل السيطرة عليها بأيسر الطرق، لكن ظنه خاب وفشلت مساعيه فلم يتمكن من الانقضاض على بسكرة إلا بعد مقاومات شرسة وعنيدة، وكان من أبرز تلك المقاومات ثورة الزعاطشة الشهيرة والتي حمل رايتها الشيخ بوزيان ورفيقه الشيخ موسى الدرقاوي، حيث سجلت هذه المقاومة ملاحم باهرة وبطولات رائعة لازال التاريخ يذكرها إلى اليوم، وما دخل الغاشم الفرنسي واحة الزعاطشة، إلا بعد أن ارتكب الجنرال هيربيون مجازر رهيبة يندى لها جبين الإنسانية خجلا وأسفا. أبرز مدير المتحف الجهوي للمجاهد لبسكرة في هذا الإطار، أن الثورات والمقاومات الباسلة التي خاضها سكان الجنوب خاصة بسكرة إلى أن ظهرت الحركة الوطنية التي مهدت للثورة التحريرية المباركة، وكان لمنطقة الزيبان دور فعال وبارز في قيادة العمل الوطني، وكان من رجالاتها كثير من رموز الحركة الوطنية، مثل الحكيم سعدان، العربي بن المهيدي، الطيب العقبي ومحمد خير الدين وغيرهم من الرجال الأفذاذ. موازاة مع ذلك أوضح مصمودي، أنه عندما اندلعت الثورة التحريرية المباركة كانت هذه المنطقة رائدة في العمل الثوري، إذ نفذت بها ليلة الفاتح نوفمبر 1954 خمس عمليات فدائية قوية، وقدمت قوافل من الشهداء والأبطال الأشاوس إلى أن نالت الجزائر استقلالها، داعيا إلى ضرورة تخليد هذه المآثر في ذاكرة الأجيال الجديدة وإيصال الماضي بالحاضر لبناء مستقبل البلاد، على أساس تاريخ متين وقاعدة من عطاء الماضي الغني والزاخر بالبطولات والأمجاد.