بالرغم من اتخاذ السلطات العمومية جملة من الإجراءات الردعية في حق مرتكبي حوادث المرور وتشريع عدة قوانين لمحاربة الارتفاع الكبير في حوادث المرور كتحديد السرعة الأقصى ب 80 كلم/سا بالنسبة للسائقين الحائزين على رخصة السياقة أقل من سنتين، كما هو منصوص عليه، إلا أن هذه الفئة لازالت لا تراعي أدنى التعليمات الموجهة إليها، وتتجاهل بنود قانون المرور. فهل ستخضع هذه المرة لمشروع قانون المرور الجديد المؤرخ في 19 أوت 2009 والمتعلق بتنظيم حركة المرور عبر الطرق وسلامتها وأمنها، بعد أن فشلت كل الحملات الإعلامية والتجنيد الكبير لمصالح الأمن في التقليل من الظاهرة، أم أنها ستتجاهله كما فعلت بقانون 2004 الذي أدخلت عليه عدة تعديلات بعد أن ثبتت محدوديته بالنظر إلى تواصل تسجيل أرقام مرعبة من القتلى والجرحى؟. باتت حوادث السير وما تتركه من آلام وأحزان قاسما مشتركا بين الكثير من الأسر الجزائرية، إذ لا يكاد يخلو بيت جزائري إلا وفجع بقريب أوعزيز، ولعل ما تركه الحادث المروع الذي وقع، أول أمس، بالمدية وذهب ضحيته 12 قتيلا و64 جريحا فاجعة في نفوس المواطنين وحتى المسؤولين، لأكبر دليل على هذه المعضلة التي باتت تتطلب اتخاذ الإجراءات الحكومية والمجتمعية الرادعة لوقف هذا النزيف الدموي على الطرقات . وللحد من هذه المعضلة صادقت الحكومة، مؤخرا، على قانون المرور الجديد، الذي ضم إجراءات مشددة وعقوبات تصل إلى عشر سنوات سجنا نافذا، كما يقر القانون الجديد الذي دخل حيز التنفيذ الأسبوع الماضي، غرامات مالية على المخالفات، تتراوح بين 2 و6 ألف دينار، بعدما لم تكن تتجاوز في نص القانون في نسخته السابقة ال 1800 دينار كأقصى حد مطبق على المخالفة، على أن تحول الرخص مباشرة إلى المحكمة للبت فيها مع رفع قيمة المخالفة ثلاث أضعاف وعقوبات تصل إلى 10 سنوات سجنا نافذا وغرامات مالية تصل إلى 100 مليون سنتيم مع السحب الفوري لرخص السياقة يمكن أن تصل مدتها إلى أربع سنوات، فضلا عن إجراءات ردعية أخرى تأتي تماشيا مع المستجدات التي تعرفها الساحة المرورية من تزايد كبير في عدد المركبات رافقه عدد الحوادث المرورية الأليمة التي تخلف سنويا ما لا يقل عن 4000 قتيل و60 ألف جريح، بالإضافة إلى تسجيل خسائر مالية تقارب الملياري دينار. وتضاف هذه الإجراءات والتشريعات للجهود الكبيرة التي تبذلها السلطات التي تسعى جاهدة إلى وضع قوانين ردعية عساها تسهم بقدر في التخفيف من المآسي التي تسببها حوادث المرور بعد أن تسبب الفراغ القانوني في ارتفاع خطير لعدد قتلى حوادث المرور باعتبار أن قانون المرور المشرع في 2004 أصبح غير قادر على ردع المخالفات التي تؤدي إلى حوادث مميتة، وهو ما اتفق عليه جل ممثلي السلامة المرورية. وتبقى السلامة المرورية تتطلب تطبيق تدابير عديدة وتقتضي التعاون من كل الجهات والقطاعات المعنية وتوفير الإمكانيات المادية والصرامة في تطبيق قانون المرور وليس في تشريعه، خاصة وأن العنصر البشري ولامبالاة السائقين والمارة، على حد السواء، من ابرز أسباب هذه المعضلة.