تراهن أوروبا على الجانب الأمني لإنقاذ الاتحاد من أجل المتوسط حيث وبعد فشل المبادرات الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية والثقافية لإقناع دول جنوب البحر المتوسط للتحالف مع أوروبا من اجل صد الزحف الأمريكي والصيني تعول القارة العجوز على الملف الأمني لتدارك التأخر وإقناع دول جنوب المتوسط بضرورة الانخراط مع الاتحاد الأوروبي لصد الهجمات الإرهابية المحتملة مستقبلا وهي الطريقة التي اتبعتها الولاياتالمتحدةالأمريكية لجر دول الشرق الأوسط لإبرام اتفاق معها ضد العراق وإيران وأفغانستان ومنه الاستحواذ على المشاريع والصفقات وتسويق الأسلحة التي باتت السلع المفضلة للتصدير في الدول الغربية. انتقل الاتحاد الأوروبي من مرحلة المفاوضات مع دول جنوب المتوسط حول الشراكة السياسية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية والثقافية إلى الجانب الأمني للضغط على دول الجنوب للتراجع عن القطيعة مع أوروبا التي أظهرت سوء نواياها في مسار برشلونة الذي انطلق في 1994 وكذا اتفاق الشراكة مع الجزائر الذي دخل حيز التطبيق في الفاتح سبتمبر 2005 واللذان لم يقدما الجديد لدول جنوب المتوسط ومنها الجزائر حيث أفشل التفاوت في القدرات الاقتصادية والتكنولوجية برامج الشراكة كما كانت لأنانية الجانب الأوربي دورا كبيرا في إفقاد الثقة بين الأطراف حيث أخلت أوروبا بوعودها تجاه التنقل الحر للأشخاص وكذا نقل الاستثمارات المنتجة، وهو ما جعل دول الضفة الجنوبية تخسر الكثير من الوقت والجهد والمال دون فائدة وتبين لها فيما بعد بان أوروبا تحاول إبقائها كأسواق لسلعها ومنتجاتها وزادت حدة هذه الرغبة مع الأزمة المالية العالمية أين سقط القناع عن أوروبا وظهرت نواياها الخبيثة. وزادت مخاوف دول الجنوب من الأنانية الأوروبية من خلال مبادرة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الخاصة بالاتحاد من اجل المتوسط الذي اعتبره بديلا جديا لاتفاق الشراكة غير أن خلفياته البراغماتية والانحياز لإسرائيل سرعان ما طفت للسطح مع العدوان على غزة حيث أجهض مشروع الاتحاد من اجل المتوسط في المهد وبقي ساركوزي يصارع الريح بالطاحونات، وحتى وضعه مصر بجانبه في رئاسة الاتحاد من اجل المتوسط أظهر سوء نيته لأن الجزائر وليبيا رفضتا الانسياق وراء تحالفات وهمية بنظرة امبريالية وتم إعلان التحفظات في قمة باريس في 13 جويلية 2008 وهو ما لم يعجب الرئيس الفرنسي آنذاك الذي توسل للدول الأوروبية التي لا تطل على المتوسط لمساندته من أجل إنقاذ مصالح أوروبا في جنوب المتوسط بعد الهيمنة الأمريكية والصينية على الأسواق والصفقات. وما زاد من مخاوف أوروبا هو بروز العديد من الدول ذات الطموحات الصناعية والاقتصادية على غرار ايران وتركيا والبرازيل وكندا واليابان وروسيا والذين حققوا تقدما كبيرا في التعاون مع دول جنوب المتوسط ومنه تفويت الفرصة على الدول الأوروبية التي تمر بأسوأ مراحلها الاقتصادية والمالية وما يحدث في اليونان من أزمات واللجوء لصندوق التضامن الأوروبي للتكفل بخسائر الكوارث الطبيعية إلا دليل على المتاعب الاقتصادية والمالية للقارة العجوز التي يبدو أنها هرمت وتعبت من تسارع الزمن والمستقبل ينبئ بمفاجآت غير سارة وهو ما قد يعجل بعدم ترشح العديد من رؤساء أوروبا لعهدات جديدة . وتعكس السلوكات المتطرفة والعدوانية ضد المسلمين في مختلف أنحاء القارة الأوروبية الأوضاع الاجتماعية والسياسية المزرية لهذه الدول التي أصبحت تفقد السيطرة على مجتمعاتها في ظل الأنماط السلوكية المعادية للثقافات والحضارات الأخرى المتنافية مع توجهات القارة الأوروبية والتي تكون الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل وراءها لإفساد العلاقة بين مختلف دول حوض المتوسط وهو ما نجحت فيه. وسبقت واشنطن أوروبا في منطقة الساحل الإفريقي أو بالأحرى قطع الطريق أمام الفرنسيين الذين ينقبون عن النفط في موريطانيا ويستخرجون اليورانيوم من النيجر ويحاولون السيطرة على باماكو من خلال ملف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي وعليه فالأيام القادمة ستحمل إلينا المزيد من المناورات والسيناريوهات بين الدول الغربية وكل هذا من أجل الفوز بمناطق نفوذ جديدة تمول صقور الدم والمال في أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية وكل هذا في ظل انعدام مبادرات جادة بين دول المغرب العربي والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية.