تساءل لويس ماريتناز أستاذ بمعهد الدراسات الاستراتيجية بباريس عن سبب غياب سياسات مشتركة تبلورها دول ضفتي المتوسط، رغم أنها تعاني من المشاكل ذاتها منها الارهاب وظاهرة الهجرة غير الشرعية. وأفاد في السياق ذاته باستحالة مواجهة الإرهاب دونما إقامة تعاون، وشدد على ضرورة اقامة دول الضفة الجنوبية لوبيات مع دول شرق أوروبا متهما هذه الأخيرة بالعنصرية ومعارضتها للحوار بين الضفتين. أقر ضيف جريدة »الشعب« خلال الندوة الفكرية حول موضوع »الإشكاليات الأمنية في منطقة البحر الأبيض المتوسط«، بنقص الدراسات التي تتناول هذا الموضوع، وحرص على التوضيح أن الأمر لا يتعلق بمفهوم كلاسيكي في العلاقات الدولية وإنما بناء سياسي وأمني، فمنطقة الحوض المتوسط في حد ذاتها بناء تاريخي، مشيرا الى مختلف المحطات التي قطعها الحوار في المنطقة وكذا الظروف بدءا بالحرب الباردة ومرورا بمسار برشلونة ووصولا الى الاعتراض القوى من قبل دول أوروبا الشرقية وهو أمر غير مقبول من عدة دول منها إيطاليا وفرنسا وإسبانيا. وفي السياق ذاته، أكد بأن دول الضفة الشمالية في المتوسط مهتمون بأمر شركائهم لا سيما البعدين الزمني والعسكري وكذا الأمن الطاقوي، مما اضطر أوروبا الى بلورة سياسة في المنطقة من قبل كل من إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، كما وقف مطولا أمام الفرق الشاسع بين دول الضفتين وانعكاساته على الحوار. واستنادا الى توضيحات الدكتور مارتيناز، فإن أوروبا تتخوف من الحركات الوطنية التي تتأسس كرد فعل على الاقصاء وبروز حركات اسلامية ومن أجل ذلك تم الاتفاق على المبادرة بمسار برشلونة لخلق مناخ توافقي ثم مسار هلسينكي الذي اعتبرته أوروبا جيدا على اعتبار أنه يغذي مسار برشلونة. وبرر ذات المتحدث التركيز على الشق الأمني الذي طغى على الحوار، لأن الأمن أهم معيار في تأسيس منطقة وكذا الأشخاص، مؤكدا استحالة مواجهة مشكل الارهاب دونما إقامة تعاون بين دول المنطقة، وفي هذا الشأن أشارت لندن وفرنسا التي لم يكن بينها أي تعاون أمني إلا بعد أحداث لندن، لكمه بالمقابل أشاد بالتعاون المغربي الاسباني، مؤكدا أن التعاون يتم في إطار ثنائي فقط. ولأن الهجرة لا تقل أهمية عن الأمن، فإن منشط الندوة توقف مطولا عند هذه المسألة، حيث قال بأنه لا يوجد عمل مشترك لحماية الأشخاص بدليل أن إسبانيا استقبلت على أراضيها ما لا يقل عن 4 ملايين مهاجر خلال السنوات الأخيرة دونما استشارة دول فضاء »شانغن« لا سيما وأن دخول الأشخاص وحصولهم على تأشيرات يخول لهم التنقل بكل حرية في مختلف الدول الأوروبية، وهذا الأمر برأيه يتطلب سياسة وطنية للمصالح أي سياسة مشتركة لتسيير ملف الهجرة وقد اقترح مشروع قيمته 10 ملايير أورو إلا أن الدول الأوروبية فضلت إقامة اتفاقيات ثنائية لطرد المهاجرين الى دولهم الأصلية مثلما هو الشأن بالنسبة لليبيا وتونس والمغرب التي فضلت مقايضة هذه النقطة بالمصالح الاقتصادية الداخلية للبلاد مقابل رهان اقتصادي داخلي. وذكر ممثل معهد الدراسات السياسية بباريس بأن ضحايا تنقل الأشخاص تفوق بكثير ضحايا ظاهرة الارهاب، الأمر الذي يستوجب التوقف عند هذه المسألة مطولا ولمواجهتها قررت دول أوروبية اقامة حاجز عسكري بحري من خلال اللجوء الى القوات البحرية لتأمين طرق العبور. وفيما يخص الأمن الطاقوي، فإنه يكتسي أهمية بالغة فدول ضفة الشمال مثلا يهمها أن تكون الجزائر مؤمنة لأنها تزودها ب 15 بالمائة من غازها الطبيعي، وتطرق الى العراقيل الحقيقية لبلورة سياسة مشتركة بين الدول المتوسطية لا سيما وأنها تواجه مشاكل مشتركة في إشارة إلى الإرهاب والهجرة. ومن بين العوائق أثار مارتيناز مسألة هامة، فأوروبا برأيه تتحدث عن الأمن بصفة عامة، لكن هل تفكر في أمن دول الضفة الجنوبية أم بكل بساطة أمنها وفقط وتخليها بذلك عن دورها في تسيير مشاكل الضفة المقابلة، وذهب الى أبعد من ذلك متسائلا أليس الأجدر بالقارة العجوز أن تستثمر أموالها في دول الساحل لوقف هجرة النساء عوض ضخ أموالها في مراكز العبور. وعلاوة على هذا العائق، فإن عدم وجود نفس النظرة للسياسة الجهوية كذلك حال دون نجاح الحوار وتقوية المنطقة، وفي هذا الشأن أكد بأن أولوية أوروبا الدول الشرقية منها أكثر من الضفة الجنوبية للمتوسط، مقرا بأن الدول الشرقية تعارض الحوار متهما إياها بالعنصرية، ورفضها المطلق للحوار الذي يكلف نحو 6 ملايير أورو وترى بأنها الأحق بها وهذا الأمر أضاف يقول يطرح مشكلا بالنسبة لإسبانيا وإيطاليا وفرنسا، لأنهم في حاجة الى الضفة الجنوبية من المتوسط ومنطقة الشرق الأوسط، فيما أكد بأن الفضاء جنوب جنوب يطرح مشكلا هو الآخر. للإشارة، فإن منشط الندوة خلص الى القول بأن التعاون الأمني في اطار العلاقات الثنائية ناجح، وبرأيه فإن سياسة الأمن في المتوسط يعرقلها اختلاف الأهداف التي تصبو لها كل ضفة من المنطقة، ولم يفوت الفرصة للقول ما جدوى وجود الاتحاد من أجل المتوسط.