أصبح انشغال طب العمل بقطاع التربية محل نقاش ثري ومثمر على مستوى الوصاية وزارة التربية الوطنية والشركاء الاجتماعيين الذين حملوا هذا الملف الحيوي لمحاولة تحسيس السلطات العمومية بأهمية فتحه وفق ما تنص عليه القوانين المنظمة لهذا القطاع الصحي. وفي هذا السياق يسجل ذلك التجاوب من قبل الوصاية التي وقعت على محضر اجتماع كان لها مع النقابيين خلال الأيام الماضية.. قصد الشروع من الآن فصاعدا في إعداد الآليات اللازمة التي يتوجب الأمر ايلاء لها العناية للوصول بهذا المطلب إلى أقصى حد في تجسيده ميدانيا.. وهذا انطلاقا من مبدئي الالتزام والمتابعة ونعني بذلك إخراج هذا الملف من الأدراج. وبعثه على أساس نظرة جديدة تختلف عن سابقتها. وعليه فإن الفضاء التعليمي اليوم.. لا يخلو أبدا من تنامي حدة الأمراض المهنية منها تلف الحبال الصوتية، رجات في الجهاز العصبي، أصوات متواصلة على مستوى الأذن، والحساسية.. كل هذا ناجم عن استعمال الطباشير، والكلام المتواصل، والضجيج اليومي.. بالاضافة إلى التداعيات الأخرى كالضغط الدموي ، والدوالي والقولون ناهيك عن أمراض لا يمكن الحديث عنها إلا بعد التشخيص. في هذا الاطار حاولنا عرض عينات حية عن معلمين وأساتذة تعرضوا في مسارهم المهني إلى اصابات ناتجة عن القيام بهذه المهمة النبيلة ألا وهي تنوير عقول الأجيال من التلاميذ.. وتلقينهم فضائل العلم.. وتزويدهم بقيم مواجهة المستقبل... كما أن هناك اشارة إلى الحيثيات القانونية لهذا الجانب. ❊ جمال أوكيلي أحمد بوترعة نقابي وأستاذ الإطار القانوني متوفر لإنشاء مصلحة طب العمل يرى السيد أحمد بوترعة أستاذ في مادة اللغة العربية بمتوسطة الفرزدق بالحراش وأمين عام ولائي للنقابة الوطنية لعمال التربية جزائر شرق أن المرض المهني يقصد به ذلك العجز الذي يصاب به أي معلم أو أستاذ أثناء الخدمة.. ولا يتوقف عند هذا الحد.. بل يستفحل أمره مع مرور الوقت باتجاه الأعقد.. كأمراض الحنجرة.. والحساسية والأعصاب، والأذن.. وغيرها مصدرها الافراط في الكلام.. والأصوات المزعجة في الورشات.. جراء استعمال الآلات.. وكذلك المواد الكيمياوية في المخابر. وحسب السيد بوترعة فإن ملف طب العمل في قطاع التربية ليس وليد اليوم.. بل يعود إلى سنة 2006 حيث أفضى الاجتماع مع مسؤولي وزارة التربية إلى اكتشاف بأن هذا القطاع غير منخرط في المنظومة الوطنية لطب العمل... هذا ما يعني ضمنيا بأن هناك فراغا ملموسا في هذا الإطار.. يؤدي حتما إلى عدم وجود أي آلية قادرة على تضنيف أي مرض إن كان مهنيا أو غير ذلك. وتبعا لذلك فإن المرض الوحيد الذي يعد مصنفا من طرف الوزارة كمرض مزمن هو مرض تلف الأحبال الصوتية أما باقي الأمراض الأخرى فهي غير معترف بها بتاتا من قبل الوصاية.. وهذا ما أدى إلى كل المشاكل الصحية التي توجد في القطاع حاليا.. بمعنى يزداد هذا الانشغال في توسع دائرة الاهتمام به لايجاد الاطار الطبي اللائق به. وذكر السيد بوترعة بالتعليمة الوزارية المشتركة المؤرخة في 25 مارس 2002 والتي بموجبها تعرف الأمراض المزمنة لبعض المعلمين.. وفي هذا الشأن دعت هذه التعليمة لاعداد برنامج الاستشارات الطبية على مستوى كل ولاية. ومنذ 2002 إلى غاية يومنا هذا لم تنجز عملية الاحصاء العام للأمراض المهنية في قطاع التربية.. نظرا لغياب الاطار الطبي المخول له متابعة الحالات المعروضة عليه.. ومتابعتها في إطا ر بطاقية وطنية شاملة.. ولابد من الشروع في هذا المسعى الكامل شريطة أن يكون قطاع التربية منخرطا في هيكل طب العمل الذي تسيره ترسانة من القوانين... ينطلق منها كقاعدة عمل اساسية لتأطير و بصفة منظمة كل المشتغلين في هذا القطاع. لذلك فإن الأمراض المهنية لا يمكن تصنيفها أبدا.. مالم يكن مصدرها طب العمل.. لأن هذا الأخير أرضية ثرية للإنطلاق في التصور القائم على مرجعية كل القوانين والتعليمات الخاصة به... ولابد هنا من التذكير بالمادة 13 من قانون رقم 88 / 07 المؤرخ في 26 جانفي 1986 التي حددت بدقة مسؤولية الهيئة المستخدمة في طب العمل... من هذا المنظور لابد على وزارة التربية الوطنية أن تنحو هذا النحو.. بعد كل التطور الحاصل في المفاهيم أي في الأول كان الحديث عن الأمراض المزمنة.. والآن يجري الكلام عن الأمراض المهنية وفق منظومة طب العمل. وضروري هنا أن يتم وضع الفواصل اللازمة بين كل من طب عمل.. وخدمات، الضمان الاجتماعي ونشاط التعاضديات. ولا يتصور السيد بوترعة التصنيف الخاص بالأمراض المهنية بدون وجود طب العمل.. هذا ضرب من الخيال لا يمكن السير عليه أو مجاراته نظرا للعلاقة الجدلية والتكاملية بين أطراف هذه المعادلة. وفي ما يخص مسألة احصاء حالات المرضى.. فإن المهمة لا يمكن أن تسند هكذا ارتجاليا إلى النقابيين للقيام بها.. بل هي في حقيقة الأمر من صلاحيات الجهات المسؤولة التي لها مرجعيتها القانونية المعمول بها والسارية المفعول.. ويمكن الانطلاق في ذلك من خلال إعداد بطاقية وطنية للأمراض المهنية في قطاع التربية... يعود إليها الطبيب المعني كلما اقتضت ضرورة ذلك. رأي طب العمل لا يمكن تصنيف أي مرض مهني في غياب الخبرة أكد لنا مصدر طبي له صلة وثيقة بفحص المعلمين والأساتذة أن النقص المسجل حاليا على صعيد هذا القطاع هو غياب التضييق الرسمي لما يعرف بالأمراض المهنية في سلك التربية. وأضاف هذا المصدر إن الجهة الوحيدة المخول لها البث في هذا الأمر هي لجنة خبراء مشكلة من أطباء مختصين ومستشارين في الصحة.. وذوي الكفاءات العالية في مجال التشخيص الحقيقي أو بالأحرى العلمي لكل الحالات المعروضة. وتكون هذه اللجنة تابعة مباشرة لصندوق التأمينات الاجتماعية الذي يتمتع بكل الصلاحيات القانونية المنظمة والمسيرة لطب العمل الذي يؤدي بالضرورة إلى التعامل مع الأمراض المهنية. وخارج هذا الإطار القانوني والتنظيمي.. لا يمكن تصور أي مبادرة أخرى في هذا الشأن.. قادرة على التكفل بهؤلاء المعلمين والاساتذة.. لانه من الأهمية بمكان أن يكون كل معني بالأمراض المهنية على معرفة كاملة بالحدود الذي يعمل فيها الطبيب العام.. هذا الأخير لا يستطيع أبدا أن يتجاوز نطاق ماهو مكلف به بمعنى القيام بفحص الشخص القادم إليه وفق القواعد الصحية المعمول بها.. قياس خفقان القلب.. ضغط الدم.. المطالبة بتحاليل.. الأمر يتوقف عند هذا الحد... وفي مقابل ذلك لا يمكن للطب العام أن يقوم بعملية تصنيق المرض إن كان مهنيا أم لا.. لأن ذلك ليس من صلاحياته.. والكل يعود إلى لجنة الخبراء والخبرة التي تكون على مستوى مصالح الضمان الاجتماعي.. لأن هناك تداعيات لمثل أي قرار طبي يصدر عن الطبيب اتجاه المعلم أو الأستاذ. والطب العام لا يسمح لنفسه أبدا بالتعدي على صلاحيات الغير.. فهو غير مخول لتصنيف أي مرض مهني.. ولابد في هذا الشأن من الاشارة الصريحة لخلفيات أي تصنيق للأمراض المهنية هذا يعني ضمنيا.. بأن صندوق الضمان الاجتماعي مطالب بالتعويضات المادية الناجمة عن الأضرار التي لحقت بالمعني.. والبديهية التي لا تحتاج إلى برهان أن هذه الهيئات المكلفة بالتأمين غير مستعدة لصرف نفقات مالية اضافية في تعويض الحالات المرضية المهنية في قطاع التربية المقدر عدد المشتغلين فيه بالالاف المؤلفة.. هذا الرقم قد يؤثر على الديمومة والحصانة المالية للصندوق.. هذه حقائق لا يمكن التهرب منها أو غض الطرف عنها أو تجاهلها.. بل أن المسؤولين عن صندوق الضمان الاجتماعي شغلهم الشاغل هو السعي الدائم من أجل الحفاظ على سلامة وسيرة هذا الصندوق. لذلك فإنه لا بد من توفر تلك النظرة بعيدة المدى التي تستند إلى مراعاة الجوانب الايجابية التي تعود بالفائدة على التوجه القائم على ترقية أداء المنظومة التربوية.. لأن القضية كل متكامل بين الفعل البيداغوجي والرعاية الصحية المطلوبة للعاملين في هذا القطاع... وهذا ما تم التأكيد عليه خلال الشروع في اصلاح ملف المنظومة التربوية. وحسب نفس المصدر فإن المسألة متشابكة ومتداخلة فيما يتعلق بالرؤية التي تسعى إلى تخصيص فضاء صحي لرجال ونساء التربية فقط فماذا يقول المشتغلين في قطاعات أخرى.. الذين يعانون من كل اشكال القلق والضغط النفسي جراء طبيعة المهنة التي يمارسونها. ولابد في هذا السياق احصاء عام للحالات المرضية المعروضة حتى الآن وكذلك توعية المعلمين والاساتذة بالتوافد على طب العمل. وبالنسبة للتأطير القانوني لطب العمل.. فإنه لا يشوبه أي غموض.. ولا يكتنفه أي لبس.. يبقى فقط كل ما يتعلق بالتطبيق.. فكل الهيئات والمؤسسات مطالبة اجبارا بادخال طب العمل إلى مصالحها.. هي عبارة عن فحوصات طبية دورية.. وبالنسبة للطبيب فإنه ينتظر النصوص التطبيقية التي توضح كيفيات مسار الأمراض المهنية لتفادي كل التأويلات الخاطئة أو القراءات المضرة.