كانت الزيارة الأخيرة للوزير الأول البرتغالي السيد جوزي سكراتست إلى الجزائر منتصف الأسبوع الجاري فرصة مناسبة، استغلتها الحكومة لدعوة المستثمرين الأجانب عموما والبرتغاليين بوجه التحديد لاستغلال فرص الاستثمار التي لا يزال يوفرها الإقتصاد الجزائري على الرغم من استمرار تداعيات الأزمة العالمية واستمرار الشكوك بشأن تعافي الإقتصاد العالمي. هذه الدعوة المباشرة التي وجهها الوزير الأول الجزائري السيد أحمد أويحيى لنظيره البرتغالي في لقاء رجال الأعمال في البلدين، لعرض فرص الإستثمار، استعرضها أويحيى بلغة الأرقام وبعزم الحكومة إطلاق ثاني مخطط خماسي تنموي في المرحلة القادمة التي تغطي خمس سنوات، أي إلى غاية ,2010 ولعل ما قد يلفت الإنتباه وبالتالي يثير المزيد من الاهتمام من قبل المستثمرين الأجانب، هو ذلك المبلغ الضخم المعلن عنه من قبل الوزير الأول والمقدر ب 250 مليار دولار، كاستثمارات في مشاريع تنموية كبرى، ولا سيما في مجال الهياكل القاعدية. فرص استثمارية أخرى أكثر أهمية من حجم التمويل الذي سيرتفع بأكثر من 100 مليار دولار عن التحويل الذي خصص للمخطط الخماسي الأول الذي يشرف على نهايته. وجندت له مبالغ مالية فاقت 150 مليار دولار في إنتظار تقييم مدى جدوى هذا الإنفاق العام على مستوى تحسين الأداء العام للمرافق العمومية وانعكاسات النقلة النوعية التي يفترض أنها ساهمت إلى حد كبير في تعزيز دور الهياكل القاعدية في تلبية الإحتياجات الملحة للمجتمع على العموم. وبالنظر إلى الأرقام الرسمية وخاصة على مستوى المؤشرات الإقتصادية الكبرى، فإن الإحصائيات تعكس إلى حد ما، التقييم الأولي لأداء الإقتصاد الوطني، مثلما أشار إليه أحمد أويحيى لنظيره البرتغالي الذي أكد على أن الجزائر اليوم توجد في حالة جيدة بما أن معدل النمو خارج قطاع المحروقات بلغ 9٪ وأن ميزان المدفوعات يوجد في حالة توازن وارتفاع احتياطي الصرف إلى أكثر من 150 مليار دولار وتراجع البطالة إلى مستويات قياسية وتقليص غير مسبوق في حجم الديون الخارجية إلى 1٪ من الناتج الداخلي الخام في نهاية العام الماضي بعد أن كانت تناهز 60٪ في بداية التسعينات من القرن الماضي، والأكثر من هذا فإن الجزائر ورغم تداعيات الأزمة العالمية وتراجع مدخولها النفطي إلى أقل من النصف، إلا أنها واصلت سياسة استثماراتها العمومية الضخمة وسياسة الإنفاق العمومي بصفة عامة، ولكن مع الأخذ بعين الإعتبار لبعض التدابير التي وإن كانت لم تجد الإستحسان من قبل بعض شركائها خاصة في الإتحاد الأوروبي لنوايا باتت معروفة، إلا أنها كانت ضرورة لحماية إقتصادها من تدفق سلبي لمصادر تمويلها نحو الخارج، التي كانت تستنزف في إطار سياسة الانفتاح وتحرير التجارة الخارجية. الجزائر لم تول أهمية تذكر لبعض الإنتقادات الصادرة عن دول عربية وغربية وحتى من قبل صندوق النقد الدولي حول الإجراءات الضرورية التي اتخذتها لحماية إقتصادها، لأنها في واقع الأمر، لا تجد نفسها مجبرة على الأخذ ببعض »النصائح«، خاصة وأن اعتمادها على إمكانياتها المحلية لتمويل مشاريعها التنموية، يضعها في موقع قوة، يسمح لها برفض أي إنتقاد أو توصيات من أية جهة كانت، ويسمح لها أيضا بعرض فرص الإستثمار المتاحة لديها بالشروط التي تراها مناسبة لحماية إقتصادها، كاشتراط إبرام شراكة مع مؤسسات وطنية عمومية كانت أو خاصة، حيث لا تقل نسبة هذه الأخيرة عن 51٪ في حالة الشراكة مع مستثمرين أجانب. هذه الشروط وغيرها يبدو أن الأطراف الأجنبية بدأت تأخذها بعين الإعتبار، من خلال إبداء بعض الدول الأوروبية مؤخرا رغبتها في دعم الشراكة مع الطرف الجزائري، وكان آخرها البرتغال الذي دعا وعبر الوزير الأول »سكراتست« مؤسسات بلده للمشاركة في المشاريع التنموية الكبرى في الجزائر بعد أن عرض أويحيى للبرتغاليين فرص الشراكة مع متعاملين محليين عموميين أو خواص وبتمويل محلي للإستثمارات البرتغالية في الجزائر. الإقتصاد الوطني مقبل على مرحلة تبدو مكثفة من حيث حجم الإستثمار، وينتظر أن يعلن رسميا عن فحوى المخطط الخماسي الثاني في المرحلة القادمة بمناسبة الشروع في إطلاقه الذي قد يتم في الشهر القادم.