تراقب الجزائر بحذر شديد تداعيات الأزمة المالية العالمية، لحماية اقتصادها من آثارها السلبية التي كانت كارثية على عدد كبير من دول العالم، من خلال إصدار المزيد من الاجراءات العملية قصد تنظيم السوق المحلية والتحكم في الاستثمارات الوطنية. هذه الاجراءات مست في الآونة الاخيرة الشركات التجارية الأجنبية، بعد أن فرضت عليها الحكومة التنازل عن نسبة معينة (30 ٪) من أسهمها لشركاء جزائريون، فضلا عن ذلك القانون الذي يفرض على المستثمرين الأجانب إشراك مستثمرين وطنيين بنسبة لاتقل عن 51 ٪. ويبدو واضحا أن لجوء الجزائر الى مثل هذه الإجراءات وإجراءات أخرى مماثلة متوقعة لاحقا، إنما الهدف منه وقاية الاقتصاد الوطني من أية تداعيات محتملة، خاصة وأن الجزائر اعترفت أخيرا أنها ليست بمنأى عن الأزمة المالية، ليس فقط من حيث مداخيل النفط التي تراجعت بشكل محسوس، وإنما أيضا من حيث التأثيرات الأخرى المباشرة الناجمة عن تراجع تدفق الاستثمارات الخارجية على الاقتصاد العالمي ككل وعلى حركة تنقل رؤوس الأموال الأجنبية. صحيح أن الاقتصاد الجزائري لم يتأثر مباشرة بالازمة المالية، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الدول وفي مقدمتها الدول الصناعية الكبرى، حيث حافظ الى حد ما على توازنه على الأقل في الوقت الراهن، لكن مع استمرار الأزمة العالمية التي يبدو أن بداية الخروج منها يبدو صعبا للغاية رغم الاجراءات المكثفة المتخذة لدرء مخاطرها، فانه من المحتمل جدا أن تمس مباشرة قطاعات محلية، لذا فان مسؤولين في الحكومة لم يتوانوا في الإلحاح على ضرورة اتخاذ المزيد من القرارات، مثلما أعلن عنه مؤخرا وزير الخارجية السيد مراد مدلسي الذي أكد على عزم الدولة إصدار المزيد من القوانين والاجراءات لحماية الاقتصاد من تداعيات الازمة العالمية رغم الانتقادات التي توجه من قبل الدول الغربية على وجه التحديد. غير أن هذه الانتقادات التي جاءت كرد فعل على عزم الجزائر حماية اقتصادها، لم تؤثر كثيرا في رغبة المستثمرين الأجانب إستغلال فرص الاستثمار التي تعرضها الجزائر، ولاسيما في قطاع المحروقات، ولعل خير دليل على ذلك الحضور المكثف للشركات البترولية الأجنبية والبالغ عددها أزيد من خمسين شركة، حسب مصدر في قطاع الطاقة والمناجم، التي تنقلت خصيصا الي الجزائر للاستماع الى العرض العام التي قدمته الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات، حول الفرص المتاحة لاستغلال المحروقات في عشرة مواقع محلية. هذا الحضور المكثف للشركات الأجنبية يدل على الاهتمام الذي لايزال يوليه الاستثمار الأجنبي للجزائر، حتى لو تعلق الأمر بقطاع المحروقات الذي تأثر بدوره عالميا، بانحسار رؤوس الأموال الخارجية، لكن الأمر يكاد يكون مختلفا على المستوى المحلي، بالنظر الى العدد الهام من الشركات البترولية التي سجلت حضورها مؤخرا، وتنوع هذا الحضور الذي كان ممثلا لعدد كبير من الدول، رغم الاجراءات الحمائية المتتالية التي لجأت إليها الجزائر في اطار تحصين اقتصادها وتجنيبه أزمات مستقبلية، والمحافظة على مواردها المالية، خاصة العملة الصعبة من أي نزيف محتمل فيما لو استمر التعامل بنفس القوانين السابقة. يذكر أن الرئيس بوتفليقة وفي اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع الماضي شدد على ضرورة أن يدرج الاستثمار الأجنبي ضمن الاستراتيجية الوطنية.