يعود الخبير الجزائري الدولي مالك سراي في تقييمه لمسار عقد الشراكة الذي يربط بين الجزائر والإتحاد الأوربي إلى الظرف الذي كان سائدا خلال المفاوضات وعشية توقيع إتفاقية الشراكة، وهو يرى أن الظرف عموما لم يكن ممتازا للجزائر مقارنة بالظرف الراهن، الذي يعتبر أفضل بكثير خاصة في المجال المالي والإستقرار الأمني والسياسي، إضافة إلى إنجاز حوالي 97 بالمائة من المنشآت القاعدية الكبرى. وحقا كانت الجزائر آنذاك في وضع لم يسمح لها بمناقشة بنود عقد الشراكة من مركز أكثر قوة. مثلا بخصوص الحوار السياسي، والذي تنص بشأنه المادة 3 من عقد الشراكة على إقامة حوار سياسي وأمني دوريا وبإنتظام، فإن نفس المادة تنص على أن هذا الحوار يجب أن يلبي تفاهما مشتركا. فهذه النقطة لا تبعث على الرضا من منطلق تجربة السنوات الأخيرة، ذلك أن الجزائر بذلت مجهودات سياسية ودبلوماسية وأمنية تجاه الشريك الأوربي، وترد إيجابيا على مشاكله خاصة في منطقة المتوسط بينما هي لم تحصل على ما كانت تنتظره من هذا الشريك. في نفس السياق، يرد في المادة 4 أنه إضافة لمسألة السلم والأمن هناك جانب التنمية الإقليمية في إطار التعاون. هنا يشير محدثنا إلى أن الإتحاد الأوربي لم يبذل الكثير، وبرهنت التجربة وجود أنانية وبطء وتأخر من الجانب الأوربي نحو التنمية الإقليمية المفيدة. ومن الأدلة أنه بينما كرّست سوناطراك مجهودات كبيرة في استثمار وإنتاج وتصدير الغاز لتحسين درجة تأمين تموين السوق الأوربية ببرنامج فاق 20 مليار دولار على مدى 4 سنوات الأخيرة، فإن الإتحاد الأوربي لم يستثمر أكثر من مليار دولار والمقارنة واضحة. بخصوص حرية حركة البضائع الواردة في الفصل 2 من عقد الشراكة، يتبين وجود خلل لصالح الطرف الآخر بفعل تفكيك نظام الرسوم الجمركية. وإذا كانت المادة 6 تنص على تقارب السوقين، فإن المادة 8 وإن هي تسمح للمواد الجزائرية دخول السوق الأوربية بدون رسوم أو قيود كمية، فهذا الإمتياز أصبح بغير مضمون ملموس باعتبار ليس للجزائر صادرات صناعية قوية. ويتأكد هذا بقوة في المادة 9 التي تدعو الطرف الجزائري إلى تطبيق التسهيلات اللازمة للمنتجات الأوربية، والمشكل الآن يرتبط أساسا بالمادة 9 التي تمنح برنامج تخفيضات جمركية جزائرية على فترات تبدأ من 80٪ من الحقوق الأساسية إلى 20٪ في السنة 6. وهنا الفخ وأعتقد يقول سراي أن المفاوضين الجزائريين لم يأخذوا في الإعتبار أن التنمية الصناعية ببلادنا لم تتعد 1٪ سنويا، والدليل أننا وصلنا إلى السوق الأوربية وليس لدينا ما نصدره صناعيا فانكشفنا أمام شريك شرس وقوي. وأمام هذا المطلوب، طرح بدائل جديدة منها حتى يستفيد الإتحاد الأوربي من السوق الجزائرية خاصة موارد الطاقة، عليه أن يقدم ما يدرج في حقوق التنمية ويدعم التصدير ومرافقة المؤسسات الجزائرية لتبلغ مستوى إنتاج منافس ومقبول بالمقاييس ومن ثمة يمكن تغطية الفراغ لو تدريجيا. ومن المفيد الإشارة هنا إلى أنه حتى بعض الشركات الخاصة التي تستورد الموارد من أوربا إستفادت لكنها لم تقدم ما عليها من واجبات التصدير. المادة 11 من عقد الشراكة تنص أن يقبل أن تكون إجراءات إستثنائية لمدة قصيرة خارج نطاق المادة 9، إذ يسمح للجزائر أن تحدد أجلا لمدة قصيرة بما يسمح بإصلاح قطا الصناعة والنهوض بالصادرات، إلا أن مفهوم مدة قصيرة لا يسمح بذلك، علما أن النص يشير إلى صناعات جديدة وبعض القطاعات في إطار إصلاحها وإخراجها من متاعبها، بينما منظومة الصناعة برمّتها تعاني من مصاعب، ولذلك ينبغي خلال المناقشة الجديدة أن تبادر الجزائر بفرض نفسها والقول أن المنظومة الصناعية تعاني وتحتاج إلى برنامج طويل المدى للنهوض بها. ويجب تسجيل كل ما جرى من اضطرابات واحتجاجات على مستوى الجبهة الإقتصادية والإجتماعية، وطرحها على الطاولة أمام الشريك الأوربي على أساس أن الهدف في النهاية هو تكريس الأمن الإجتماعي ودعم الإستقرار، ولذلك فإن مراجعة عدة بنود من عقد الشراكة مسألة جوهرية. ويتوقف الخبير سراي لدى مراجعة عقد الشراكة عند مسألة حساسة جدا وذات صلة بالسيادة الوطنية، ويتعلق الأمر بالمادة 11 أيضا، حيث تنص فقرة على أن تقوم الجزائر بإعلام لجنة الشراكة بكل قرار إستثنائي تفكر في اتخاذه وتطلب استثماره موافقة عليه قبل أن يطبق. وهذا بند يثير جدل حول كيفية تمريره، وهذا أمر غير ممكن أمام وضعيات طارئة محتملة لا تقبل الإنتظار وفيها تهديد للإستقرار الإجتماعي، ويتساءل كيف بعد 10 سنوات لا يمكن المبادرة بحلول إستثنائية لوضعيات إستثنائية. نقاش مستفيض يشمل أيضا لاتوازن المادة 14 الخاصة بالمواد الزراعية والصيد البحري والمواد الفلاحية المصنعة، ذلك أن المشكل القائم يكمن في عدم وجود الكثير لدينا مقابل الشريك الآخر الذي يستفيد من سوق جزائرية رابحة. ونفس الخلل يكمن في المادة 15 التي تنص على أن يدرس في إطار مجلس الشراكة كل منتوج لوحده على أساس قاعدة مشتركة لتقديم تنازلات متبادلة، وبالطبع تكشف مراجعة ومقارنة القوائم الزراعية والصيد البحري أن الجزائر هي الطرف الضعيف والتكلفة باهضة. وتسليط الضوء على المادة 17 من الفصل الثاني المتعلق بالأحكام المشتركة والخاصة بعدم إمكانية منع أي تصدير أو استيراد كمي، يظهر أنها كلفت الكثير وتؤكد غياب حرية القرار الإقتصادي، غير أن قانون المالية التكميلي لسنة 2009 أنهى حدة تلك المادة وجاء في محله إذ سمح بوضع آلية لحماية السوق الجزائرية. أمام حصيلة هذه التجربة مع شريك لديه أدوات قوة مختلفة، فإن المطلوب التوجه نحوه للمطالبة بدعم تحسين أداء المؤسسات الجزائرية في الإنتاج والإنتاجية، وتدعيم المنظومة البنكية لمواكبة المعايير الأوربية، وعلى الإتحاد الأوربي أن يتحمل هذا العبء لأنه معمول به في بلدان أخرى مثل أوربا الشرقية، ومن ثمة تفادي إرساء شراكة في إتجاه واحد. وفي نفس الإتجاه بخصوص تنقل الأشخاص والتكوين العالي والبحث العلمي، ينبغي إعادة النظر من حيث التطبيق، فكم هو عدد التأشيرات والمنح الدراسية الموفرة؟ ويدعو محدثنا إلى مراجعة هذه الجوانب لتمكين الحاصلين على مستويات جامعية من الإستفادة أكثر من خدمات الجامعات والمعاهد الأوربية في تحصيل العلوم ونقل التكنولوجيا. لقد بذلت الجزائر الكثير أمنيا لتأمين البلدان المجاورة، لكن مقارنة بالوضعية يسجل نو من الأنانية من جانب الشريك الشمالي، بدليل أن في قضية الحراڤة الأفارقة يطلب الإتحاد الأوربي من دول الجنوب ومن الجزائر أساسا لعب دور الدركي عوض أن يلعب دورا إقتصاديا قويا لوقف النزوح، ومثل هذا الملف يتطلب معالجة إقتصادية خاصة وأن لبلدان الإتحاد الأوربي خاصة الأساسية في مسؤولية تاريخية كبرى أيضا. ويخلص الخبير سراي إلى ضرورة إجراء قراءة شاملة وهادئة لعقد الشراكة الجزائرية الأوربية من طرف مختصين جزائريين بما فيهم خبراء في المالية والدبلوماسية لطرح مطلب المراجعة قبل الآجال، وهذا بعد أن ظهرت مسائل جوهرية لا يمكن أن تستثمر وفيها مخالفة لروح عقد الشراكة نفسه. فعلى مستوى السوق التجارية مثلا فإن جانب كبير من نسبة التضخم مستورد من أوربا، فالجزائر تدفع باليورو وتقبض صادراتها بالدولار، فيما كانت تتطلع للحصول على التكنولوجيا وتسهيل تنقل الأشخاص وتدعيم البنوك، ومن ثمة عقد بمثل هذا المضمون لا يحقق قبولا من الأجيال سعيد بن عياد .