بعبارة لخصت ما دار في أذهان الحاضرين أمس في قاعة الجلسات بمحكمة الجنايات بمجلس البليدة، وصفت رئيسة الجلسة المتهم الماثل أمامها السيد ف. عدة "أنت عدّة أشخاص في مرة واحدة"!! فبالنظر إلى الصفات العديدة والوظائف التي كان يظهر من خلالها عند طرح كل سؤال عليه من طرف القاضية وإجابته عليه، بدا السيد ف. عدة، الذي يواجه عدّة تهم في قضية الخليفة، والمعروف أكثر في القضية بصفته مدير مدرسة الشرطة بعين البنيان. هو في الأصل عميد شرطة أول إلتحق بسلك الأمن سنة 1965 وتربص بفرنسا سنة 1967، لكنه رغم هذه المهام، ظهر في القضية على أنه مجاهد في ثورة التحرير وتاجر، وطالب إقامة بفرنسا، وفوق كل هذا هو من كبار المودعين للأموال ضمن الحسابات الخاصة. السيد ف. عدة، أكد لهيأة المحكمة عند إجابته على سؤال متعلق ببداية تعامله مع بنك الخليفة، أين فتح حسابا بحوالي 8 أو 9 مليون دينار، أنه كان يملك تلك الأموال بصفته مديرا ومسيّر أموال وشؤون عائلته، حيث كان والده مقاولا وصاحب شركة خاصة للنقل، ثم ظهر من خلال أقواله أن مجموع ما أودعه من عملة صعبة لدى بنك الخليفة في الخارج: هو 609 ألف أورو، كما يكون بفضل علاقاته المتميزة مع بنك الخليفة حاصلا على بطاقة "ماستر كارد" التي تمكن من سحب الأموال على الحسابات الجارية، رغم أن حسابه لدى البنك كان محدّد المدة، وكانت له بطاقتان مماثلتان، واحدة من بنك "لوكريدي ليوني" بمرسيليا والأخرى من البنك الوطني الجزائري. عميد الشرطة الأول، كان في نفس الوقت مجاهدا في ثورة التحرير، الصفة التي مكنته من الإستفادة من مزايا المجاهدين إبتداء ببطاقة التخفيض على أسعار الخطوط الجوية الجزائرية، مرورا بطلبات الحصول على قطع أرض للبناء من بلدية الشراڤة، إلى امتلاكه 10 شقق كشفت عنها رئيسة الجلسة، إضافة إلى الفيلا بحمام السباحة بمناخ فرنسا ببوزريعة المشيدة سنة 1995 والتي تمّ كراؤها سنة 1997 لسفارة المكسيك، ثم سفارة بوركينا فاسو، وهذه لوحدها لديها مشكل مع العدالة، حيث كشف التحقيق عن عقدين موازيين لكراء هذه الفيلا، واحد باسم المتهم والآخر باسم والده. علاوة على ذلك، قالت رئيسة الجلسة القاضية ابراهيمي في مواجهة المتهم: "أنت فوق هذا تملك صفة التاجر، لأنك مقيد في السجل التجاري وتملك سجلا تجاريا لممارسة نشاط الإطعام السريع" بتاريخ 21 أكتوبر 2000 وقد اعترف ف. عدة، بهذه الصفة، لكنه برّر موقفه بأنه عندما تحصل على السجل التجاري كان بصدد الإعداد للتقاعد، لكنه لم يعترف بالمقابل بمحله التجاري الآخر الذي أظهرت القاضية وثيقته والمتعلق بنشاط مودع للمشروبات. كما بينت تفاصيل المعاملات البنكية بين ف. عدة وبنك الخليفة وباقي البنوك التي كان يملك فيها حسابات على غرار البنك الوطني الجزائري ولوكريدي ليوني، أنه كان جدّ حريص على تكديس الفوائد، والدليل اختياره دائما البنوك ذات الفوائد الأكبر، بل حتى قبل أن يكون ضامنا لرهن بين شركة إسبانية وزبونين للخليفة بنك بموجب مبلغ 54 مليون دج، عندما كانت الخليفة تعاني متاعب بدأت تظهر من خلال نقص السيولة، رغم أن مواجهته مع مدير وكالة المذابح بين أنه يكون هو من رفض أن يطلب أمواله من البنك عندما حولت من باريس إلى الجزائر خوفا من ضياع الفوائد. والمسار المهني للسيد ف. عدّة يعد حافلا، حيث درب 26 ألف عون أمن وأشرف على تكوين 16 دفعة من الإناث، ونصب على رأس مدرسة الشرطة بعين البنيان سنة 1991. مدير مدرسة الشرطة بعين البنيان، تعدت علاقته ببنك الخليفة، التي يقول أنها كانت تجارية محضة مع بنك معتمد، إلى الخليفة للطيران، وذلك عن طريق أبنائه الثلاثة، بنتين، واحدة مضيفة والأخرى لم يرد ذكر عملها بالتحديد في المواجهة، وهاتان تكونان قد عملتا في الخليفة "دون استشارته، بل وغصبا عنه"، كما يكون إبنه حسبه قد تصرّف لوحده عندما استفاد من تكوين وتدريب كطيار لدى الشركة بعدما "رأى الإعلان على الجرائد". ولم يحسن المتهم التملص من الحقائق والوقائع التي كانت تواجهه بها رئيسة المحكمة، ورغم أن أقواله أمام قاضي التحقيق، كانت مغايرة، بحسب ما كانت تستدل به القاضية من وثائق، إلا أنه تمسك طيلة استجوابه أمس بالقول "لو كنت أرغب في الحصول على إقامة لمدة عشر سنوات بفرنسا لما طلبت من البنك إدخال أموالي بالخارج إلى البلاد"، ومراسلاتي الإثنين لوزيري داخلية فرنسا متتاليين تشهد على ذلك. بل ورد المتهم من كثرة إنكاره هذه الحقيقة، "لا أحتاج إقامة ب10 سنوات، لأن منصبي يعطيني الحق في الإستفادة سنويا من تأشيرة سفر نحو فرنسا"، وكان يدري أن من أهم التهم الموجهة إليه تبديد أموال التعاضدية العامة للأمن الوطني والمقدرة ب2725 مليون دينار، التي أودعت في حساب لدى بنك الخليفة، الشيء الذي نفاه جملة وتفصيلا. وقال من منطق المغلوب على أمره: "احتالوا علي وخدعوني، كل ما حققته طيلة مساري المهني تبخر في الهواء.. كان يفترض أن تدافعوا عني..!!". القاضية تدخلت عدّة مرات لتهدئته: المحامي ابراهيمي ثار غضبا بسبب إحراج موكله بالأسئلة الدقيقة ثار المحامي ابراهيمي عدّة مرات في وجه القاضية ابراهيمي أمس، عندما كانت تؤكد الحقائق الموجودة بحوزتها ضمن قرار الإحالة، حيث اعتبر في عدّة إعتراضات، أسئلة القاضية والمدعي العام من بعدها تحاملا على موكله عميد الشرطة أول ف. عدة. فأول خروج لمحامي الدفاع "عن أعصابه" و"ثورته" في وجه القاضية كان بسبب تجاوزها مرحلة، اعتبرها الدفاع مهمة من جانفي 2003 إلى سنة 2005، مما جعل صراخ المحامي يعلو وسط قاعة الجلسات وصوت القاضية أيضا يعلو لتوضيح الأمر بأنها لا تتهم الماثل أمامها زورا، إنما تنطلق من ملفات حقق فيها قاضي التحقيق، وبصوت عال ونبرة حادة قالت "هذه الملفات أمامي من أراد أن يطلع عليها، يتفضل ولو جاء من الشارع" مع أنها بدأت المحاكمة في إطار منطق يكشف كل الحقائق، ثم أن المتهم هو من طلب منها الإذن بالحديث في تلك المرة. أما المرة الثانية، التي ثارت فيها ثورة المحامي ابراهيمي، فكانت عندما وجه المدعي العام سؤالا محدّدا للمتهم يسأله فيه "الفيلا التي أجرتها للسفارات فيها مسبح أم لا؟؟"، وهنا خرج الدفاع عن صوابه ووقف المحامون الآخرون، وقال ابراهيمي "ما هذه الأسئلة التي لا علاقة لها بالقصة.. لم ينقص إلا تسألوا موكلي عما إذا كان يعرف السباحة؟". وأخذ وقتا وهو يصرخ والقاضية تحاول تهدئته، وشبت شبه فوضى داخل هيئة المحكمة استغرقت عدّة دقائق، لتقول القاضية "نحن عائلة واحدة والعائلة يحصل بينها خلاف". وتوجهت بعده للمتهم تحثه على قول الحقيقة، لأن أقواله أمام المحكمة هي التي تحدّد موقفه في القضية وليس ما قاله أمام قاضي التحقيق: "هذه محكمة شعبية.. ويقاطعها أحد أطراف الدفاع: القانون وليس الشعب.. لتصحح القاضية: نعم، القانون هو الذي يحاكمك وليس قاضي التحقيق". وعقب النائب العام وراءها بقوله "هناك ملف ومتهم ونيابة والمحكمة سيدة في إصدار أحكامها". والملاحظ أن محامي الدفاع لم يتدخلوا أمام القاضية إلا لتقديم وثيقة أو اعتراض "صامت" وكانت تعد في كل مرة بإعطائهم بعد الانتهاء من أسئلة المحكمة، لكن المحامي ابراهيمي أثار ضجة مرة أخرى عندما طرح أحد أعضاء هيئة الدفاع سؤالا على المتهم لم يعجبه وثارت معركة كلامية بين أصحاب الجبة السوداء، اضطرت القاضية بسببها إلى رفع جلسة الصباح في حدود الواحدة والنصف زوالا. البليدة: غنية قمراوي: [email protected]