لايزال موضوع الخيانة الزوجية، »طابو« كبيرا في المجتمع الجزائري، لا يحظى بالأضواء اللازمة التي يجب أن تسلّط عليه لكشف أسبابه وخلفياته وتداعياته. فمجرد تفكير المرأة بأن زوجها يخونها يجعلها تدخل مرحلة تساؤلات قد توصلها إلى الجنون، حيث تتحطم نفسيا وتغرق في السؤال الكبير، لماذا خانني؟ وبالمقابل تتجرّأ زوجات أخريات على خيانة أزواجهن لأسباب مختلفة وكثيرة، وهو ما يجعل الرجل يلجأ إلى ارتكاب جريمة في حق زوجته، كقتلها أو إلحاق عاهة بها، هذا بعد أن يكون الطلاق مصيرها المحتوم. لم تكن السيدة "خيرة" من العاصمة تتوقع خيانة زوجها بعد عشرين سنة من الزواج، أنجبا خلالها ستة أبناء كبراهم متزوجة منذ سنتين. وبكثير من الأسى فتحت قلبها قائلة: "في البداية لم أكترث كثيرا لتغير سلوكات زوجي الذي بدا أكثر اعتناءً بهندامه وكان يحرص أشد الحرص على أن يكون جذابا، فقلت في نفسي ربما يريد تدارك ما ضاع من عمرنا في الركض وراء تأمين مستقبل أولادنا، لكني اكتشفت تهميشه لي كزوجة وكم كانت صدمتي كبيرة حينما ضبطته يحدث امرأة أخرى عبر هاتفه النقال ولما واجهته اعترف لي بكل شيء قائلا بأني مُسنّة وما عدت أناسبه... أحسست بشيء كُسر بداخلي، فحملت نفسي إلى بيت أهلي غير أنه حفاظا على مستقبل أبنائي رجعت ومنذ تلك الحادثة ونحن نتصرف كغريبين". أما جميلة فحكايتها أشد ألما، إذ بمجرد مضي شهرين من زواجها السعيد، اكتشفت طقوسا غريبة من زوجها الذي لا يدخل إلى البيت إلا ثملا، وبعد أن يوسعها ضربا يخلد للنوم، ومع استمرار الوضع على حاله اشتكته لأمّه وهنا حدثت الكارثة، حينما صارحتها والدته أنها زوجته، ظنّا منها أنه سيتغير ويستقيم فكانت هي "الطعم" الذي استعملوه وتحدثت بمرارة "حملت نفسي بعد صبر طويل وعدت أدراجي إلى منزل والدي وعلى جبيني وصمة مطلّقة، رغم أني غير مذنبة". من قلب الشارع تتحسر "زكية" التي كانت تفترش الكارتون رفقة أربعة أبناء صغار كبراهم لا تتعدى الحادية عشرة "كنت متزوجة وسعيدة في حياتي إلى أن تغيّر سلوك زوجي تجاهي والسبب زميلة له دخلت حياته وقلّبت حياتنا رأسا على عقب، ولما واجهته ثار وقال إنني لست من مستواه وتلزمه امرأة عاملة ومثقفة... كانت ضربة قاتلة وأنا أعرف أنه يخونني في كل دقيقة ومع الأيام نفد صبري وتزوج منها وطردني من المنزل رفقة أبنائي، وبما أني لا أملك عائلة وليس لي عملا كانت وجهتنا الشارع". الصور ذاتها تتكرر غير أن أبطالها هذه المرّة نساء لم يرضهن واقعهن فانقدن وراء الشيطان، أشهرها قصة ذاك السائق الذي اتهمته إحداهن بأنه والد ابنها بعد أن أقلها هذا الأخير إلى مصلحة الولادة مما أوقعه في مشكلة حقيقية مع زوجته التي اتهمته بالخيانة وغادرته إلى بيت أهلها. ولدرء التهم عنه خضع إلى فحوصات الحامض النووي ويا للكارثة... حينما اكتشف أنه عقيم ورغم هذا لديه أربعة أولاد من زوجته وبهذا وجّه أصابع الاتهام إلى الزوجة التي ثبتت خيانتها له أمام الملأ، فما كان منه إلا أن طلقها فانتهى بها المطاف إلى الشارع وهو إلى مصحة للأمراض العقلية. نفسانيون وقانونيون يحللون الظاهرة وفي هذا الصدد أكدت الأخصائية النفسانية الدكتورة "ب. هجيرة" أن الخيانة شعور نابع من أعماق الأنا وهي حالة ناتجة عن الاستياء أو نقص في الحنان. كما قد تأتي نتيجة التهميش والإحساس به، وقد تكون محاولة لإثبات الوجود أو ردّ الاعتبار ومحركها الأساسي المكبوتات الجنسية أو عدم الرضا من الطرف الآخر، ولهذا نجدها سائدة عند الرجال أكثر من النساء. وعموما فالخائن لا يستطيع إخفاء التصرفات الطارئة عليه ويمكن كشفه بسهولة، إلا أنه لا مجال للتملص من هذه الصفة ويمكن أن يكررها في مشوار حياته. أما أحد أساتذة علم الاجتماع بجامعة الجزائر، فاعتبر الظاهرة أزلية في المجتمع الجزائري وسائر المجتمعات. فالخيانة واقع لا نستطيع التملص منه، وهي نتاج تراكمات اجتماعية وحالات للتقييد وتضييق الخناق بما أنها تتكرر أكثر في الأسر المغلقة والمعروفة بمحافظتها، وتبقى أحد الطابوهات الموجودة التي لا يسمح المجتمع بالخوض فيها حتى في حال وجودها، تُعامل كأنّها "لا حدث" ويمنع الخوض فيها، وهذا تصرف خاطئ طبعا. ولا يحتوي القانون الجزائري على موادّ صريحة في هذا الشأن، ففي حديث مع الأستاذ "عمار خبابة" أكد عدم وجود نصوص قانونية صريحة في هذا الباب، والجريمة تؤسس بناء على شكوى يتقدم بها الزوج المتضرر وتسلط على الفاعل عقوبة الحبس من سنة إلى سنتين وهي العقوبة ذاتها التي تسلط على الشريك في حالة الزنا الذي يعرف بزواج أحد الطرفين، وفي حالة غياب الدليل المادي تقوم دعوة اللّعان، ويشاركه الرأي الأستاذ "بلهادي موسى" الذي ربطها بالجانب الأخلاقي وصنّفه في طريقة التعامل بين الزوجين ويصعب كثيرا الفصل فيها قضائيا مما يقود البعض إلى تكييفها كقضية زنا، شريطة أن تتجسد بعلاقة غير شرعية لأحد الزوجين مع طرف آخر وتكون ملموسة، والعقوبة الوحيدة هي أن يفقد الزاني أو الخائن حقوقه في القضية. ح. راضية