كشفت وثيقة رسمية تحصلت "الشروق اليومي" على نسخة منها، أن الأموال التي سحبها أرزقي إيجرويدن، الرئيس المدير العام الحالي لشركة الطيران الخاصة الفرنسية "إيغل أزير"، من بنك الخليفة المفلس، والمقدرة ب 20 مليار و800 مليون سنتيم، استغلها في شراء فيلا بسيدي فرج، وأخرى بمدينة حاسي مسعود، وعدد من المكاتب بشارع زيغود يوسف على الواجهة البحرية بالقرب من مقر المجلس الشعبي الوطني، ومكتب آخر بشارع باستور بالعاصمة. عندما مثل أرزقي إيجرويدن الرئيس المدير العام لشركة الطيران الفرنسية الخاصة "إيغل أزير"، أمام محكمة الجنايات بالبليدة كشاهد في قضية الصندوق الرئيسي لبنك الخليفة، وتبيّن من خلال أقواله أنه استفاد من أموال طائلة من البنك المفلس ومع ذلك استُمع إليه كشاهد على عكس الكثير، خيّم استغراب كبير على كل من كان حاضرا في قاعة الجلسات من دفاع وإعلاميين.. عندها حاول النائب العام السيد عبد اللي محمد، التخفيف من وقع هذه الصدمة، مؤكدا بأن قضية استفادة أرزقي إيجرويدن من أموال الخليفة، توجد قيد التحقيق، وهو ما زاد من استغراب الحضور، الذي لم يتفهم عدم إدراجها ضمن قضية الصندوق الرئيسي لبنك الخليفة، كون ما يقارب الواحد والعشرين مليار سنتيم، التي سحبها مسؤول شركة الطيران الفرنسية الخاصة، كانت من بنك الخليفة، الذي سميت "قضية القرن" باسمه. وقد بيّن محضر سماع الرئيس المدير العام لشركة الطيران الفرنسية الخاصة "إيغل أزير"، أرزقي إيجرويدن، أمام قاضي التحقيق لدى محكمة الشراڤة المكلف بالملف، السيد قادري يوسف بتاريخ 20 فيفري 2006، أنه قام بسحب 20 مليارا و800 مليون سنتيم من بنك الخليفة، كمقابل لبيعه شركة طيران "أنتينيا"، التي كان يملك 51 بالمائة من أسهمها و49 بالمائة لشركة "قوفاست" الفرنسية، لرفيق عبد المؤمن خليفة، في الوقت الذي لم يقدم عقدا للتنازل عن هذه الشركة للموثق الذي قام بتوثيق البيع، ولا ملفا من أجل الحصول على قرض من البنك المفلس. إيجرويدن سحب 20.8 مليار دون تقديم عقد التنازل وعلى الرغم من ذلك، فقد اكتفى إيجرويدن، بالقول إن المبالغ المالية التي قام بسحبها من البنك المفلس، هي بمثابة مقابل لبيع شركة "أنتينيا للطيران" لفائدة رفيق عبد المؤمن خليفة، المتهم الهارب بلندن، الذي قال بشأنه البائع إنه رفض تسليمه المبلغ المالي أو الصك أثناء إبرام عقد البيع أمام الموثق عمر رحال، الذي التمس في حقه النائب العام لدى محكمة الجنايات بالبليدة 18 سنة حبسا نافذا، الذي لم يقم بدوره كما قال المتهم الشاهد، في مطالبة الخليفة بإيداع جزء من قيمة الصفقة بحساب الموثق، مثلما هو معمول به قانونا. وحمّل أرزقي إيجرويدن من جهة أخرى، الموثق عمر رحال، مسؤولية عدم التصريح بالمبلغ الكامل الذي بيعت به شركة "أنتينيا للطيران"، بحيث أكد لقاضي التحقيق أنه طلب من الموثق أثناء تحرير عقد البيع، بحضور رفيق عبد المؤمن خليفة أن يكتب المبلغ الكامل والمقدر ب 21 مليار سنتيم، المتمثل في الرأسمال التأسيسي للشركة، بالإضافة إلى الحسابات المصرفية الجارية التابعة لها، إلا أن الموثق رفض ذلك، وأخبره بأنه سوف يكتب مبلغ الرأسمال التأسيسي للشركة فقط المتمثل في ما يقارب 14 مليار سنتيم، فيما ترك المبلغ المتبقي للبائع والشاري من أجل التفاهم حوله، كما قال إيجرويدن لقاضي التحقيق قادري يوسف، وهو الاقتراح الذي وافق عليه إيجرويدن بحجة أنه كان تحت رحمة رفيق عبد المؤمن خليفة، وأنه كان يفكر فقط، في الكيفية التي تمكّنه من تحصيل مستحقات بيع شركته. وفي الوقت الذي تمسك فيه المالك السابق لشركة "أنتينيا للطيران" بأن المبالغ المالية التي قام بسحبها من بنك الخليفة المفلس، كانت مقابل بيع شركته للخليفة، لم يتمكن من إثبات هذه العلاقة التجارية بعقد موثق يبرر استلامه قيمة 20 مليارا و800 مليون سنتيم، بحيث حاول أن يقنع قاضي التحقيق بأن "هناك وثيقة بحوزة جويدة جازورلي (خالة رفيق خليفة ومستشارته القانونية)، تحتوي على كل ما يتعلق ببيانات الجرد التي تثبت القيمة الحقيقية لشركة "أنتينيا للطيران"، لكنه من جهة أخرى، وإن أكد أنه قام بالتوقيع عليها، إلا أنه لم يتمكن من الجزم على أن رفيق عبد المؤمن خليفة قام بالتوقيع عليها، مما يعني بالنتيجة أنها تفتقد إلى أية قيمة قانونية، يمكن الاستناد إليها لتبرير المبالغ المالية التي أخذها من الخليفة، طالما أن الطرف الأساسي في هذه القضية لم يوقع عليها، بل والأكثر من ذلك أنه لم يكن يتوفر على نسخة من هذه الوثيقة، حتى يسلّمها للجهات القضائية التي تكفّلت بالتحقيق. مدير "إيغل أزير" استأثر بأموال الصفقة وحرم شركاءه وبحسب ما أفاد به أرزقي إيجرويدن، فإن شركة "أنتينيا للطيران" وما استثمر فيها من أموال، كان يقدر في الفترة التي بيعت فيها بحوالي 60 مليار سنتيم، وهي المعلومة التي تولّد عنها سؤال آخر لقاضي التحقيق، يتعلق بمصير المبلغ المالي المتبقي من صفقة بيع الشركة، والمقدر بحوالي 39.2 مليار سنتيم، وهنا قال إيجرويدن إن المبلغ المتبقي هو 30 مليار سنتيم فقط، وأنه لا يعلم شيئا عن مصير هذا المبلغ، لكنه توقّع أن يكون رفيق خليفة قد قام بتسديده لشركائه في مؤسسة "قوفاست" الفرنسية خارج حدود الوطن، معتقدا بفرنسا، على الرغم من أن الصفقة تمت في الجزائر، وهو ما حرم الخزينة العمومية من هامش معتبر من المستحقات الضريبية. ويبدو في كلام إيجرويدن الكثير من التناقض، فهو من جهة يؤكد بأنه يمتلك 51 بالمائة من أسهم "أنتينيا للطيران" مقابل 49 بالمائة فقط لشركائه في "قوفاست"، لكن من جهة أخرى، يؤكد بأن المبلغ المتحصل عليه لا يتعدى 20 مليارا و800 مليون سنتيم، استغلها في شراء فيلا بسيدي فرج، وأخرى بمدينة حاسي مسعود، وعدد من المكاتب بشارع زيغود يوسف على الواجهة البحرية بالقرب من مقر المجلس الشعبي الوطني، ومكتب آخر بشارع باستور بالعاصمة، في حين أن المبلغ المتبقي لصالح شركائه الفرنسيين يفوق هذا الرقم بكثير، ويعادل 30 مليار سنتيم، وهو تناقض يضاف إلى تناقضات أخرى، ألقت بالعديد من الأسئلة إلى السطح، لا سيما عندما رد على سؤال لقاضي التحقيق يتعلق بمستحقات بقية الشركاء الآخرين من أفراد عائلته ومن الفرنسيين أيضا، عندما قال "إنني لم أسلّم أي مبلغ مالي لهؤلاء الشركاء من قيمة التنازل عن شركة "أنتينيا للطيران"، بحجة أنهم من أفراد عائلته"، أما عدم تسليمه لمستحقات شركة "قوفاست" الفرنسية فأرجعها لما قال إنه "تهاون منه". هذا، ووجد إيجرويدن نفسه أمام مأزق حقيقي وهو يواجه سؤال قاضي التحقيق حول ما تسرّب من معلومات أفادت بأنه اتفق مع رفيق عبد المؤمن خليفة على بيعه شركة "أنتينيا للطيران" بقيمة تتراوح ما بين 08 إلى 10 ملايين دولار بباريس، حيث أكد أن تفاوضه مع الخليفة في باريس كان مبدئيا، وبحضور محامي شركة "قوفاست"، وجويدة جازورلي المستشارة القانونية للخليفة، وتم خلال هذا اللقاء، كما قال، الاتفاق المبدئي على جرد ممتلكات الشركة قيد البيع، والمقدرة ب 60 مليون فرنك فرنسي بصفة تقديرية، وتدوين هذا المبلغ في وثائق رسمية، تحت سائر التحفظات، إلى حين إتمام مراقبة الوثائق المحاسبية والجرد النهائي. مستحقات التنازل سُددت بالعملة الصعبة، والصفقة تمت بالجزائر وكما جاء على لسان إيجرويدن، فإن رفيق عبد المؤمن خليفة أصدر، بناء على هذا الاتفاق، شيكات مباشرة لفائدة شركة "قوفاست" بفرنسا، وتم تسديد هذا المبلغ من أموال شرطة الخليفة للطيران بفرنسا، نافيا أن يكون قد قبض أي مبلغ مالي من مسؤول المجمع المنهار أي مبلغ مالي بالعملة الصعبة مقابل التنازل عن شركة "أنتينيا"، ومؤكدا في الوقت ذاته بأن المبلغين الماليين اللذين طالبه المصفي القضائي لبنك الخليفة، منصف بادسي، بتسديدهما للبنك المفلس، والمقدرين على التوالي ب 11.78 مليار سنتيم و9.6 مليار سنتيم، يعتبران بمثابة قيمة التنازل عن شركة "أنتينيا"، مشيرا إلى أنه احتج لدى رفيق عبد المؤمن خليفة، فقام هذا الأخير بمسح هذين المبلغين على مستوى البنك بتاريخ 29 أفريل 2001، كما قال، فيما رفض مسؤول شركة "إيغل أزير" حاليا تسديد مبلغ 28.4 مليار سنتيم للمصفي، كونه يعتبر كما قال، مقابل تنازله عن شركة "أنتينيا للطيران" لصالح رفيق عبد المؤمن خليفة. وتعود وقائع هذه القضية إلى 20 ديسمبر من سنة 2000، عندما اتصل رفيق عبد المؤمن خليفة، المتهم الهارب بلندن، بأرزقي إيجرويدن، كما جاء في كلام الأخير أمام قاضي التحقيق، ليعرض عليه شراء شركة "أنتينيا للطيران"، وتم خلال هذا العرض التحادث حول الرأسمال التأسيسي والحسابات المصرفية، قبل أن يعاود خليفة الاتصال بمحامي شركة "قوفاست"، الذي التقى بدوره بالمستشارة القانونية لخليفة، وهي خالته جويدة جازورلي للتباحث حول نفس الموضوع، ليتفق بعدها الجميع على الموافقة المبدئية. من هو أرزقي إيجرويدن؟ عرف أرزقي غيجرويدن أمام قاضي التحقيق بأنه أحد مواليد قرية إفليسن بولاية تيزي وزو، زاول دراسته الابتدائية بمسقط رأسه، قبل أن ينتقل إلى العاصمة لمواصلة دراساته الجامعية، بمعهد الحقوق بابن عكنون. وبداية من سنة 1977، هاجر إلى فرنسا ليباشر بعدها حياته العملية بعدد من وكالات السياحة والسفر إلى غاية 1983، أين أنشأ شركة مختصة في نقل البضائع بين الدول، إلى غاية سنة 1998، حيث تم الاتصال به من الجزائر (دون أن يحدد هذه الجهة) بغرض إنشاء شركة خاصة للطيران، ليقوم بعدها بتحضير ملف، كما قال في محضر الاستماع أمام قاضي التحقيق، وقدّمه إلى وزارة النقل في عهد وزير حركة مجتمع السلم سيد أحمد بوليل، من أجل الحصول على اعتماد لشركة "أنتينيا للطيران"، لتتحصل بعدها الشركة رفقة "شركة الخليفة للطيران"، وشركة "صحراء للطيران"، على الاعتماد في شهر جويلية من سنة 1999، التي كان مساهما فيها بنسبة 51 بالمائة، حسب قانونها الأساسي، مقابل 49 بالمائة لشركة "قوفاست" الفرنسية. وبمجرد تحصله على الاعتماد، قام أرزقي إيجرويدن الحاصل على الجنسية الفرنسية بفتح مكاتب لهذه الشركة بمدينة حيدرة، في الوقت الذي كان مقرها الاجتماعي في البورمة بمدينة حاسي مسعود، لتبدأ بعدها العمل بطائرة من نوع "بوينغ 737 / 200 "، قامت بشرائها شركة "قوفاست"، استعملت لتغطية الرحلات الجوية لشركة "أنتينيا للطيران" بين مدينة حاسي مسعود والعاصمة الفرنسية باريس، وبين مدينة الجزائر ومدينة ليل الواقعة في شمال فرنسا، وكذلك بين قسنطينة ومدينة مرسيليا، وبين مدينة وهران ومرسيليا، فضلا عن خط آخر بين مدينة قسنطينة وميلوز الواقعة شرق فرنسا. ويدير حاليا أرزقي إيجرويدن شركة "إيغل أزير" للطيران، التي اشتراها في شهر جوان من سنة 2001، بمبلغ 11 مليون فرنك فرنسي، وهو يساهم بنسبة 55 بالمائة من أسهم الشركة، إلى جانب شركة "قوفاست" الفرنسية. وتضمن "إيغل أزير" رحلات جوية دولية، ولديها ثماني طائرات من نوع "إيرباص" مستأجرة. محمد مسلم