عبد الناصر أبانت بريطانيا مرة أخرى أنها تأبى أن تكون إلا عظمى.. وأبانت أنها تأبى أن تكون إلا إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس ولا البحر ولا الميحطات، واختصرت تاريخها وحاضرها ومستقبلها الذي كان ومازال ويجب أن يكون في قضية البحارة الذين احتجزوا في إيران. فلا يهم إن اخترقوا مجالا غير مجالهم، ولا يهم إن اعترفوا بذنبهم، ما يهم بريطانيا هو أن لا يمس أي مواطن من مواطنيها خاصة خارج مجال بريطانيا العظمى الجغرافي، في شنغهاي أو جزر المالوين أو على ضفاف إيران "النووية"، وليست بريطانيا وحدها المهمومة بإمبراطوريتها التي لا يغيب عنها الماء والأوكسجين، بل العالم بأسره يمنحها رئتيه من أجل عيون خمسة عشر بحار لأجل عودتهم سالمين مكرمين إلى بلدهم، حتى تتجنب بريطانيا تمريغ رأسها في الوحل الإيراني بالاعتذار الذي "يحلم" به أحمدي نجاد. فالمشهد العالمي الحالي يوحي أن إنجلترا التي صنعت الجحيم في بؤر عديدة من المعمورة هي الآن في دور "الضحية"، فجورج بوش نسي مشاكله مع الديمقراطيين، وغرقه في العراق والتفت إلى أبناء جدوده البريطانيين، واعتبر ما حدث غير مقبول، والاتحاد الأوربي ناشد إيران بالإسراع في إطلاق سراح الإنجليز، أما الطامة الكبرى فجاءت من باكستان التي تنتهك أمريكا أجواءها في السر والعلانية وترسم لها فتنا ومشاكل، ومع ذلك تعرض وساطتها لأجل الإنجليز أكبر مدعم للهند، وحتى تركيا التي أشعل الاحتلال الأمريكي على حدودها فتيل فتنة الأكراد تبذل جهودا لأجل إخراج الدولة المتسببة في ضياع خلافتها على المسلمين من ورطتها. أكثر من خمسين طفلا ليبيا ماتوا ببصمات سيدا من ممرضات بلغاريات ولا أحد ذرف دمعة على أبناء ليبيا، وما همهم إلا الأحكام التي صدرت في حق بنات بلغاريا الضيف الجديد على الاتحاد الأوربي. آلاف الفلسطينيين واللبنانيين معتقلون في السجون الإسرائيلية، دون أن يقتحموا إقليم الدولة العبرية ولا أحد في العالم مستعد لعرض خدماته، ضابط ليبي معتقل في اسكتلندا، ومبيّض أموال جزائري يسيح في لندن، ورئيس دولة يشنق في بلده وفي عز أعيادها، وشعوب من كثرة القتل والتنكيل أضاعت لغة الإحصاء والحساب ولا أحد يندد أو يناشد أو كأضعف إيمان يعرض خدماته، وعندما يتم اعتقال خمسة عشر بريطانيا نصاب نحن بالصداع والصرع السياسي.. وببواسير الجمود.