إن للجمعيات والشركات الجمعوية والعمل الجواري دورا هاما في تعزيز الانتماء الوطني وفي التعبئة العامة لما لها من نتائج سريعة، وهذا ما أبانته تجربة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في حفاظها على اللغة العربية ونشرها على نطاق واسع. المطلوب من المجتمع المدني في المقام الأول التعامل اليومي بالعربية في كل نشاطاته، وإنزالها منزلة التقديس، لأن القرآن اختارها وفضلها، بمعنى قدمها وقدسها على لغات أعرق منها، وكانت أشد منها حضارة، فكان الأجدى من الجمعيات المساهمة في تنظيم ندوات حول اللغة العربية واقعها وآفاقها، وإحداث جائزة لفائدة التلاميذ والطلاب في مجال المقالة والشعر والقصة والأدب، والتوجه نحو الاهتمام بالإصدارات التي تعنى باللغة العربية وإقامة الأنشطة التربوية والثقافية التي تستهدف تنمية الجانب اللغوي، وهذا من عمل الجمعيات التربوية والثقافية والدينية التي كان عليها تعبئة الرأي العام بأهمية اللغة العربية في مقامها الهوياتي والحضاري والعلمي والتاريخي، وبات من الضروري أن تتحدث الجمعيات عن اللغة العربية بقلوب ملؤها العشق الذي لا تشوبه شائبة، ولا تكدر من صفوه شائنة، وبذلك يكون فعلها نديا يتساقط كتساقط نقاط الماء على الأرض العطشى، فإذا وصلت إليها اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، والزوج البهيج يأتي من جهد العاملين المخلصين، ولا يأتي من الذين يعتقدون بتقبيل الجدار، ولثم الديار، وتعليق النقائص على السابقين والكبار، فكفانا منافحات من مستودعات الضمائر والخمائر، والتي لا تفعل فعلها في الطباع ولا في الأسماع. ومن هنا كان يجدر بها: 1- المساهمة الجادة في التظاهرة السنوية بأول (1) مارس من كل عام باحتفائية اليوم العربي للغة العربية. 2- العمل في إطار القانون على تشكيل لجان تنشط على مستوى الأحياء والبلديات والولايات والوطن لغرس حب الانتماء والاعتزاز بالهوية الوطنية: الأمازيغية والعربية والإسلام. 3- تنظيم حملات تطوعية لمصالح البريد والبنوك والبلديات والولايات، والمساعدة على ملء الاستمارات بالعربية. وعلى المجتمع المدني أن لا ينتظر من السلطة كل شيء، وعليه أن يساعد السلطة باقتراح أفكار والسلطة تصنع القرار، ولا يقف المجتمع موقف المتفرج، فعليه تقديم المشاريع اللغوية في حدوده، وأن تكون هذه المقترحات في حدود ما يقبل للتجسيد، فكفانا عرضا للمشكلات، والرمي بها لمن يهمه الأمر، وننتظر تجسيدها فقط، هذا من جانب، ومن جانب آخر على المنظمات تغيير الذهنية القديمة التي تعلن فيها الحرب على السلطة، وأن السلطة جهاز مستبد، وعلينا الخروج من مقولة اليسار من أن (الحكومة هي الحل) ومن توهمات الليبيرالي (الحكومة هي العدو) أن لا يمكن أن نقول بأن (الحكومة هي الشريك) ونمضي في علاج أمورنا. - الخاتمة: إن دور جمعيات المجتمع المدني هام في كل مجال، وخاصة المجال اللغوي، ويمكن لها التجند لمحاربة الهجين اللغوي الذي يجلب الفساد للغة الأم، وما يجلبه من قطع المرء من لسانه، فكان عليها أن تعمل على غرس الاعتزاز بالعربية وبالانتماء العروبي، بتنظيم المحاضرات وحلقات البحث للنهوض بالعربية، وكتابة الجمعيات لافتاتها ومنشوراتها بالعربية، والاحتفاء بقوة كل سنة بأول مارس مساهمة منها في إشراك المجتمع المدني بالاهتمام بلغته، والتجند لاستصدار قرار ملزم يدعو المسؤولين لتعميم استعمال العربية. إن لغة أمّي زائلة، ولغة الأم باقية، فعلينا المحفاظة عليها كما نحافظ على أرضنا، ونحافظ كذلك على صفائها، كما نحافظ على صفاء عيوننا، ونكون أمام الصغار قدوة في الاعتزاز والإكبار للغة الأم، فمن ليس له القدوة لا تكون له القدرة، إن اللغة الأم (العربية) من حق المواطن على الدولة أن تضمن حقوقه، وضمنها الحقوق اللغوية، فتحميها وتؤهلها، وهي مسألة ديمقراطية باعتبار اللغة تمثل الأمن والاستقرار النفسي للمواطن، والأمن الاجتماعي للوطن، وعلى المجتمع المدني السهر لتجسيد ما يختص بقضية الهوية، ويكون الاعتزاز باللغة الوطنية (الأم) في المقام الأول لما لها من خصوصية تتعلق بالهوية والحضارة والعلمية والدين والشخصية الوطنية في كامل أبعادها »إن المجتمع الذي لا ينجز نهضته في بلده بلغته الأم لا يتفاعل مع العولمة، ولا يجاري التطور في الاقتصاد والعلوم والفنون، ويبقى على هامش الحضارة الإنسانية، ولا يسهم فيها بل أكثر من ذلك يحجب التطور عن لغته ذاتها مادامت بعيدة عن الاستخدام في المجالات الدينامية المتطورة والمغيرة باستمرار مثل العلوم والفنون والاقتصاد«. - المقترحات: ان التنمية الشاملة لن تتحقق إلا بتفعيل المجتمع المدني، ولا يمكن تفعيل المجتمع المدني إلا بتعميق الديمقراطية، ومن هنا فعلى جمعيات المجتمع المدني أن تكون قدوة في الاعتزاز باللغة العربية، وتعمل على غرسها في المجتمع، لأن التواصل في المجتمع لا يحصل إلا باللغة المشتركة، كما لا يحصل الانسجام المجتمعي إلا بلغة الأم، ومتى انقطعت الأمة عن ماضيها لا يكون حاضرها ولا يأتي مستقبلها إلا بالمآسي، فتصبح الأمة ممسوخة، وأمة مسخت نسخت، فلا بركة فيها ولا في لغتها، كما لا يعول عليها، وإنه ما تقدمت أمة من الأمم بلغة غيرها بتاتا، ومن هنا فعلى الجمعيات أن تعمل على: - إخراج اللغة من بوتقة البكائيات والوقوف على الأطلال وفعل الأجداد. - مطالبة الجمعيات بالنزول إلى الميدان وتجسيد الفعل الحقيقي، والخروج من بيانات التنديد الصادرة من الفنادق. - ترسيخ الوعي بأهمية احترام اللغة العربية، وهي من احترام القانون العام. - مساعدة الدولة في تحمل أعباء نشر العربية علي النطاق المحلي، من مثل: تفعيل جمعيات محو الأمية (التحسيس بأهمية اللغة القومية في التنمية) الخروج في حملات تطوعية لمساعدة المصالح الإدارية. - تبادل الرقابة والنقد وإبداء النصيحة لمن يهمه الأمر. - التعاون في إصلاح الخلل اللغوي على مستوى المحيط. - دعوة الجمعيات أولي المال لتقديم الأموال والجوائز تكريما للعاملين في ترقية اللغة العربية. - التحسيس بضرورة ملء الاستمارات الإدارية باللغة العربية. - العمل مع المختصين على ترجمة آلات الدفع والسحب إلى اللغة العربية. - إشراك الأولياء في تحضير أولادهم في رياض الأطفال بلغة عربية سليمة. - العمل على عرض وإجراء التمثيليات الناطقة بالعربية على مستوى الأحياء. - إشراك الوزارات ذات العلاقة بالاستعمال اليومي للغة العربية. - مواصلة التجند لتحقيق محو الأمية بشكل نهائي مع سنة 2016 وحسبي أنني قدمت واجتهدت، فإن أصبت فذاك رجائي، وإن أخفقت فإن المسدد الرامي مصيب ومخطئ وعسى أن أنال أجر الاجتهاد والتسديد، ومعذرة عن هفوات تكون صدرت مني، لأني إنسان وقلما يسلم إنسان من نسيان، كما يصعب أن يسلم قلم من طغيان، ولكني أرجو أنني ارتفعت عن البهتان، بما أبديته من بيان، يخص عمل الجمعيات في هذا الأوان، بضرورة النزول إلى الميدان والتخلي عن المنان، فإلى متى نردد: يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ألم يحن الزمان الذي تشمرون فيه سواعدكم يا شبان؟ فها هي العربية تناديكم وتقول: من يخطب ودي فعليه أن يدفع الأثمان. انتهى