هل مافيا الدواء في الجزائر مجرد كلام جرائد أم حقيقة تهدد صحة المواطن؟ سؤال طرحناه على أهل الاختصاص ممن احتكوا بمجال الدواء منذ التسعينات من وزراء ومتعاملين في قطاع يستورد ما يقارب 2 مليار دولار سنويا. وتباينت آراء هؤلاء حول وصف المافيا فهناك من يرى أنها" أخطبوط" وآخر يقول أن الأمر يتعلق "بسلوكات مافياوية" وثالث يكشف المؤامرة ضد إنتاج الأنسولين في الجزائر ويربطها برواية الكاتب البريطاني " جون لوكاري" التي تفضح ممارسات المخابر الأجنبية لخدمة مصالحها في افريقيا مثل الجزائر. ورابع يفرق بين" المافيا" و"اللوبيينغ". وبين كل هؤلاء إجماع على أن هناك مصالح تسعى إلى ربح السريع حتى وان كان ذلك على حساب أرواح الجزائريين يحي قيدوم :المافيا أخطبوط انغرست أذرعه في مراكز القرار عندما كان الفراغ القانوني يقول البروفيسور يحي قيدوم وزير الشباب والرياضة حاليا ووزيرا للصحة والسكان في الفترة ما بين 1994 و1999 أن "ما شجع المافيا أو الأخطبوط مثلما يصفها حالة الفراغ القانوني الذي عرفته الجزائر التي كانت تعيش في هذه الفترة أزمة أمنية صعبة موازاة انتقالها من النمط الاشتراكي إلى اقتصاد مفتوح لم تكن مهيأة لخوض غماره ومن البديهي أن الدواء مادة إستراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها وكلما ارتفعت فاتورة الاستيراد كلما زاد ذلك في سيل لعاب المخابر الدولية التي تسعى جاهدة للحصول على أكبر قطعة ممكنة من الكعكة. فعلى سبيل المثال هناك ما قيمته 350 مليون دولار من الدواء الفاسد يتداول في أسواق البلدان النامية فإذا لم تكن الدولة قوية بقوانينها وأجهزة رقابتها لتمنع دخول هذه السموم إلينا فلن تتردد المخابر العالمية في بيع ما ينفع وما لا ينفع ويؤكد قيدوم أن بدون التركيز على البحث والإنتاج الوطني و قوانين فعالة لا يمكن الوقوف في وجه" الأخطبوط" ويقترح قيدوم أن تستعمل مؤسسة صيدال كذراع لحماية صحة المواطن وذلك بالتركيز أساسا على إنتاج الأدوية الأساسية مثل المضادات الحيوية أو للأنسولين مثلما فعلت مؤخرا صيدال بحيث لا يعقل أن تظل الجزائر تابعة للمحابر الدولية فيما يخص حاجاتها الأساسية والخطر يكمن حسب محدثنا في إمكانية استعمال هذه الورقة في حالة الأزمات أو الحروب ضدنا وضرب قيدوم مثالا عن الثغرات التي تستغلا المخابر الدولية لمضاعفة أربحها ويكون ذلك بالطبع على حساب الجزائري فالوصفات الطبية وسيلة تستخدم في هذا الإطار فبدل أن يعطيك الطبيب دواءين اثنين لمعالجة مثلا التهاب اللوز يفضل وصف أربعة أو خمسة أدوية منها ما يعوض من طرف الكناص أو في غالب الحالات غير معوضة وهنا يدعو قيدوم إلى ضرورة إجماع أهل الاختصاص على بروتوكولات فيما يخص الوصفات للأمراض الأكثر انتشارا وكلفة في الجزائر بحيث يصبح لزاما على لطبيب أن يكتفي بوصف دواءين فقط بدل الأربعة لعلاج التهاب اللوز فعدم التحكم في الوصفات من صميم مصلحة المخابر الأجنبية. عبد الحميد أبركان: مصنع أنسولين قسنطينة خير دليل على تعشش المافيا يقول السيد عبد الحميد أبركان أن الإرادة السياسية هي الأساس في رسم خطة وطنية لإنتاج الدواء و الخروج من الاعتماد على المخابر الدولية لتلبية حاجياتنا من الدواء ودليل البروفيسور أبركان هي التجارب الناجحة في دول نامية مثل البرازيل الهند وكوبا والفلبين التي تسهر رئيسته كورازول لابينو شخصيا على هذا الملف, فلماذا يقول الوزير الأسبق للصحة تنجح هذه البلدان ولا ننجح نحن؟ خاصة إذا علمنا أن تجارب هذه البلدان ترتكز على الجنيريك وهي أحسن الطرق التي تمكنها بالنهوض بصناعة محلية للدواء تأخذ في الحسبان الدواء الأساسي مثلما توصي بذلك نصوص المنظمة العالمية للصحة. وللتدليل على ضعف الإرادة السياسية وقوة المافيا يضرب أبركان مثال مصنع الأنسولين لصيدال بقسنطينة الذي رغم دخوله في الإنتاج منذ أكثر من سنة لم يتمكن إلى يومنا هذا من بيع ولو حقنة واحدة, ليظل الممون الأساسي للسوق الجزائري من هذه المادة الإستراتيجية التي يكثر الطلب عليها مخبر أجنبي هو نوفونورديسك الذي تم توقيف نشاطه رسميا وعلى المباشر في إحدى نشرات الثامنة سنة 2002 لعدم احترامه لدفتر الشروط الذي كان يلزمه آنذاك بالاستثمار بعد سنتان من الاستيراد, فهل من دليل على وجود المافيا أكثر من ذلك فقد استثمرت الجزائر ملايير الدولارات لإنشاء مصنع وطني ولكن ما جدوى هذا الانجاز ما دام السوق الوطنية للأنسولين لا تزال رحمة نوفونورديسك. وحسب أبركان فان لهذا المخبر من الإمكانيات كدفع مصاريف عشرات الأطباء للمشاركة "السياحية" في مؤتمرات بالخارج طائرات خاصة علاقات مع كبار هذا العالم من رؤساء ووزراء ...ويعود أبركان ليؤكد أنه بدون إرادة سياسية قوية لا يمكن الصمود في وجه هذا التيار الجارف وقناعة أبركان أن وجه المافيا هو المخابر الدولية التي فضحها قبله الكاتب الانجليزي جون لوكاري في كتابه بعنوان" البستاني الدائم" والذي يكشف فيه هذا الكاتب إلى الكيفية التي تستعمل فيها كبريات المخابر العالمية شتى الوسائل غير القانونية بما في ذلك التصفية الجسدية لبيع منتجاتها وتجريبها على الشعوب الإفريقية وكأنها فئران مخابر المهم حسب جون لوكاري هو الربح الكبير ولا تهم الطريقة. وحسب البروفيسور أبركان فأن تمرير المخابر الأجنبية عن طريق للأطباء أو الصيادلة لفكرة أن الدواء المنتوج محليا غير فعال من بين الوسائل الأخرى التي تهدف إلى تكسير الإنتاج الوطني لفسح المجال للأدوية المستوردة التي يكون سعرها دائما أعلى من الدواء المحلي . و أشار أبركان أن استحالة تطبيق السعر المرجعي في تعويض الأدوية في عهد وزير العمل والحماية الاجتماعية السيد عبد المؤمن على الرغم من إمضائه على المرسوم الخاص بذلك خير دليل على وجود مصالح تمارس عراقيل عديدة ومتعددة لخدمة مصالحها مباشرة وأكد أبركان ضرورة محاربة الرشوة والفساد داخل وزارة الصحة معتبرا ذلك واجبا أخلاقيا بالرغم من اعتباره بالأمر الصعب كون أن الدواء تتدخل فيه العديد من القطاعات. وزير سابق رفض الكشف عن هويته: اقترحوا علي 5 مليون أورو واعتبر وزير سابق للصحة فضل عدم الكشف عن هويته أن المافيا كنظام غير موجود في الجزائر وذهب هذا الوزير إلى حد اعتبار أنه في حال وجود مثل هذا التنظيم لسهل محاربته باعتبار أنه يصبح معروف فحسب هذا المسؤول الأصح أن نقول أن هناك سلوكات مافياوية متواجدة في كل القطاعات تعمل للربح السريع ولا تهمها المصلحة الوطنية وتتواطأ هذه السلوكات المافياوية مع المخابر الدولية التي لديها كل الامكانيات لذلك ومثال ذلك حسب هذا الوزير اثنين اذكروا أنني قررت تجميد تسجيل أي دواء جديد على مستوى وزارتي لمدة 15 يوما حتى نقوم بتقييم للقطاع واندهشت حين اكتشفت أن أوامري لم تطبق واستطاع بعض الإطارات في وزارتي تسجيل أكثر عشر علامات جديدة وهذا دليل واضح على تواطؤ هذه الذهنيات المافياوية مع المخابر الدولية والمثال الثاني اذكر أن ممثلا عن مخبر دولي كبير زارني ذات يوم قائلا أن لدينا خمسة مليون أورو نضعها تحت تصرف وزارة الصحة قبلت العرض وبدأت العمل لإنشاء مركز لمرضى القلب للأطفال لكن سرعان ما اكتشفت أن المخبر كان يريد تحويل هذا المبلغ إلى حسابي الشخصي وليس إلى الوزارة هذه أمثلة عشتها وهي لا تحتاج إلى تعليق. الطيب لوح : لو لم أكن رجل قانون لاستحال علي مواجهة أصحاب المصالح اعترف السيد الطيب لوح زير العمل والحماية الاجتماعية أن تطبيق المرسوم الخاص بتعويض الأدوية على أساس السعر المرجعي لم يكن بالأمر الهين لأنه يهدد مباشرة مصالح مكتسبة ويسحب البساط من تحت أرجل ممن استفادوا من فراغ قانوني دام لسنوات عديدة ويقول هذا القاضي أن الأساس في مواجهة " المافيا" يظل حسبه التطبيق الصارم للقانون مشيرا أن كونه رجل قانون سمح له بالتعرف بوضع أصبعه على مواقع الضعف ومعالجتها قانونيا عن طريق وضع أحكام ردعية في قانون المالية التكميلي لسنة 2005 نصت على عقوبات صارمة تصل إلى السجن تطبق على كل متعامل من منتج أو مستورد لا يحترم المقاييس الخاصة بالقسيمات . وأوضح لوح أنه لاحظ وهو يمارس مهنة القضاء في السابق أنه لم تكن تصله قضايا تخص التجاوزات في مجال الدواء في الوقت الذي كنا نسمع فيه تصريحات مسؤولين ينددون بتجاوزات بما يصطلح عليه بمافيا الدواء ؟ ويرى لوح أن كونه رجل قانون من أهم الأسباب التي أدت إلى تطبيق السعر المرجعي الذي يحافظ على التوازنات المالية للصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية وبالتالي تأمين بقاء أدوية يحتاجها المريض الجزائري وليس تعويض أدوية تريد المخابر الأجنبية بيعها في السوق الجزائري مشيرا أن ثلاث عوامل أساسية كفيلة بالقضاء على المصالح في قطاع الدواء الذي عرف فراغا لمدة تتجاوز ال 30 سنة هي القانون القضاء والشفافية. وحمل لوح الأطباء مسؤولية ضعف تداول الأدوية الجنيسة في السوق الوطني وهي الطريقة الكفيلة التي تساهم في تطوير وحماية الإنتاج الوطني الأمر الذي ينطبق حسب لوح على أنسولين صيدال التي تعرف حسب رأيه عزوف الأطباء عن تسجيلها في وصفاتهم, في هذا الصدد كشف الوزير عن مشروع قانون يجري إعداده يتعلق بتقنين العلاقات بينم الأطباء وصندوق الضمان الاجتماعي مثلما قننت العلاقة بين الكناص والصيدليات وبهذه الطريقة يجبر الأطباء الذين يكونون في كثير من الحالات عرضة لإغراءات أصحاب المصالح لتسجيل أدويتهم بدل الأدوية الجزائرية والأقل سعرا. المتعاملون في الدواء: ما يجري هو اللوبيينغ وليس المافيا يقول أنه لابد من التفريق بين مصطلح مافيا ومفهوم اللوبيينغ أي توظيف جماعات الضغط للحصول على مصالح بحسب هذا المتعامل فان الكثير عندنا يعتبر أن اللوبيينغ تصرفا مافياويا وهذا غير صحيح لأن اللوبيينغ نشاط مشروع تعترف به كل القوانين الغربية ولا أعتقد أن السلطات العمومية ستقبل بالمجازفة بالسيادة الوطنية والمصلحة الوطنية عندما يتعلق الأمر بالدواء أضف إلى ذلك أن النشاط المتاجرة بالدواء يخضع للقانون ولا يمكن لأي كان أن يدخل هذا المجال دون الحصول على ترخيص من وزارة الصحة ويقول مليك أن المنتجين المحليين لديهم رغبة حقيقية في رفع مستوى الإنتاج الوطني وليكف كل من يصفنا بالمافيا عن شتم ذكاء الجزائريين ونحن على استعداد لرفع التحدي شريطة أن تقوم السلطات العمومية بدورها بحماية المنتوج الوطني وما يجب أن يعلمه الجزائريين أن نحن كمنتجين محليين المستهدفون اليوم من طرف المخابر الدولية التي تسعى جاهدة لابتلاعنا عن طريق رفضها لتمويننا بأدويتها الجديدة بحجة حماية اختراعاتها وبحجة أيضا ضعف الأطر القانونية الجزائرية الخاصة بالملكية الصناعية هذا دليل واضح يقول السيد آيت سعيد على جباروت هذه المخابر وسيطرتها على السوق الدولية. تحقيق: عزوز سعاد