عاد الاثنين كل من الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي، ومنافسه الاشتراكي فرانسوا هولاند إلى أجواء الحملة الانتخابية بعد أن نجحا في تخطي عتبة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بنجاح. وفضل ساركوزي أن يبدأها بعرض خوض ثلاث مناظرات انتخابية مع هولاند الذي لم يقبل إلا مناظرة واحدة فقط. فوز فرانسوا هولاند في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بحصوله على 28.46 بالمائة على غريمه نيكولا ساركوزي الذي حصد 27.06، ورغم أن الفارق 1.5 بالمائة فقط، إلا أن استطلاعات الرأي التي وفقت إلى حد كبير قبل الدور الأول في تكهناتها، مضت في استطلاعات أخرى للدور الثاني مباشرة بعد الإعلان عن النتائج مساء الأحد، حيث أشارت إلى أن المرشح الاشتراكي هولاند سيفوز على الرئيس المنتهية عهدته ساركوزي في السادس ماي المقبل بنسبة 54 بالمائة أو تتراوح ما بين 52 إلى 56 بالمائة من الأصوات. فوز مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان بالمرتبة الثالثة وحصولها على 18.23 زاد الجولة الثانية غموضا وجعلها أكثر تنافسا على "التحالف" الذي سارع المرشحون الآخرون إلى حسم قراراتهم بالإصرار على أن يعيش ساركوزي الوحدة في الوقت الذي لم يقرر بايرو بعد ولم تتضح توجهات لوبان التي قالت بأعلى صوت مخاطبة مناضليها "لقد برهنا أننا معارضة قوية في فرنسا.. فابقوا معارضة". ورغم ذلك ذهبت استطلاعات لمؤسسة "أبسوس" إلى أن 60 بالمائة من أنصار لوبن سيصوتون لساركوزي، فيما أشار معهد افوب إلى أن 21 بالمائة لن يصوتوا. أما استطلاع سي أس إيه فجاء استطلاعه منصفا لهولاند، حيث أشارت النتائج إلى أن 40 بالمائة من أنصار اليساري المتشدد لوك ميلونشون سيصوتون لصالح هولاند. هذا الأخير سيراهن على أنصار الوسط واليسار المتشدد. أكد جمال شرقي، منسق الحملة الانتخابية لهولاند وعضو في الحزب الاشتراكي أن عوامل كثيرة جعلت الفرنسيين ينفرون من ساركوزي، خاصة بعد أن تبنى خطابات عنصرية تقصي المهاجرين و توعدهم واستخدامه "للاسلاموفوبيا" وإصراره ومارين لوبان على الإساءة للجالية المسلمة والعربية في الكثير من المناسبات آخرها قضية مراح التي سعيا إلى استخدامها ورقة انتخابية فانقلب السحر على الساحر -حسبه. كما أشار في معرض حديثه للشروق إلى أن حملة الاعتقالات التي طالت مئات الشباب ساهمت في توعية الجيل الجديد من أبناء المهاجرين على ضرورة الانتخاب لهولاند وهو ما عمق خيبة الأمل التي مني بها ساركوزي "أظن أن بايرو أو لوبان لن يطلبا من أنصارهما الانتخاب على شخصية دون أخرى، ولكن أنصار شيراك وأنصار اليسار المتشدد وحتى المسلمين من أنصار اليمين أكيد سيصوتون على هولاند. هذا الأخير في وضعية مريحة جدا مقارنة بمنافسه الرئيس الفرنسي المنتهية عهدته". من جهتها، أكدت إعجاب خوري منسقة الحملة الانتخابية لساركوزي في اتصال مع الشروق أن الفارق ضعيف جدا بين المترشحين وعليه فإن آمال ساركوزي ستبقى قائمة في تتويجه رئيسا مرة أخرى "هولاند شكر كل الفرنسيين دون استثناء وناشد دعمهم في المرحلة القادمة"، وعندما سئل عن أنصار لوبان، وهل هم معنيون بندائه قال: نعم. إذا كان اليساري يأمل في اليمين المتطرف خيرا، فلم لا يأمل مرشح اليمين أيضا في مساندة من أنصار لوبان". احتدم التنافس وبات يتعين على الناخبين الفرنسيين الآن أن يختاروا بين ساركوزي، الرئيس الحالي الذي يبلغ من العمر 57 عاماً، ويقول انه يمتلك من الخبرة والقدرة ما يساعده على إبعاد فرنسا عن أزمة الديون السيادية في أوروبا، وبين هولاند، الذي يبلغ من العمر كذلك 57 عاماً، ويعتبر رجل سياسة لطيف، وسبق أن تعهد بخلق أجواء أكثر فخامة وتصالحاً في قصر الإليزيه. ذهبت أمس صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية إلى أن القرار الذي سيتخذه الفرنسيون في مراكز الاقتراع بشأن رئيسهم مهم بالنسبة إلى باقي القارة الأوروبية. فالبلاد لاتزال متوافقة حتى الآن مع وصفة التقشف الألمانية لمعالجة الأزمة، غير أن هولاند، الأقرب للفوز بجولة الإعادة المقررة في السادس من الشهر المقبل، قد حثّ جيرانه على إنفاق المزيد لتحقيق نمو اقتصادي. ونوهت الصحيفة بذلك التطور الأوروبي الآخر الذي حدث قبل بضعة أيام، وجاء ليبرز حقيقة تمرد مزيد من الأوروبيين على مسألة التدبير التي باتت تهيمن على طريقة تعامل القارة مع أزمة ديونها السيادية، بعد انهيار المحادثات التي كانت تشهدها هولندا من أجل خفض العجز الحاصل في الميزانية الحكومية بعد سبعة أسابيع من المفاوضات. وفي تحول للموقف الذي كان ينتهجه من قبل، بدأ يطالب ساركوزي، خلال الآونة الأخيرة، بتغيير مسار سياسات منطقة اليورو لضمان تصميمها أيضاً بما يعمل على تحفيز النمو. وبينما لم تطلب لوبان من أنصارها أن يساندوا ويقفوا إلى جوار ساركوزي، أعلن هو من جهته أنه سيقاتل خلال الأسبوعين المقبلين. وأضاف في تصريحات له أمام مجموعة من الصحافيين: "سأستغل كل ما لديّ من طاقة في الانتخابات. وسوف أخوض حملة ترشحي استناداً إلى ثلاثة أمور رئيسة هي: تضييق الخناق على المهاجرين، واحترام الحدود الفرنسية، والسعي إلى الحفاظ على الإنتاج المحلي في البلاد".