عبد الناصر من مضحكات الدنيا أن المؤرخين أفردوا لنابليون بونابرت الذي يقل طول قامته بسنتمترين عن قامة الرئيس بوتفليقة، أزيد عن خمسة آلاف مؤلف تاريخي، بينما لم يفردوا للثورة الجزائرية إلا ألفي كتاب معظمها بأقلام فرنسية.. ومن المضحكات أيضا أننا مازلنا نؤمن جميعا بأنه ما إن يسقط المطر في فرنسا حتى نرفع مطارياتنا ها هنا، والحقيقة أننا نصاب بالزكام والأنفلونزا كلما هبّت نسائم انتخابية فرنسية، وتزداد أوجاعنا مع اقتراب الموعد الانتخابي الرئاسي الفرنسي المزمع خوض دوره الأول في الثاني والعشرين من الشهر الحالي، كل المرشحين الفرنسيين الذين يلهبون حاليا وطيس المعركة الدعائية الانتخابية يطبقون في الشأن الجزائري مقولة نابلوين الشهيرة "خير وسيلة للدفاع هي الهجوم" حيث لم "يتورط" ولا واحد منهم أو منهن في مجاملة جزائريي الضفة الأخرى والإشارة إلى اعتذار ممكن عن المجازر التي اقترفها الاستعمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري. والطامة الكبرى أن جزائريي فرنسا الذين يستعمرون جزءا مهما من الوعاء الانتخابي الفرنسي لا همّ لهم سوى الاندماج في المجتمع الفرنسي ولا أحد منهم مهموم بلوبي جزائري يجعل أيا من المترشحين يتحدث عن هوية هؤلاء الجزائريين بقليل من الاهتمام حتى لا نقول الاحترام، وإذا استثنينا زيارة ما "فوق" القلب للمترشح نيكولا ساركوزي إلى الجزائر فإن بقية المترشحين لا أحد منهم "عاكس" الناخب الأسمر، حيث يراهن جان ماري لوبان على الفرنسيين المتطرفين، وساركوزي على اليهود ومهاجري أوروبا الشرقية، وماري جورج بيفي على الشيوعيين، وآرلات لاغي على اليساريين، وفرانسوا بايرو على الكورسيكيين. وفي زحمة هذه المراهنة والمعركة لأجل عرش الإليزيه تذوب أصوات ما لا يقل عن مليون جزائري وكأن أوراق تصويتهم شفافة أو غير محسوبة في الاقتراع. براميل اللعاب التي ذرفها المترشحون والمترشحات رسمت فقاعات بكل الأشكال والألوان والخرائط إلا اللون الجزائري الأسمر الذي ورطوه بالهجرة وأدمجوه في أسفل الشكل الهندسي الفرنسي. نابليون قال منذ قرنين "نختلف في كل شيء ونتفق في حب الوطن" وما نخشاه أن نختلف نحن أيضا في كل شيء ونتفق في الاهتمام بالشأن الفرنسي الذي هو صراحة لا يعنينا..