يتجدّد التنافس مع اقتراب شهر رمضان الكريم على أشهر المقرئين من قبل مساجد مختلفة، ارتبط اسمها بأهم المقرئين في الساحة الوطنية، حيث تنتعش بورصة المقرئين وترحالهم بين مختلف المدن لا سيما من الجنوب نحو الشمال وبين مختلف المدن الداخلية، مع مغريات مادية يصعب على الكثير الزهد فيها وإن كانت هناك دوما فئة تبتغي وجه الله وفقط. شقق، سيارات، أجهزة كهرومنزلية، عمرات وأحيانا جوازات حج ومبالغ مالية ناهزت مئات الملايين.. هي قليل من كثير يهبه المصلون الجزائريون والمحسنون لمقرئين في صلاة التراويح خلال شهر رمضان الكريم، اعترافا وتقديرا لمن قاموا بهم مصلين وخاشعين، غير أن في خضم كل هذا بدأ يطفو إلى السطح بعض الجشع لدى من غرّتهم الدنيا واشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدّوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون، حتى إنهم يشترطون مبالغ مسبقة خيالية وإلا يرفضون العرض من أساسه. "الشروق" فتحت الملف من جديد مع عدد من الأئمة الذين أجمعوا على هذه العادة الحسنة ما لم "تدنس" بالجشع والطمع والمتاجرة بكتاب الله. حجيمي: أدعو إلى تجنب المغالاة والإثارة الزائدة بما يصرف عن العبادة وفي السياق، قال جلول حجيمي الأمين العام للنقابة الوطنية للأئمة "غالبا هناك إجراءات روتينية فكل مسجد يجتهد في تعيين بعض الحفظة من المدارس القرآنية وهي فرصة للحفظة في البروز وشكل من أشكال تشجيعهم كما تعد وقت المباراة بين الحفظة للتقدم نحو المحراب"، داعيا إلى التعقل وعدم المغالاة فيها بما يسيء إلى المقرئ ويجعله ينصرف عن العبادة مع تجنب الإثارة الزائدة. وأكد حجيمي، التزام أغلب الأئمة بالخط العام وقراءة حزبين على الأقل يوميا لختم القرآن في نهاية الشهر الكريم، وفي كل عام تبرز شعلة جديدة من مختلف الولايات تبين عن تمكن وحسن قراءة هؤلاء، يضيف المتحدث. وقال حجيمي إنّ خزّان القرآن الكريم ينبع من ولايات الغرب وبعض ولايات الجنوب وكذا الوسط مثل عين الدفلى والشلف وغليزان. وأوضح حجيمي، أن إكرام المقرئين في شهر رمضان يختلف حسب المنطقة وسكانها وحسب طبع المسجد أيضا وتنظيمه، قائلا إنّ "الإكراميات عادة جزائرية متوارثة ومحكّمة في المجتمع الجزائري". ولفت محدثنا الانتباه إلى وجود نوعين من الإكراميات نقدية وعينية أحيانا تقدم هدايا مادية أو معنوية وأحيانا يتم اقتناء وسائل تكنولوجية أو كهرومنزلية أو ما شابه. وأضاف الإمام أنه كثيرا ما تتجنب المساجد جمع الأموال للمقرئ، حيث بات بعض المحسنين يتكفلون بالأمر بعيدا عن عملية الجمع الممنوعة في مساجدنا بموجب القانون وإن كانت تتم في بعضها ويقدم المبلغ بحضور بعض الشهود العدول لتجنب أي شبهات أو تأويلات. كمال تواتي: القرآن لا يباع وشرف للمقرئ أن يعتلي المحراب في رمضان من جهته، كمال تواتي إمام مسجد الإرشاد بالمدنية، أوضح في حديثه للشروق، أن طلبات المصلين عادة ترتكز على القراءة الجيدة والصوت الحسن والإجازات، موضحا أن استقدام المقرئ يخضع أيضا إلى مستوى الإمام والإقبال على المسجد الذي يعمل فيه، فكلما زاد مستوى الإمام زادت معه الشروط أيضا. ودعا تواتي إلى الابتعاد عن جمع المبالغ المالية لتكريم الإمام على مشهد من المقرئ تجنبا للتأثر النفسي الذي قد يلحق به والمس بكرامته. وقال الإمام إنّ من المقرئين من يحجز عاما من قبل لتأدية التراويح وهم أناس على قدر من الأخلاق والقناعة ولا تشوبهم شائبة، منبها إلى الابتعاد عن تسلم المال أو الإكراميات، حيث يعمل بعض المحسنين على التواصل مع المقرئ مباشرة، كما أن الإكرامية ليست مقابلا لقراءته القرآن وإنما هي هدية عرفان وتقدير. وبادر الإمام بفكرة تقديم عمرة للمقرئ بنية إبعاد الشبهة المالية لأن القرآن لا يباع ولا يشترى ودرءا لأي إفساد لنية المعني بالإكرامية فنحن لا نبيع القرآن يستطرد تواتي الذي يرى أن القصد من العمرة هو كسر الروتين السابق وتغيير طريقة إكرام المقرئ لتبقى الأمور في سياق العبادة دوما. وشدّد إمام مسجد الإرشاد على ضرورة أن يؤمن المقرئون بأن المساجد هي من شرفتهم وليس العكس كما عبر عن حرصه على أهمية ختم القرآن في شهر القرآن عكس ما يدعو إليه البعض من تخفيف في التراويح، مفضلا عدم استيراد المقرئين من مناطق أخرى وأن يتولى أبناء المنطقة التقدم للمحراب لتشجيعهم على التنافس للفوز بكتاب الله وختمه. وتطرق محدثنا إلى رخص استظهار القرآن الكريم التي تفرضها وزارة الشؤون الدينية في كل مرة، حيث باتت تعرقل أحيانا المسار الحسن لاستقدام المقرئين الذين يستنكفون عن التوجه إليها. جمال غول: جشع بعض المقرئين جعلهم يقارنون أنفسهم بالمغنين أمّا جمال غول، فيرى أنه "قبيل شهر رمضان الكريم تظهر عيوب وزارة الشؤون الدينية في تأطير المساجد، كما يظهر جليا عدم التفاف الحكومة على الشؤون الدينية ما يدفع بالوزارة إلى الاستعانة بالمتطوعين". ويلقي غول بمهمة صلاة التراويح على أستاذ التعليم القرآني، لكن لغياب التكوين والتأطير يتم الاستعانة بالمتطوعين الذين لا وجود لأي صيغة رسمية في التعامل معهم، داعيا مثلا إلى اعتماد صيغ تعاقدية على غرار وزارة التربية الوطنية مضيفا أن هناك فراغا قانونيا فلا يوجد نص يبيح جمع المال لإكرام المقرئ ورغم ذلك تغض الوزارة الطرف عن المسألة ويجمع المال دون ترخيص والأفضل، حسب محدثنا أن تكون صيغة رسمية تمنع التلاعبات والجشع الذي يستحوذ على نفوس المقرئين الذين يشترطون أموالا طائلة. وكشف غول أن بعض المقرئين "الجشعين" يقارنون أنفسهم بالمغنين الذين يشترطون مبالغ خيالية غير أنهم يتجاهلون أن المغني طالب دنيا والمقرئ طالب آخرة. وهذا ما دفع هؤلاء إلى اشتراط مبالغ مسبقة وإذا لم يناسبهم الأمر يرفضون ويعتذرون والأفضل، يقول محدثنا، أن تعتمد كل مدرسة قرآنية طلبتها وحفظة كتاب الله على مستواها تشجيعا لهم. وساند غول فكرة إكرام المقرئ بعمرة أو حج فهذا حسبه تشجيع معنوي أما أن يغرى الأئمة بالشقق والسيارات وغيرها من الترف الدنيوي وبذخه فهذا إخراج للأمور عن سياقها، فلا إفراط ولا تفريط ولا تفريغ للعبادة من جوهرها، يختم غول قوله. مقرئون مدللون بموائد إفطار مميزة… ويدلل معظم المصلين المقرئين بأشهى ما لذ وطاب ويتنافسون في ضيافتهم في بيوتهم وخدمتهم من جميع النواحي كغسل ثيابهم وتوظيب غرفهم وغيرها من الاحتياجات الأخرى لاسيما الوافدين من مناطق بعيدة. وحسب ما أكده بعض الأئمة، فإن من الناس من يستأجر لهم بيوتا طوال مدة إقامتهم أو يشاركونهم بيوتهم بالنسبة لقاطني الفيلات، كي يكون المقرئ في راحة من أمره. وفي حالات أخرى، تخصص المساجد غرفا مجهزة توفر خصوصية للمقرئ وتحتوي على أهم احتياجاته من السرير والثلاجة والفرن وغيرها، وذلك بعد استصدار ترخيص وفق ما أدلى به الإمام كمال تواتي الذي يرجح فكرة جلب الأكل للمقرئ إلى المسجد لمنحه راحة وخصوصية لا سيما أن المقرئ لا يتناول وجبته كاملة قبل التراويح ليستطيع الصلاة بأريحية كما أكد أن بعض الأكلات والمشروبات تضر بأحباله الصوتية وقراءته الجيدة لذا يستحسن التنويع في الأكل قدر المستطاع وبما يجنب التبذير.