مع بداية العد التنازلي لشهر رمضان يستعد القائمون على المساجد للتحضير لتكريم الأئمة والمتطوعين المقرئين في صلاة التراويح، ويكون ذلك عادة في ليلة السابع والعشرين من الشهر ما يعتقد كثيرون أنها توافق ليلة القدر. ويجني هؤلاء المقرئون سواء أئمة أو متطوعون مبالغ ومكافآت ضخمة تناهز برأي أهل الاختصاص رواتب أربع سنوات كاملة لإمام في القطاع، وأحيانا تصل إلى حدود 300 مليون سنتيم، بحسب ما أكده لنا أئمة على اطلاع بالأمر، وهي تقدير من الجزائريين لهذه الفئة ودليل على مكانتها بينهم. "الشروق" استقصت رأي بعض الأئمة في الظاهرة التي باتت عرفا قارا في أوساط الجزائريين تعكس مكانة حفظة كتاب الله في قلوبهم.
سليم محمدي: الأمر ممنوع قانونا والوزارة تغمض عينيها سليم محمّدي مفتش وإمام، قال في حديثه إلينا إنّ تكريم الأئمة مشروع لأن المتطوّع أو الإمام أوقف نفسه للقراءة والصلاة، لكنه أكّد أن الأمر ممنوع من الجانب القانوني، غير أن الوزارة والمفتشين يغضّون الطرف عندما يتعلق الأمر بجمع المكافآت ليلة السابع والعشرين من رمضان، لأنها ليلة ختم القرآن بأغلب مساجد الوطن. وأكد المتحدث على منع جمع الأموال في المساجد إلا برخصة من الوالي، وهو قرار ساري المفعول منذ سنوات. واعترف محمّدي بوجود تفاوت سحيق بين المقرئين من حيث المكافآت، مؤكدا أنها تتراوح بين 4 ملايين سنتيم و60 مليون سنتيم، وقد تصل في حالات أخرى إلى 100 مليون سنتيم حسب المنطقة، في حين تقدم بعض المساجد هدايا عينية كالعمرات وغيرها. وبحسب محدثنا فإن ما يجنيه المقرئ من تبرعات المصلين يناهز أجرة إمام عادي لمدة أربع سنوات كاملة. ولفت المتحدث الانتباه إلى اشتراط بعض المقرئين المتطوّعين المشهورين بحسن القراءة والصوت والأداء، مبالغ مالية مسبقا بسبب كثرة الطلب عليهم وحجزهم أربعة أشهر قبل حلول الشهر الفضيل، وهي مبالغ خيالية يغتنم فيها هؤلاء فرصة الإقبال عليهم.
كمال شيكات: بعض المقرئين حوّلوا الأمر إلى تجارة وبدوره الأستاذ كمال شيكات عضو رابطة علماء الساحل وعضو بجمعية العلماء المسلمين، أكد جواز مكافأة الأئمة عند ختم القرآن في صلاة التراويح ولاحرج في ذلك، وأضاف نعلم جيدا أن إخوتنا الأئمة معسوري الحال، منبّها إلى وجود مشاكل في حال انحراف هذا العرف عن أصله، سيما وأن بعض المقرئين سامحهم الله حوّلوا الأمر إلى "تجارة" وأصبحوا يشترطون المبالغ مسبقا وهذا هو الممنوع، وأضاف "هذه الانحرافات تفتح الباب أمام التنافس على التراويح ببعض المساجد دون غيرها، فمن المقرئين من يحفّز مسجدا على آخر لما يتداول من أخبار عن المبالغ المعتبرة التي يجمعها المصلون أو يتبرعون بها، وهذا ما يكرس مبدأ الانتقاء في التراويح."
ناصري أمين: عمرات وسيارات وملايين للمقرئين أمّا ناصري أمين إمام مسجد الشراقة، أكّد في حديثه للشروق أنّ مكافآت الأئمة والإكراميات التي تغدق عليهم مبدئيا هي عادة في الجزائر وليست مسألة شرعية، حيث جرت العادة أن يكرّم الإمام والمتطوّع وطلبة القرآن والأمهات الحافظات ويكون ذلك ليلة السابع والعشرين من رمضان لما ثبت في القرآن وفي الأثر من فضلها، فكل الأعمال التي تقدم فيها تضاعف بألف شهر أي تعادل 83عاما لذا وجب الإكثار من الخير والصدقة. وأثنى ناصري على المبادرة التي اعتبرها تشجيعا لقرّاء وحفظة القرآن لكي يكونوا قدوة لغيرهم. وبحسب شهادة المتحدث، فإن بورصة هؤلاء تتراوح بين 10 ملايين سنتيم وقد تصل أحيانا إلى 100 مليون سنتيم، حسب المناطق والولايات وطبيعة المقيمين في تلك الأحياء، وأضاف المتحدث أنه يعتبر الأمر رزقا من الله تعالى لهؤلاء فهناك أحياء بسيطة يفتح فيها الله على مقرئيها بمبالغ لم يتوقعوها. وتتنوع تلك الإكراميات لتتعدى المبالغ المالية إلى عمرات وسيارات فكل يجود مما عنده عرفانا بمكانة حفظة كتاب الله في مجتمعنا وفي قلوبهم. وكشف ناصري عن الوجه الخفي لتبرعات بعض رجال الأعمال ورؤساء المؤسسسات والشركات الذين يبتغون الشهرة والمراءاة بما يقدّمونه، حتى أنّ منهم من لا يصلي التراويح ويحضر المسجد فقط في الأيام الأخيرة أو في ليلة السابع والعشرين لكي يثني الناس عليهم، ويقال إنّ فلان قدم وأعطى كذا وكذا، بل وأكثر من هذا من هؤلاء من لا يزكي أمواله في وقتها وينتظر حلول رمضان ليقدمها على أنها صدقة، والأصل أن الزكاة لا تجوز في هكذا محل ولا تقدم للإمام أو المتطوع بل لها مستحقوها.