اشتغلوا في رمضان وهم في عزّ الامتحانات المدرسية، لتنطلق مداومتهم الصيفية على الشواطئ وداخل مواقف الحفلات وحواف الطرق السريعة مباشرة بعد عيد الفطر.. إنهم تلاميذ المدارس المعتادون على العمل، فهؤلاء لا راحة ولا عطلة لهم طيلة السنة، كل همّهم المشاركة في مصاريف المنزل ولو بمبلغ زهيد، فيما يُدفع آخرون دفعا نحو العمل من قبل أولياء غير مُبالين بصحة أطفالهم. يبدو أن كثيرا من تلاميذ المدارس المتعودين على العمل الموسمي لم يرتاحوا بعد، فبعد انشغالهم بالعمل في رمضان موازاة مع الامتحانات المدرسية، هاهم يعودون إلى سوق العمل خلال العطلة الصيفية، فانتشروا على الشواطئ وبمواقف الحافلات وعلى قاعات الشاي والمطاعم، يبيعون قارورات المياه والخبز ويمسحون الطاولات ويغسلون الأواني. تحوّلت عمالة الأطفال مؤخرا إلى ظاهرة مسكوت عنها، رغم انتشارها وعلى مرأى من الجميع، إلى درجة أن قرأنا بعض الإعلانات لأصحاب محلات وتجار يبحثون عن مراهقين للعمل في موسم الاصطياف، من خلال إنزال صناديق المشروبات وغسل الأطباق في المطاعم، وتنظيف الطاولات بصالونات الشاي. 20 كيلومترا فوق الرمال وتحت الشمس من أجل 500 دج وتُعتبر الشّواطئ مصدر رزق للأطفال، فبمجرد دخول العطلة الصيفية ينتشرون بين المصطافين والسياح يعرضون بضاعتهم، التي تضمّ غالبا البيض المسلوق وحلويات "البينْيي" وقارورات المياه وألعاب الأطفال… "الشروق"، التقت بعض الباعة الصغار في شواطئ العاصمة الغربية حيث التقت بمحمد الأمين طفل في العاشرة من عمره، ينحدر من ولاية تيبازة، التقيناه بشاطئ خلوفي بزرالدة حيث كان يبيع "المطلوع" والبيض المغلي، ولأننا استغربنا قدومه حتى مدينة زرالدة ليبيع بضاعته، أكد لنا أنه كان يبيع "لي بينيي" في أحد الشواطئ بالقرب من المركب السياحي "السّات" بتيبازة، لكن مستثمرا خاصا استأجر الشاطئ ومنعهم من البيع داخله، ولأن محمد في حاجة إلى المال صار يستقل الحافلة أو يوقف سيارات المواطنين لينقلوه إلى أقرب شاطئ. وعن مدخوله اليومي، قال: "أربح أحيانا بين 500 دج و800 دج إذا بعت مثلا لي بينيي، أما مداخيل البيض المغلي فلا تتعدى 200 دج غالبا"، أما عن سبب لجوئه إلى العمل صيفا، فأخبرنا أن والده يعمل حارسا بابتدائية ويعاني من إعاقة بإحدى يديه، وهو ما حتّم عليه العمل ليساعد في مصروف أسرة مكونة من 6 أفراد، ويضطر محمد إلى قطع مسافة تتراوح ما بين 10 إلى 20 كغ ذهابا وإيابا بين الشواطئ تحت الشمس الحمرقة والرمال الملتهبة.. صالونات شاي ومطاعم تشغل أطفالا لغسل الأواني ومسح الطاولات فيما يفضل أطفال آخرون العمل في صالونات الشاي والمطاعم، وهي حال الطفلين أمين وإلياس اللذين التقيناهما بقاعة شاي بغابة بوشاوي بالعاصمة، يبلغان على التوالي 12 سنة و13 سنة، يقيمان في قرية بوشاوي، ومهمتهما كتابة طلبات الزبائن وتنظيف الطاولات.. الصبيّان، رفضا الإفصاح عن أجرهما، ربما خوفا من رب عملهما. أطفال آخرون يلجؤون إلى بيع قارورات المياه الباردة إلى المسافرين بمواقف الحافلات والطرقات المكتظة، وهي حال أطفال نلتقيهم يوميا بموقف بن عمر بالقبة، والمؤسف أنهم يبقون تحت أشعة الشمس ليوم كامل لغياب أماكن يحتمون بها من الحرّ، أما ربحهم فلا يتعدّى 10 دج في القارورة، وهو مبلغ زهيد جدا مقارنة بما قد يتعرّضون له من مخاطر صحية بسبب الحرارة المُرتفعة صيفا. أشعة الشمس المباشرة تسبب السرطان والتهابات العين وأمراض الرأس ويحذر المختصون من خطورة عمل الأطفال تحت أشعة شمس محرقة، تهدد بإصابتهم بسرطان الجلد، وفي الموضوع، يؤكد المختص في الأمراض الجلدية، علي لونيسي ل "الشروق" أن تعرض الأطفال المفرط والمباشر لأشعة الشمس له عواقب وخيمة خصوصا للأطفال ذوي البشرة الحساسة أو اللون الفاتح، وحسب تأكيده "يمكن أن تحدث لهم حروقا للجلد أو التهابات خطيرة في العين، كما تؤثر أشعة الشمس المباشرة على الجهاز المناعي لأجساد الأطفال". ويؤكد المختص أن حرارة الشمس تضم أشعة بنفسجية لها تأثير ضار على الجسم، كما يصبح التعرض المستمر على المدى الطويل للشمس خاصة بالنسبة إلى الأطفال الباعة صيفا، فهم مهددون بحدوث سرطان الجلد، خاصة إذا بدأ التعرض للشمس في سن مبكرة. وينصح المُختصّ الآباء بعدم تعريض أطفالهم لفترات طويلة لأشعّة الشمس المباشرة، خاصة بين الساعة العاشرة صباحا والرابعة عصرا، مع ضرورة ارتداء الأطفال ملابس تغطي اليدين بالكامل، وتكون بلون فاتح وارتداء نظارات شمس، وشرب السوائل باستمرار. يتنقلون بين الشواطئ والورشات والمطاعم لإعالة أسرهم أطفال لا يعرفون العطلة في سكيكدة يعتبر موسم الاصطياف فرصة للكثير من الأطفال والمراهقين والتلاميذ، من أبناء العائلات الفقيرة والمعوزة، وللكثير من الفئات الهشّة واليتامى وغيرهم، يستغلونها لكسب "حفنة" من الدنانير، قد تغطّي بعض احتياجاتهم لكسوة العيد والدخول المدرسي. وفي ظروف قاسية ومزرية، يضطرّ العشرات من الأطفال والتلاميذ، من مختلف بلديات ولاية سكيكدة، إلى العمل تحت أشعة الشمس المحرقة، مقابل مدخول زهيد، غير مبالين بالمخاطر التي تحدق بهم، جرّاء ضربات الشمس والحرارة القياسية التي يعملون فيها طيلة النهار، بحيث تراهم يجوبون مختلف الشواطئ حاملين معهم مأكولات تقليديّة وحلويات وحبّات زلابية، وغيرها وحتّى فواكه مختلفة وذرى مشوية وفول سوداني، يجرّون وراءهم حمولات كبيرة، ويحملون معها أجسادهم المتهالكة، وراء كلّ واحد منهم قصّة مؤلمة، عن الفقر والضياع، عن الألم والهمّ والغمّ، عن حاجة ماسّة لهؤلاء إلى حفنة من الدنانير، قد يجنونها من وراء عملهم المتعب على الشواطئ. ويتفقّ الكثير من أطفال الشواطئ على أنّ انطلاقة العطلة الصيفية تعني بالنسبة إليهم، انطلاق موسم العمل، إذ يتخذ كلّ واحد منهم موقعه، إمّا على قارعة الطرقات المؤدية نحو الشواطئ، وإما بمداخل الشواطئ أو على الشواطئ في حدّ ذاتها، فتجد الكثير من الأطفال على طول الطريق المؤدي نحو شواطئ مدينة القلّ، أو حتّى تلك المؤدية نحو شواطئ مدينة سكيكدة، وكذا بالمرسى وقرباز شرقي الولاية، وقد اتخذوا مواقعهم على طول هذه الطرقات، عارضين خدماتهم على المصطافين، فمنهم من يبيع فواكه وحاجيات وألعابا بحرية، ومنهم من يشوي الذرى، أمّا الكثير فتراهم يتنقلون من شمسية إلى أخرى ومن خيمة إلى أخرى ومن شاطئ إلى أخر، يعرضون خدماتهم على زبائنهم، الذين يستمتعون بالبحر والسباحة، ويستمع أمثال هؤلاء الأطفال، بما يحصلّونه من مداخيل زهيدة مساء كلّ يوم، على الرّغم من الظروف الكارثية والمأساوية التي يعملون فيها. أكد أن قانون تجريم عمالة الأطفال حبيس الأرشيف عرعار: تفشي عمالة الأطفال في الصيف مؤشر على انتشار الفقر كشف عبد الرحمان عرعار رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل "ندى" في تصريح إلى "الشروق"، الثلاثاء، أنّ الاستغلال الاقتصادي أو عمالة الأطفال مستفحلة في السوق السوداء والعائلة طرف في الأمر، خاصة في أوقات الفراغ الطويلة أو بعض المناسبات والمواسم. وأفاد محدثنا بأن قانون حماية الطفولة المصادق عليه منذ 3 سنوات تقريبا الذي يوفر حماية للطفل ويجنبه كثيرا من الممارسات الاستغلالية في حقه لا يزال غير مفعّل إلى غاية الآن بسبب غياب المراسيم التنفيذية الخاصة به وهو ما يجعله حبرا على ورق وحتى تلك المراسيم يضيف عرعار تحتاج إلى تصوّر مشترك للعمل الميداني يسهم فيه العديد من الفاعلين الاجتماعيين. وأرجع عرعار انتشار الظاهرة بهذا الشكل الفظيع إلى عدة أسباب في مقدّمتها غياب برامج تثقيفية واجتماعية لاحتواء الأطفال في أوقات فراغهم حيث قال: "نعيش في بلادنا غيابا لمرافق ثقافية واجتماعية تحتوي الأطفال في أوقات فراغهم وخلال عطلهم وحتى الموجودة منها نلاحظ أنّها غير مفعّلة ففي الصيف لا يوجد البحر فقط وإنما هناك العديد من البرامج الممكن إطلاقها بما يؤهل الأطفال وينمي قدراتهم ويخفف الضغط عن العائلة". ولفت رئيس شبكة ندى الانتباه إلى الشق الاجتماعي في القضية المتعلق باحتياجات العائلة والزجّ بأطفالها إلى عالم الشغل قبل السنّ الرسمية لتوفير بعض احتياجاتها في ظل محدودية مداخيلها والمصاريف الكثيرة التي تواجهها. ودعا عرعار إلى إعادة النظر في قانون العمل للتقليل من الظاهرة وتفعيل الآليات الموجودة بشكل أشمل مستدلا في كلامه بمفتشيات العمل التي تتدخل في مجال محدود جدا وأضاف: "عادة ما تتم عمالة الأطفال واستغلالهم في الفضاءات التجارية والفلاحية وفي قطاع البناء". وأوضح عرعار أن شبكته قادت عملا تحسيسيا وتوعويا عبر 8 ولايات للتقليل من الظاهرة المسيئة إلى واقع الطفولة في بلادنا.