لا يوجد أحسن من قطاع السمعي البصري، لنقل الرسائل الحضارية عبر القارات، ومشجعو الكرة في الجزائر ما كانوا ليُبدعوا في صور "التيفو"، لو لم يشاهدوها في مباريات برشلونة وريال مدريد وغيرهما، ولم تبخل القنوات الناقلة لكأس العالم، والتي توجهت لتغطية الحدث على المشاهدين بصور جميلة ومؤثرة هي رسالة حضارية لمن أراد أن يرتقي مثل الكثير من بلاد العالم التي شاركت في مونديال روسيا، فخسرت مباراة كرة وربحت الكثير من المباريات التي لا علاقة لها بكرة القدم. فصورة المشجع الياباني الذي خسر منتخب بلاده في الدور ثمن النهائي بثلاثة أهداف من بلجيكا بعد أن كانت اليابان على بُعد 20 دقيقة من النهاية متفوقة بهدفين لصفر، الذي كظم حزنه وراح ينظف المدرجات لتلميع صورتها وصورة بلاده اليابان، يبين لماذا هذا الشعب لا تغرب عنه شمس النظام والنظافة والتكنولوجية، ولماذا يستعمرنا بما يُبدعه أبناؤه وبناته، وصورة الرئيسة الكرواتية التي تجالس المشجعين وتهتف رفقتهم باسم بلدها الذي بلغ نهائي كأس العالم، وجلوسها مع اللاعبين واعترافها بأنهم قدموا ما عجزت هي عنه، يبين لماذا تعيش هذه البلاد الأوروبية من دون احتجاجات ولا تمييز ولا وساطات ولا تزوير في الانتخابات، وجلوس مناصري مختلف القارات جنبا إلى جنب، والابتسامة التي هي عنوان محيى كل مشجع أو مشجعة داخل الملعب، يشرح لماذا يرتاح الناس مع لعبة كرة القدم، ونتعذب، ولماذا يبدعون وندور حول أنفسنا منذ عقود خلت. الجزائريون انقسموا شيعا وجماعات، بين من شجّع لحد الجاهلية الأولى منتخب بلجيكا، وبين من ناصر البرازيل أكثر من البرازيليين، وبين من يتشبث بالحلم الفرنسي وبين من يريد الغلبة لكرواتيا، ولا أحد شجع مثل هذه المشاهد الحضارية في المدرجات وفي شوارع روسيا، التي نقلتها الفضائيات العالمية، فبدت عادية وطبيعية في البلاد المتطورة، وأدهشت البلاد المتخلفة، فمنها من باشر التقليد، ومنها من تابعها للتسلية كما هو الشأن عندنا. مباريات كأس العالم صارت مجتمعا ممزوجا بالسياسة والاقتصاد والثقافة والدين والإعلام، ومع ذلك تمنح بعض الومضات الحضارية الدروس، فتبيّن بأن الشعوب تريد أن تقدم نفسها في أحلى صورة، ونصرّ نحن على أن لا نبيّن سوى مالا يصلح فينا من شتيمة وتنابز وعنف وعصبية كما حدث في الموسم الكروي المنقضي.