يفتش جل الشباب وحتى العاملين على وظائف لتحقيق عائدات مادية، يمارسونها بعيدا عن الأطر القانونية والإجراءات التجارية المعروفة والمتداولة، حتى يحسنوا مستواهم المعيشي ويجابهوا موجة الغلاء الفاحش التي تعصف بقدرتهم الشرائية، ولا يتوافر أمامهم من حل سوى التسويق الشبكي أو الهرمي، لتصبح الإنترنت وسيلة لتوسيع شبكة معارفهم وزيادة عدد المشتركين في كل مرة تعني زيادة في المداخيل. “فرصة لتغيير العمل معنا وأرباح خيالية، نظام تسويقي شبكي جديد وشركة جزائرية 100 بالمائة، يعتمد نظامنا على تسويق دورات تكوينية معتمدة لدى الدولة مع أرباح وهدايا خيالية والكثير من التحفيزات”، “فرصة لزيارة دبي مجانا ودخل شهري يتجاوز 60 مليون سنتيم بعد 6 أشهر من العمل بخطة 3 أعضاء كل شهر أنت وشركائك. الشركة ستفتح خلال الأيام القادمة وتحتاج إلى قادة ومسوقين جيدين ليتعاملوا معها. رجاء قبل الاتصال بنا أرسل سيرتك الذاتية لنمدك بالتفاصيل الكاملة ثم نوجهك إلى أحد شركائنا القريب من منطقة إقامتك”.. “الناس مع الفرص أربعة: فهناك من يغتنم فرصة وتفوت منه أخرى، وهناك من يغتنم كل فرصة ويكون مستعدا لها، وهناك من يخلق الفرص (مثلنا نحن)، ولكن للأسف هناك من يهرب من الفرص ويفر منها، فرجاء لا تكن من هؤلاء وأعط لنفسك فرصة لتجربة الفرصة. أين أنتم أيها القادة؟”… هذه عينة من الإعلانات التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي والمتاجر الإلكترونية التي نصادفها يوميا، دعوات للتغرير بالمواطنين والاستيلاء على أموالهم جهارا نهارا، بمسميات عديدة ومختلفة والهدف هو ضم عدد كبير من الأفراد إلى الحلقة ثم جني أرباح مالية كبيرة عن كل فرد جديد يلتحق بها، وإن كان ظاهر هذه الشركات عرض بعض السلع ومواد التجميل أو بعض المستحضرات الطبيعية، غير أن باطنها وهدفها الوحيد هو تهريب العملة إلى الخارج من خلال مجموعة التكوينات والرحلات التي تنظمها. ويعتمد المسوقون الشبكيون في نشاطاهم على أسلوب الإقناع، حيث يحاولون تصوير أهمية هذه التجارة في تحقيق مدخول قد يغنيهم حتى عن الوظيفة التي يمارسونها، ويدفعونهم إلى تكريس جل وقتهم في هذا النشاط مع تسخير جميع إمكانياتهم وطاقاتهم في سبيل تحقيق أرباح خيالية، قد يقضون دهرا بأكمله في جمعه وسفريات إلى العديد من بلدان العالم لم يكونوا يحلمون بها من قبل. الخبير رزيق: المسوقون الشبكيون يستغلون تعطش الناس إلى الكسب السريع وصف الخبير الاقتصادي، الدكتور كمال رزيق، في اتصال ل “الشروق”، التسويق الشبكي بالعملية الاحتيالية فهو ينطلق من أفكار وهمية وخداع لتسويق أشياء غير واقعية كقولهم أدخل 10 أشخاص واربح كذا، لكن يستفيد من هذه العملية الأوائل فقط. وأكد المختص على استغلال المسوقين الشبكيين لشغف الربح السريع الموجود لدى العديد من المواطنين، ورغبتهم في تحقيق أرباح وعائدات مالية دون تعب أو جهد ليجدوا أنفسهم متورطين في مقامرة بصيغة أخرى. وأضاف الدكتور رزيق أن هذه الشركات تعتمد على نماذج ناجحة، فكلما شاهدوا الآخرين فازوا ونجحوا وجنوا أموالا يزداد فضولهم، فالموجود في أعلى الهرم يربح في كل مرة ويقل الثمن كلما تناقص الرقم، بل الكثير ممن انضموا إلى هذه العمليات التجارية غادروها بخفي حنين. الإمام قسول: التسويق الشبكي تحايل يشمل الكثير من المحرمات أوضح إمام مسجد حيدرة، الشيخ جلول قسول، في حديث إلى “الشروق”، أن عملية البيع لها قواعدها وشروطها المتعارف عليها، أما ما يحدث في التسويق الشبكي فهو مجرد تحايل يهدف أصحابه إلى زيادة عدد الأشخاص، ليصبحوا أعدادا وفيه غرر وضرر ولا تنطبق القواعد الشرعية عليه، بل هو بوابة للاحتيال وأكل أموال الناس بالباطل وقد وقع الكثير من المواطنين ضحاياه. وكشف الشيخ قسول أن التسويق الشبكي يحتوي على التدليس وهو إغراء الزبون بالربح وأشبه بالميسر، وليس بهدف بيع السلعة وإنما الانضمام إلى الشركة من أجل الربح على حساب الآخرين، ومن أسباب تحريم التسويق الشبكي بيعه النقود بالنقود. واعتبره الشيخ قسول نوعا من أنواع القمار فالمشترك يدفع مالا مخاطرا به، تحت تأثير إغرائه بعمولات التسويق التي تدر له أرباحاً كبيرةً إذا نجح في جمع عدد كبير من الأشخاص وهذا في كل مرة يقوم بها بإحضار مشتركين آخرين. النفسانية موهوب: موظفون وجامعيون ضيعوا مستقبلهم بالركض وراء الوهم حذرت المختصة في علم النفس، الأستاذة سليمة موهوب، في اتصال ل “الشروق”، من خطورة التسويق الشبكي الذي دفع بموظفين إلى التخلي عن مهنتهم وطلبة جامعيين لإهمال دراستهم، واتباع هذه التجارة فهي نوع من أنواع الاستغلال المشروع فهو في النهاية تجارة، لكن ما يعيبها أن الموجود في أعلى الهرم يربح ثم الذي يليه فالتالي وهكذا دواليك، فصاحب المشروع هو إنسان طموح يرغب في توسيع شركته ولا يفكر في الآخرين، بل ما يهمه الربح فقط مهما ادعى تقديم مساعدة للعملاء ومحاولته تكوينهم لكن ما يشغله في الأخير الربح فقط، فالموجود في أعلى الهرم يربح أما الآخرون فيدورون في حلقة فارغة. وتصنف المختصة الشخص المشارك في الحلقة بالطموح والراغب في تحقيق النجاح والربح، باعتماده على بعض مهاراته كالإقناع لكن بعد 10 أو 20 محاولة من البيع يتسلل اليأس إلى نفسه، خصوصا في حال انتهاء حلقة الزبائن فيقلق ويبدأ في مواجهة مشاكل وضغوط نفسية، أما في حال صادف أشخاصا يقتنون سلعته يصبح همه الوحيد هو الوصول إلى الرقم النهائي للأرباح ويستعمل في سبيل تحقيق غايته هذه شتى الوسائل والأساليب من الخداع والنصب مستغلين في ذلك الثقة الموجودة بينهم وبين الآخرين كأفراد العائلة. وخلف هذا التسويق حسب محدثتنا العديد من الضحايا ممن فوتوا فرص عمل حقيقية ودراسية، واتبعوا وهم الربح السريع لكنهم لم يجنوا شيئا في نهاية المطاف. خبير الاقتصاد الإسلامي مسدور: شركات إسرائيلية دخلت الجزائر عبر التسويق الشبكي أبدى الخبير في الاقتصاد الإسلامي، الدكتور فارس مسدور، في تصريح إلى “الشروق”، رفضه التام للتسويق الشبكي لكونه عملية نصب واحتيال مع سبق الإصرار والترصد، تتم بطريقة خبيثة يستغلون فيها العلوم الرياضية، وتحتوي هذه المعاملة حسب محدثنا على كتلة من الحرام والممنوعات، بحيث يتم التحصل على المال دون جهد وهو شبيه بالمقامرة وفيه غش وتدليس زيادة على الربا، فالإنسان عندما يطلب منتجا لا يشتريه لذاته بل رغبة في الحصول على المكافأة، وقد يستدعي أحيانا الإجبار على الشراء لكي يصبحوا أعضاء في المجموعة. وكشف الدكتور مسدور أن الفقهاء حرموا هذا التسويق وقد أفتى المجمع الإسلامي بالسودان بعدم جوازه في 2003، زيادة على فتاوى العديد من الفقهاء غير أن ممارسي هذه التجارة يعتمدون على بعض الفتاوى الفردية، لأشخاص غير ملمين بالمعاملة التجارية كلها وطريقة القيام بها. وتشتمل هذه المعاملة بحسب الدكتور على عمليات تهريب العملة الصعبة إلى الخارج من خلال السفر إلى إندونيسيا وتايلاندا، في شكل مجموعات تضم أزيد من 50 فردا ويوهمونهم بإقامة الأوقاف في هذه الدول، ويزودون كل واحد بمبالغ تتجاوز 7 آلاف أورو ليمنحوها للشركة الأم. وانتقد المتحدث طبيعة المنتجات المسوقة من قبلهم كالموجهة إلى مرضى السكري، القلب، ارتفاع ضغط الدم، لكنها جميعها دون فائدة وغير مجدية وتقف وراءها شركات إسرائيلية دخلت من تونس ومصر، ولا يملك أصحاب هذه الشركات مقرات ولا محلات. ولم يرحم أصحاب هذه الشركات حتى الأرامل فنصبوا عليهن وهناك العديد من القضايا في العدالة لضحايا هذه المعاملة التجارية، وبعدما كان يتوجب دفع مبلغ 5 ملايين أو شراء منتجات بقيمة المبلغ السابق حتى يصبح عضوا في المجموعة، صارت هذه الشركات تشترط دفع 50 مليون سنتيم ويتحصل على فائدة عن كل عضو، معتمدين على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم “من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة”، أي يبررون الحرام بالحديث النبوي وهو أمر غير مقبول.