يعجبني كثيرا نظام إجراءات التقاضي بين المتخاصمين في المحاكم وتكييف القضية ليسهل بعد ذلك صدور الحكم فيها!، فكذلك بعض الفتاوى يجب أن تكيف، أهي في المعاملات أم من العبادات …إلخ، وبعدها يسهل الفصل فيها وفق القواعد الفقهية والأحكام الشرعية والتكييف الفقهي لمعاملات التسويق الشبكي أنه بيع نقود بنقود!.. إن نظام ما يسمى بالتسويق الشبكي الذي يستفيد فيه الزبون الأول، والذي يليه.. إلخ بفائدة مالية تدفع له بعد أن يشتري هو بمبلغ معين، وتزداد كلما أقنع زبائن جددا بالشراء، وهذا كله لغرض الربح بقطع النظر عن الانتفاع بالسلعة المشتراة، وهذا الأسلوب يتبين لنا منه أنه يتنافى مع روح الشريعة الإسلامية، لأنه يتضمن مايلي: الربا المحرم شرعاً، فالمشترك يدفع مبلغاً قليلاً من المال ليحصل على مبلغ كبير، فالعملية إذن هي بيع نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وهذا هو الربا المحرم بالنصوص القطعية من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأجمعت الأمة على تحريمه. الربح على حساب الآخرين لأن من سيكون في أعلى الشجرة لديه فرصة أكبر بكثير في الحصول على أرباح كبيرة تأتي من المشتركين الجدد الذين يدفعون ثمن السلعة الحقيقي، بالإضافة إلى المبالغ التي تقتطع لصالح الأشخاص في أعلى الشجرة، ومن لم يستطع إقناع أحد بشراء هذه السلعة يكون غالبا قد دفع مبلغا أكبر بكثير من قيمة السلعة الفعلية. اشتمالها على الغرر، وهو المحرم شرعاً، لأن المشترك لا يدري هل ينجح في تحصيل العدد المطلوب من المشتركين أم لا؟!. والتسويق الشبكي أو الهرمي مهما استمر، فإنه لا بد أن يصل إلى نهاية يتوقف عندها، ولا يدري المشترك حين انضمامه إلى الهرم هل سيكون في الطبقات العليا منه فيكون رابحاً أو في الطبقات الدنيا فيكون خاسراً؟، والواقع أن معظم أعضاء الهرم خاسرون إلا القلة القليلة في أعلاه، فالغالب إذن هو الخسارة، وهذه هي حقيقة الغرر، وهي التردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر، حيث يحرم الزبون الأخير من الربح إذا لم يستطع جلب الزبائن، فهي أكل لأموال الناس بالباطل، لاشتمالها على التدليس، وهو إغراء الزبون بالربح الفاحش إنه أشبه بالميسر، لأن الزبون ليس غرضه الانتفاع بالسلعة وإنما الانضمام إلى الشركة من أجل الربح على حساب الآخرين، قال سبحانه (لا تظلمون ولا تظلمون)- (البقرة 297). وقال صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار)- حديث حسن رواه ابن ماجه والدار قطني، ومنه يأتي تحريم التعامل بالتسويق الهرمي والتسويق الشبكي، والذي من أهم أسباب تحريمه ما يلي: التكييف الفقهي لمعاملات التسويق الشبكي أنه بيع نقود بنقود، وأيضا السلع التي تبيعها الشركة ليست مقصودة لذاتها وإنما هي ستار للعملية، فهي غير مقصودة للمشتركين فلا أثر لوجودها في الحكم، وذلك أن مقصود المعاملة هو العمولات وليس الإنتاج، فالعمولات تصل إلى عشرات الآلاف، في حين لا يتجاوز ثمن المنتج بضع المئات، وكل عاقل إذا عرض عليه الأمران فسيختار الجانب المالي، ولهذا كان اعتماد هذه الشركات في التسويق والدعاية لمنتجاتها هو إبراز حجم العمولات الكبيرة التي يمكن أن يحصل عليها المشترك وإغراؤه بالربح الفاحش مقابل مبلغ يسير هو ثمن المنتج، فالمنتج الذي تسوقه هذه الشركات مجرد ستار وذريعة للحصول على العمولات والأرباح، وهو نوع من أنواع القمار، فالمشترك يدفع مالاً مخاطراً به تحت تأثير إغرائه بعمولات التسويق التي تدر عليه أرباحاً كبيرةً إذا نجح في جمع عدد كبير من الأشخاص. ويعتمد نظام العمولة في شركات التسويق الشبكي على إحضار مشتركين آخرين يقسمهم إلى مجموعتين، إحداهما على اليمين والأخرى على الشمال، ولا بد من تساوي المجموعتين كي يحصل المشترك على العمولة والمال الذي دفعه المشترك فيه مخاطرة، فربما يحصل على العمولة إذا أحضر العدد المطلوب من المشتركين الآخرين، وربما يخسر إذا لم يتمكن من إحضارهم، وهذا هو وجه المقامرة. ومن المعلوم أن القمار من المحرمات قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90]. وكذلك التسويق الشبكي يُعد من صور الغش والاحتيال التجاري لأنه لا يعدو أن يكون صورة من صور الغش والخديعة ومصيدة ؟!، فهذا أكلٌ لأموال الناس بالباطل وخديعةً وغش وتدليس، وهذا الذي جاء النص بتحريمه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَتأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}- [النساء:29]. أما إن اقتصر نشاط المشترك في النظام التسويقي للشركة على بيع منتجاتها للراغبين فيها أو شراء منتجاتها لينتفع بها المشتري أو من أجل إعادة بيعها ليربح منها فلا حرج في ذلك، لقوله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا)، كما أن له السعي في الترويج للسلعة مقابل مكافأة على ذلك من قبل الشركة. قسول جلول إمام مسجد "القدس" حيدرة/ الجزائر العاصمة