استطاعت رواية "كولاج"، لصاحبها المبدع أحمد عبد الكريم، أن تفتك جائزة "الجزائر تقرأ"، حيث تعود الرواية إلى حياة الخطاط "ابن مقلة"، من خلال قصة سرقة مخطوط من متحف بتركيا، ويتخذ عبد الكريم من الصحراء خلفية لعمله، وهو في ذلك يؤكد انحيازه إلى فضائه الجغرافي واهتمامه بالفن التشكيلي. تبدو في "كولاج" مسكونا بالفن التشكيلي مثل العادة، هل تغلب الفنان فيك على السارد؟ في روايتي "كولاج"، حاولت أن أكون وفيا لاهتماماتي بالفن التشكيلي، وتاريخه وأعلامه، وللموضوعات اللصيقة بي، التي تشكل جزءا من ذاكرتي ومعرفتي، وهويتي أيضا.. فهي تكاد تكون امتدادا في شكل سردي لما كتبته من دراسات ومقالات، وخاصة في كتاب "اللون في القرآن والشعر"، خاصة في الجزء المتعلق بتاريخ التصوير العربي وبداياته في العصر العباسي في بغداد على يد المصور "الواسطي"، كما أنني كتبت مقالا عن ابن مقلة الخطاط الذي دفع حياته ثمنا لطموحه السياسي.. هذه الجوانب من تاريخ الفن العربي والإسلامي لا تكاد تكون معروفة عندنا، في حين إننا نعرف الشيء الكثير عن تاريخ الفنون الغربية، ومدارسها وفنانيها منذ عصر النهضة. هذا يعني أنني فكرت في أن أكتب عن موضوعات أعرفها، حتى ولو كانت غير مطروقة ومتداولة، بدل أن أغامر بالكتابة عن موضوعات كبيرة تتجاوز معرفتي كثيرا، تحتاج إلى إلمام بكل معطياتها، ولا يمكن أن أقدم فيها شيئا ذا بال. صحيح أنني حاولت أن أكتب رواية عن الفن وعوالمه، وتقديم مادة ومعلومات تقنع القارئ وتفيده، لكن ذلك لا يعني أنني تحولت إلى فنان تشكيلي، بل حاولت الحفاظ على المسافة المطلوبة بين السارد والفنان .. الرواية مؤثثة بخلفية تاريخية ومعرفية ثقيلة، هل تعتقد أن البحث والتوثيق ضروري في أي عمل ناجح؟ دعيني أقل لك بأن النسخة التي قدمتها لجائزة الجزائر تقرأ للإبداع الروائي هي نسخة "لايت" من نسخة أكبر منها حجما، وأكثر غنى بالمعلومات التاريخية التي تتناول عصر ابن مقلة وسيرته وصراعه من أجل الطموح السياسي. لكنها تختلف عنها في البناء والتكنيك.. وفي النهاية، قررت أن أقدم النسخة "لايت"، لأنني قدرت أنها الأحسن بناء والأكثر إقناعا للقارئ.. أعود فأقول من المهم أن يكون الروائي ملما بموضوع روايته من جوانب عديدة، لأن الخلفية المعرفية أو الفلسفية أو التاريخية أو أي ناحية كانت، مهمة جدا في الرواية.. أنا لست مع الرواية "الستاندار" التي تتكلم عن كل شيء، فقط من أجل تضخيم حجم الرواية، بل مع رواية البؤرة والاشتغال على موضوع أو مقولة محددة. الجانب التوثيقي والبحث مهم جدا في نظري، خاصة إذا كان السياق السردي يتطلب ذلك. لكن ليس إلى درجة إخراج العمل السردي إلى دائرة البحث المتخصص، حتى يفقد معناه وقيمته.. الصحراء تبدو في العمل كبيئة خلفية هل تعتقد أن أبناء هذا الفضاء ظلمتهم الجغرافيا في المشهد الأدبي الجزائري؟ في روايتي كولاج حاولت أن أكون أيضا وفيا للمكان، للصحراء أو الجنوب، حتى أكتب عن شيء خبرته، وأدعي أنني أعرفه إلى حد ما، لكي أعطي هوية سردية لروايتي. ضمنيا قلت في كثير من جزئيات الرواية، بأن هناك صحراء أخرى مختلفة عما ورثناه عن النظرة الإكزوتيكية الاستشراقية للصحراء مكانا وإنسانا. تختبئ خلف الصورة السياحية والرومانسية التي تروج لها الخطابات المختلفة، لحاجات كثيرة في نفسها. هناك معاناة إنسانية مفتوحة يجب أن ننتبه إليها.. من دون أي شك، جغرافيا الصحراء، أو بتعبير أصح، تسيير الشأن العام لهذه الجغرافيا، لاسيما في شقه الثقافي والأدبي مثلا، جنى على أبنائها رمزيا ومعنويا وكان عائقا كبيرا أمام تحقيق أحلام الكثير منهم وتأكيد حضورهم، بنفس الفرص في أمكنة أخرى، ولم ينج منهم إلا من حرقوا أو زحفوا باتجاه الشمال وعواصم العالم. أما الذين تشبثوا برملهم وصحرائهم، فقد ظلوا عرضة للغبن والتهميش.. ما أكثر الملكات والمواهب التي تموت في صمت دون أن ينتبه إليها أحد. ولحسن الحظ، أن ظهور الوسائل الجديدة للاتصال في الفترة الأخيرة قد قلل من سطوة هذا البؤس والتصحر.. بعد هذا العمل، ما هي مشاريعك الأدبية؟ أكرر أن تتويج رواية كولاج بجائزة الجزائر تقرأ للإبداع الروائي في دورتها الأولى يمنحني نوعا من الثقة بالنفس، ويحملني مسؤولية كبيرة، لكي أكون في مستوى الثقة والتقدير الذي حظيت به من طرف لجنة تحكيم هذه الجائزة التي ولدت كبيرة، بالنظر إلى جدية هذه الدار ورهاناتها، وصدقية لجنتها، وأيضا ثقل أسماء القائمة القصيرة التي اندفعت إلى مقدمة المشهد الأدبي الجزائري بجرأة وبقوة نصوصها، وربما لولا هذه الجائزة ما كان لينتبه إليها أحد، خاصة أنها قادمة من أعماق الجزائر.. اهتمامي الآن منصب على المساهمة في حملة "دار الجزائر تقرأ" من أجل نشر ثقافة القراءة بالاعتماد على تأسيس شبكة وطنية لنوادي القراءة في أقاصي الجزائر. كما أحرص على تقديم روايتي كولاج لعموم القراء والمهتمين، حتى تأخذ حظها من التناول النقدي والقراءة.. حقيقة، ليس في ذهني حاليا مشروع أو فكرة نص روائي جديد، ولكن أتمنى أن تسمح ظروفي بكتابة رواية جديدة.. فكرت من فترة في جمع مقالاتي المنشورة ودراساتي في النقد التشكيلي كي أنشرها، كما أفكر في نشر مذكرتي الجامعية عن "صورة المرأة النائلية في الفن الاستشراقي"، لأنني أعتقد أن الصورة النمطية المغلوطة التي رسخها الفنانون المستشرقون عن المرأة النائلية وعلى رأسهم إتيان دينيه، في المخيال الجماعي داخل الوطن وخارجه، تحتاج إلى تصحيح .. يتحدث البعض في السنوات الأخيرة عن ظاهرة "الروائيون النجوم" ويحملون وسائل التواصل الاجتماعي المسؤولية، ما هو تعليقك؟ على هامش حضوري سيلا 2018، شاركت في كثير من النقاشات الهامشية حول هذه الظاهرة الجديدة على مشهدنا الأدبي والثقافي، وهي بروز موجة جديدة من كتاب الجيل الجديد بشكل ملفت وسريع تحولوا معه إلى نجوم خطفوا الاهتمام واستولوا على اهتمام جمهور السيلا، إلى درجة أن كتبهم "رواياتهم" كانت الأكثر مبيعا.. هؤلاء الكتاب من الشباب، لا يملكون خبرات حياتية مهمة، يكتبون خارج معايير الكتابة الروائية التقليدية، وما يكتبونه لا يملك قيمة أدبية وليس رواية بالمعنى الحقيقي.. لكن الملاحظ، أنهم ينشرون على حسابهم الخاص في دور نشر خاصة ذات هدف تجاري، ويعتمدون بشكل كبير على قوة الميديا والوسائط الجديدة "الفايسبوك" في تحقيق انتشار أفقي كبير.. تمنيت لو أن إدارة السيلا فتحت فضاءاتها ومنصاتها لمناقشة هذه الظاهرة الجديدة بشفافية وبموضوعية.. لاحظت أن كل الآراء كانت تجمع على إدانة هذه الظاهرة في عموها ورفضها، بل وبمفردات عنيفة أحيانا.. وجهة نظري كانت تذهب في اتجاه آخر، وهي أن هذه الكتابة تعبر عن حاجات وإشباعات أدبية وتعبيرية لجيل جديد مختلف عنا، تفكيرا وسلوكا، وأحسن ما يمكننا فعله إزاءها هو محاولة احتوائها وقبولها لا إقصاؤها ورفضها، لأن ذلك لا يمكن أن يحد من انتشارها المتزايد، ولا يمكن أن تقنع كاتبا من هؤلاء بأن ما يكتبه ليس رواية، وهو يبيع 700 نسخة من كتابه في يومين.. عملية الاحتواء يمكن أن تتم على مستويين، تنبيه دور النشر إلى ضرورة احتكامها إلى لجان قراءة جادة تستند إلى معايير وقيم جمالية وأدبية، وفتح فضاءات وورشات الكتابة، خاصة في المؤسسات الثقافية والجامعات يؤطرها كتاب معروفون، وتنظيم مسابقات أدبية لتشجيع النصوص الجيدة…