على الجميع الانخراط في مسعى وطني بهدف حماية مجتمعنا    محاولة فاشلة" للنيل من مواقف الجزائر النبيلة و المبدئية    نسعى إلى تحديث آليات إدارة الأوقاف وتسييرها واستغلالها"    الصمت الدولي "جريمة موازية لا تقل بشاعة عن القتل والقصف"    العرض الشرفي لفيلم التحريك "طيور السلام" بالجزائر العاصمة    يحي سعد الدين نايلي مديراً عاماً جديداً لصيدال    غريب يشرف على إعادة تشغيل مصنع جيكا    عطاف يحل في زيارة رسمية بإثيوبيا    عطّاف: نُواصل دعم الفلسطينيين    منظمات وطنية تُندّد بموقف حكومة مالي    تقرير جديد يوثّق تصاعد جرائم الاحتلال المغربي    إشراق شعيب تهزم البطلة الهندية بوجا بال    الكاف تراسل المولودية    الوفاق يتقدّم..    سقوط 543 ضحية في يومين بين قتيل وجريح    على خلفية نشر صور ومقاطع فيديو لعمليات الوشم مخلة بالحياء    أمطار رعدية ورياح قوية في 14 ولاية    هذا جديد ملف استيراد الأضاحي    مرّاد يجتمع بنظيره الإيطالي    11 موقعاً جزائرياً.. نحو العالمية    بسكرة عاصمة للشِعر    عربٌ.. ولكنهم إلى الاحتلال أقرب!    مجلس الأمة: استقبال وفد صيني    وزير التكوين والتعليم المهنيين يستقبل البروفيسور كريم زغيب    رؤية استراتيجية ومشاريع ملموسة للتحوّل الرقمي بالجزائر    ملتقى دولي حول التراث الجزائري المخطوط    فرض رسوم على إعادة بيع السيارات لوضع حد للمضاربة    الطغمة العسكرية ترهن مصالح الشعب المالي    هذا هو المبلغ الأقصى للسحب اليومي عبر مكاتب البريد    106 مشروع لتنمية وعصرنة أربع بلديات    رفع ملف مفصّل حول احتياجات الولاية إلى السلطات العليا    مدرب فينورد يدافع عن حاج موسى ويشيد بإمكانياته    فرنسا: المسيرة الدولية للإفراج عن المعتقلين السياسيين الصحراويين بالسجون المغربية تحط الرحال بمدينة بوردو    الانتهاء من تصميم أول رقاقة إلكترونية من قبل باحثين جزائريين    "السياسي" في تربص بسيدي موسى    وزير الثقافة والفنون يكشف عن قائمة المواقع الثقافية والطبيعية المقترحة للتسجيل على القائمة الإرشادية للتراث العالمي    أزمة الهوية في الدراما التلفزيونية الجزائرية    تركيز الاهتمام على السينما الفلسطينية    أزمة في تونس بسبب بلايلي والترجي يهدد بالانسحاب    السياحة بسكيكدة تتدعم بهياكل جديدة    مجمع صيدال: تعيين السيد يحي سعد الدين نايلي مديرا عاما جديدا    خنشلة : "التراث الجزائري المخطوط" موضوع ملتقى دولي يومي 15 و16 أبريل بجامعة عباس لغرور    فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم: الصوت الآخر للثورة الجزائرية    والي العاصمة يعاين مشاريع تهيئة الواجهة البحرية    ليلة لا تُنسى بقسنطينة    مسابقة وطنية لإنشاء البرمجيات الإلكترونية    الزبون "ملزم قانونا" بعدم التورط في أي شكل من أشكال المضاربة    السهر على توفير كل التخصصات الطبية بالمصالح الطبية الإستشفائة    لا حل للقضية الصحراوية إلا في إطار الإلتزام باتفاق سنة 1991    حريصون على إنجاح الامتحانات الرسمية    ميراث نضال وما أشبه الأمس بالراهن!    لا يمكن لمجرمي الحرب الصهاينة الإفلات من العقاب    وزير الصحة يشرف على اجتماع لمتابعة مشاريع المستشفيات الجديدة ويؤكد على نظام استشفائي متعدد التخصصات    بالصبر يُزهر النصر    كفارة الغيبة    سايحي يدعو الى تسيير المصالح الطبية بالمستشفيات الجديدة بنظام إستشفائي ضمن شبكة متعددة التخصصات    الحضارات الإنسانية لا تعادي الثقافات النبيلة    الجزائر محمية باللّه    









شعب بلا مقابر ولا هوية..!
الشروق العربي تغوص في أسرار بني عداس وعجائب العمريين...
نشر في الشروق اليومي يوم 10 - 12 - 2018

يكتب غجر الجزائر ملحمة إجتماعية في دفتر الطبيعة بعيدا عن الأضواء الكاشفة متجرعين مرارة الحياة القاسية وهم يجابهون مطبات الصحراء وعراء البيداء مكابدين وعثاءهم في صمت وتجلد…
الشروق العربي تتبعت صوت الخلاخل الغجرية المتوحشة وتروي تاريخا من شعب لم يفهمه أحد.
يا لهذا الشقاء يصفعني كلما تهت في الاقاصي فأتحول إلى زهرة برية كل مساء طائش حيث تهرول في يقظتي ايقاعات تذبح معناي، ها أنا انتعل حذاء التيه، وأركض بين الغرباء، لهم عادات قديمة يطوفون حول الانكسار ويعزفون العشق فوق كمنجات المعنى…أنها كلمات تصف معاناة امرأة غجرية اُختزِل تاريخها في السحر وقراءة الفنجان والرقص في الحواري البائسة للالتقاط لقمة الموت بدل الحياة.
يطلقون عليها العدايسية اي التي "لا تحشم" أو الجيطانوة وأهلها بطبيعة الحال بني عداس وجواطنة وبني هجرس ولكلها تختزل شعبا اسمه الغجر.
في الجزائر يعرف الغجر بأنهم محتالون ويمارسون الشعوذة، لا يملكون هويّة ولا جنسية جزائرية رغم أعدادهم الكبيرة، يقتاتون على الدجل والكهانة، وينصبون على الناس بقراءة الكف وكتابة الطلاسم. ولا تخلو حياتهم من الفوضى والترحال المستمرّ، ولكن ماهو وجه الغجر الآخر؟.
هل باع بني عداس وطنهم؟
حين دخل الاستعمار الفرنسي للجزائر واجه مقاومة شرسة من القبائل الجزائرية الأصيلة استمرت لسنين دفع فيها الشعب الجزائري حياته ثمنا من أجل تحرير أرض الوطن، ويقال أن فرنسا لم تجد من يؤيدها سوى قبائل بني عداس، قوم يعيشون على السرقة والاحتيال و نساءهم على قراءة الكف. ويقال أيضا حسب بعض المؤرخين أن فرنسا جعلتهم ضباطا وألبستهم البرانيس والعمامات وأركبتهم الجياد الأصيلة ليطبقوا مخططها الاستعماري.
حتى أن هناك مثل في الشرق الجزائري يقول.."ترخسي يا الزرقا ويركبوك بني عداس" أي الفرس الزرقاء الغالية التي يركبها الذليل.
ويقال أن الغجر الجزائر عملوا لدى فرنسا مقابل المال والحماية والطعام، ويقال أيضا أنهم قتلوا الكثيرين أمام الملأ، مدّعين أنهم من صفوف الثوّار "جبهة التحرير الوطني" وذلك لردع الناس عن دعم الثورة وتشوية صورّة الثوّار أيضًا ودفع الأهالي إلى مقاومة الثورة.
أصل غجر الجزائر
تنقسم شعوب الغجر بشكل أساسي إلى الرومن في أوروبا والكاوليةوالدومر في الشرق الأوسط، بعضهم يتكلم لغة مشتركة قد تكون من أصل هندي، وبعضهم لهم ثقافة وتقاليد متشابهة، وحتى أواخر القرن العشرين ظلت شعوب الغجر تعيش حياة التنقل والترحال.
توجد آراء مختلفة بشأن تاريخ الغجر وأصولهم، منها أن هؤلاء الأقوام أصلا من شعوب الهند وإيران ومناطق وسط وجنوب آسيا، هاجروا من أراضيهم في حوالي القرن الرابع الميلادي، وأوضح بعض المؤرخين أنهم في أواسط القرن الخامس عشر (1440م تقريبا) وصلوا إلى مناطق المجر وصربيا وباقي بلاد البلقان الأخرى، ثم بعد ذلك انتشروا في بولندا وبعدها اسبانيا، واستمر انتشارهم إلى أن بلغوا الجزائر بأعداد كبيرة. وينتمي غجر الجزائر إلى الرومن وكانوا يتكلون اللغةالرومنية واعتنقوا الإسلام فيما بعد.
من بين أشهر القبائل الغجرية المعروفة في الجزائر بني هجرس وبني عداس والعمريون في منطقة الحاسي بضواحي سطيف، ومناطق أخرى في ولايات من الشرق والغرب مثل ولاية غليزان، تيارت وسعيدة وحتى الجنوب الجزائري.
لماذا يتيه الغجر؟
من معتقدات الغجر أن الإنسان خلق من أصول ثلاثة، وأن أجداد البشرية ثلاثة رجال أحدهم أسود وهو جد الأفارقة، والآخر أبيض وهو جد الأوروبيين وأمثالهم من البيض، والأخير هو جد الغجر، وان هذا الجد قد قتل شقيقه وعوقب من الله بأن جعله هائما في الأرض هو وذريته من بعده. هناك رواية أخرى تقول إن سبب الشتات في الأرض والتنقل هو أن الجد الغجري قد أسرف في الخمر وثمل ولم يستطع الدفاع عن المسيح، ورواية أخرى تقول إن الجد الغجري قد صنع المسمار في الصليب الذي أراد أعداء المسيح صلبه عليه. كل هذا الأشياء تعطي الانطباع بأن الغجر دائما يقفون في صف مناقض للمسيحيين، وقد تبدو هذه المواقف أحد مبررات الكراهية ضد الغجر من قبل الأوروبيين.
موتى بلا وداع
حسب العديد من الروايات المتناقلة عن قبائل الغجر فإن هؤلاء رغم أنهم يصومون ويصلون إلا أنهم في حال وفاة أحد أفرادهم يتوجهون إلى أقرب المساجد، ويتركون الميت هناك من دون تشييع جنائزه ولا حتى الوقوف على دفنه وتوديعه،فهم لا يملكون وثائق ثبوتية، على غرار الدفاتر العائلية والصحية وشهادات الميلاد وبطاقات التعريف وأشياء من هذا القبيل تعرّف عنهم.
وبما أنهم لا يملكون وثائق الهوية فهم عادة يتزوجون "عرفيا" بعد اتفاق بين الأولياء فيخير صبي لفتاة وهما لا يتعدى سنهما ال14 سنة، مع استحالة ارتباط صبي غجري بفتاة خارج المحيط الغجري لصعوبة تأقلم فتاة من الحضر مع طباع حياة البداوة، في مقابل نبذ الصبية فكرة حياة المدينة.
وتبقى أعداد الغجر في الجزائر غير معروفة بالتحديد، بالرغم من أنهم يتوزّعون على عدد من مناطق الوطن، لأنهم يرفضون التسجيل في مصالح الحالة المدنية وفي مختلف المؤسّسات الأخرى، كتلك التابعة للضمان الاجتماعي أو قطاع السكن أو التعليم من الابتدائي إلى الجامعي.
وعدة سيدي خليفة… لقاء غجري بامتياز
وعدة سيدي خليفة بولاية سعيدة مناسبة للإلتقاء والتعارف بين قبائل الغجر، وتحط هذه القبائل الرحال بخيمها بالقرب من ضريح الولي الصالح سيدي خليفة لتحيي وعدته، ولا يمكثون أكثر من أسبوع. والزائر لخيمهم العجيبة يرى رؤوس الحيوانات المخيفة المعلقة داخلها، فهذا رأس تيس والآخر رأس ثعلب، ناهيك عن الثعابين والعقارب المتدلية داخل الخيمة يقال أنها حروز وطلاسم لحمايتهم وحكم أخذت عن أسلافهم وأجدادهم لعلاج المرضى… أسبوع واحد فقط ثم يرتحلون من الحدود إلى الحدود، من الشرق، إلى الغرب من الشمال إلى الجنوب، حيث لا وجود لحدود جغرافية لهم اليوم هنا وغدا هناك، يعيشون على بيع المواشي عند ارتفاع أسعارها وشرائها عند الإنخفاض ولا يهم المشتري قد يكون من المغرب، ليبيا، تونس، موريطانيا والمالي ومن داخل الوطن وقد استطاع العديد من القبائل العمرية الهجرة عن طريق الحدود نحو الدول المذكورة آنفا والإستوطان بالمناطق النائية والصحراوية هناك وبإمكانهم الدخول إلى أرض الوطن متى شاؤوا بطريقة غير شرعية.
يعيش الغجر متفرّقين على عدة مناطق متباعدة من الوطن، يتواصلون فيما بينهم ويعرفون الأماكن التي يقيم فيها أقرباءهم في الولايات الأخرى، يجتمعون في أماكن الرعي، ويفترقون للحاجة نفسها بإيجاد مناطق أخرى، تطول مدّة اجتماعهم أو تقصر من عدّة أشهر إلى سنوات، لا يملكون عقارات ولا منازل لأنهم لا يتعاملون بالوثائق الإدارية، فمساكنهم الخيام، وطريقتهم في العيش هي الترحال الدائم، يعتمدون أيضًا على الرعي وتربية المواشي، وبعضهم يمتلك رؤوسًا كبيرة من الماشية، يستأجرون أماكن الكلأ والماء، وحين تنفد مصادر الأعلاف يرحلون مجدّدًا قاطعين مئات الكيلومترات سيرًا على الأقدام مع عائلاتهم، الاولاد يحرضون الأطفال الأصغر منهم أما الذكر من الغجر ففور بلوغه سقف سن السابعة عشر عاما يتمكن من اقتياد النسوة إلى الأسواق بصفته رجلا ناضجا، فينتشرن لامتهان السحروالعرافة وقراءة الطالع والتسول.
يواجه الغجر خطر لدغات العقارب والثعابين التي تدخل خيمهم بسهولة لتواجدهم بأماكن انتشار هاته الحيوانات السامة من خلال "الطلسميات"، والتي يحضرها لهم ولي مشعوذ من منطقة في غرب البلاد يقوم ببناء ذرع الوقاية من لسعات مختلف الحشرات والثعابين والعقارب.
التنويم الغجري
يمارس الغجر حسب المعتقدات الجزائرية السحر بكل أنواعه، حتى أنهم يتمكنون من تنويم عائلات بأكملها لسرقة ذهبها ومجوهراتها، وهذا بالضبط ما حدث لعائلة وهرانية أدخلت عجوزا طاعنة في السن ادعت العطش وراحت في غفلة من العائلة تردد طلاسم وتعويذات نومت كل النسوة اللائي استقبلنها، لتستيقظن بعد مرور ساعات وهن مجردات من حليهن.
"الڤزانة" اي الساحرة كلمة ارتبطت ارتباطا وثيقا بغجر الجزائر، فبعد أن كانت الغجرية الحسناء التي لا تروض اصبحت في الجزائر المشعوذة وقارئة للبخت لعذروات تبحث عن رجل في زمن شح فيه الرجال، وحسب بعض اللغويين فإن مصطلح ڤزانة يأتي من كلمة تزينڤرينة أي غجرية بالاسبانية.
غجر ولكن..!
ومهما قيل عن غجر الجزائر إلا أن الحقيقة تلامس الخيال فيما يخص أصلهم وتاريخهم وعاداتهم وطقوسهم وعلاقتهم بالسحر والشعوذة وحبهم للتيه وعدم الاستقرار، ورغم أن المجتمع يقرن اسم بني عداس بكل ماهو مشين ووضيع، إلا أن دراسة ميدانية لهذه الفئة من المجتمع قد تسمح بفك الطلاسم والعزلة في آن واحد عن شعب يسكن أرضا لا يريد الانتماء إليها ويعيش في الفيافي باحثا عن الحرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.