اتضح أخيرا، أن المبادرة التي أطلقها رئيس حزب تجمع أمل الجزائر (تاج)، عمار غول، لم تكن سوى فقاعة كبيرة، سرعان ما اندثرت بمجرد ملامستها لمحيطها، ما يؤكد أن غول كان مجرد أداة في يد أطراف ما وظفته لإرباك المشهد السياسي وإخلاط أوراق المعارضة. عمار غول، وبعد أن ملأ الدنيا ضجيجا بمبادرته والتي فهمها الجميع على أنها محاولة لتشكيل رأي عام داعم لتأجيل الانتخابات أو تمديد العهدة الحالية للرئيس بوتفليقة، خرج بالأمس ليضرب كل ما بناه على مدار أسابيع في الصفر، عندما قال إن الانتخابات الرئاسية ستجرى في موعدها. غول، وفي ندوة صحفية له قال إن "الانتخابات الرئاسية ستجرى في موعدها"، وفي الوقت ذاته، قال إن ندوة الاجماع الوطني التي دعا إليها "ما تزال قائمة ونتمسك بها وهي ليست مقيدة بآجال"، في تناقض لا يمكن لأحد أن ينكره. لكن الذي لم يقله غول هو، إذا كانت مبادرته لا تزال قائمة، كما يزعم، فلماذا ألغى مواعيد أبرمها مع أحزاب سياسية في آخر لحظة، مع "حزب طلائع الحريات"، ومع حركة النهضة وآخرين.. ما قاله غول سبقه إليه منسق الهيئة الوطنية لتسيير حزب جبهة التحرير الوطني، معاذ بوشارب، الذي لم يقلها صراحة، وإنما ألمح إلى أن الانتخابات الرئاسية سيتحدد مصيرها في غضون العشرين يوما المقبلة، في تصريح يؤشر على أن الرجل لا يشغله موعد طيلة هذه الفترة، لا ندوة غول ولا مبادرة مقري لتأجيل الرئاسيات. أما رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق فيبدو أنه وصل إلى درجة اليأس من إمكانية تجسيد مبادرته المكيفة مع إشارات تكون قد وردت إليه من السلطة أو لمس ما يؤشر على ذلك، عندما قال مبررا انخراطه في مسعى (تأجيل الانتخابات الرئاسية) لامه عليه الكثير من رفاقه في المعارضة وفي التيار الإسلامي، إنه عدل مبادرته التي أطلقها الصائفة المنصرمة، لأنه لمس انفتاحا على هذا المسعى لدى السلطة ومحيطها. وبين كل هؤلاء، يبرز الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، كفاعل سياسي لم ينحدر إلى مستنقع المبادرات التي انخرطت في مسعى التأجيل أو التمديد، فهو وإن ساير غول مجاملة، إلا أنه كان في كل مرة يؤكد أنه مع إجراءات الانتخابات الرئاسية في موعدها: "في الأرندي، لا نرى أي ضرورة من تأجيل الانتخابات، ما دام أنه لا توجد أزمة سياسية في الجزائر". وإن كان عمار غول، لم يبق له شيء يخسره على صعيد رصيده السياسي والقيمي بسبب المطبات الكثيرة التي وقع فيها طوال مسيرته الحزبية والحكومية، إلا أن مقري الذي ناضل كثيرا من أجل تلميع صورته كقائد لأكبر حزب سياسي ذي خلفيات إسلامية، يكون قد خسر الكثير من وزنه وفقد قسطا من نباهته وفطنته السياسية. فعندما يستدرج مقري إلى معترك فهمه البعض من رفاقه في المعارضة، على أنه محاولة لإنقاذ السلطة من ورطتها، ولو كان ذلك بحسابات سياسية يعتقد مسؤول "حمس" أنها في صالح البلاد والعباد، ثم يسحب البساط من تحت قدميه، فهذا ما كان يجب أن يحدث، لأن الانطباع الذي تكرس لدى الكثير هو أن مقري تم التلاعب به وبحركته من قبل السلطة.