عبد العالي رزاقي يراهن الكثير من المترشحين على الوصول إلى البرلمان لتحقيق أمانيه في »الحصانة« أو »المكانة« أو »التقاعد« أو تحقيق »وجوده المادي أو المعنوى« ، ظنا منه أن البرلمان يغير من نظرة المجتمع العربي، أو اعتقادا بأن الاحترام يكسب عن طريق النيابة. ولو كان الأغلبية ممن يحملون بالجلوس في »الغرفة السفلى« يدركون ما قد تجلبه لهم النيابة من مخاطر، وما يجلب لعائلاتهم من »اتهامات« و»سوء تقدير«. صور غير واقعية الصور المنقولة عن النواب للشعب غير حقيقية، فهي صور »مفبركة«، باعتبار أن أصحابها »مجرد أصوات لا قيمة لها«، فالنائب في نظر الوالي أو الوزير مجرد شخص انتهازي، والكثير من النواب لا يستقبلون في المؤسسات العمومية فما بالك بالخاصة. ولم يحدث أن نواب البرلمان رفضوا قانونا أو أسقطوا حكومة، بل كانوا وما يزالون، ينتظرون الأوامر للتصويت من رئيس كتلتهم. وإذا لم يصدق أحد أن الإدارة في الجزائر أعلى سلطة من البرلمان، فليسأل نفسه لماذا يرفض بعض الوزراء »الاستجواب«، أو يغيبون أثناء عرض المشاريع ذات الصلة بقطاعاتهم. وسكرتيرة أي مستشار في البرلمان أكثر خطوة في الأسفار من النواب، وإحداهن كانت مؤخرا، في وفد برلمان بأندونيسيا. وإذا كان البرلماني غير »محترم في مؤسسته« فكيف يطلب من الآخرين احترامه. هل سمعت، في برلمان، في العالم، أن »إداريا« أو »مستشارا« ترأّس اجتماعا للنواب؟ حدث هذا في لقاء بين برلمانيين جزائريين وأجانب تحت قبة البرلمان حيث ترأس الجلسة موظف، وكان يعطي الكلمة للنواب، ما أثار استغراب النواب الأجانب حين اكتشفوا أنه »مجرد مستشار«. انتهازيون حتى داخل البرلمان! وبالرغم من أن الانتهازية صفة مشتركة بين موظفي الدولة في الجزائر، فإن النموذج الأكثر قربا من الشعب هو النائب، فالنواب مثل رؤساء أحزاب »أهل الكهف« لا يظهرون إلا في المواعيد الانتخابات، أو المناسبات، ويترددون على السفارات الأجنبية والعربية، وليست لهم علاقة بالمنطقة التي ترشّحوا فيها، بحجة أن النائب »يمثل الأمة«، والمفارقة هي أن جبهة التحرير كانت سباقة إلى نقل »الوزراء« من منطقة لأخرى، ولو أدركت أن هؤلاء الوزراء قد يجلبون الضرر المعنوي للمنطقة التي يترشحون فيها، لأنهم لو كانوا حقا يؤمنون ب (النيابة) لقدموا استقالتهم من الحكومة، ولما استخدموا وسائل الدولة لتسويق »أنفسهم«. والمسؤول الأول عن النائب ليس البرلمان وإنما المدير العام للإقامة التي يقيم فيها، أو مدير الفندق الذي يقيم فيه. ولو تقوم مؤسسات العدالة بالتحقيق في »الفواتير« التي يدفعها البرلمان لهذه الفنادق والإقامات لاكتشفت »العجب العجاب«. وحتى لا أكون مبالغا أو متحاملا على »أهل نعم«، أذكر الذين انتهت عهدتهم بأن الدولة أعطت لهم ما يقارب السبعين مليون سنتيم قيمة للإيواء لمدة عام، دون عقد إيجار أو كراء، بل ب »تصريح شرفي« يقدمه النائب للإدارة، وهناك من ماتوا، واستخلفوا، وأخذوا كذلك »المال المباح«. لو كان النواب يدركون ما يمثلون لسنّوا لهذه المنحة قانونا يتيح لأصحابها صرفها في »الحلال«. وما يؤسف له، أن اختتام الدورة الأخيرة للبرلمان كانت »فضيحة«، فقد تم استصدار ترقيات لأصحاب »الخطوة« لا تراعي أدنى شروط سلم الترقيات أو شروط الإطار السامي في المسار المهني. ومادام هذا هو واقع النواب في الجزائر، يرفعون الأيدي، ويتقاسمون جوازات الحج، ويتقاتلون على اللجان لأن فيها »سيارة وعلاوة مالية« ويتخلون عن الأحزاب التي يترشحون باسمها، ويتحولون إلى »مجرد دمى« لدى أصحاب المصالح، فمن الطبيعي أن تفكر السلطة في إعادة تأهليهم، ومن الطبيعي أن يرأسهم أكثرهم كفاءة، في التقرب إلى أصحاب القرار. معهد »التكوين البرلماني« في البرلمان؟ ولأول مرة، في تاريخ البرلمانات في العالم، ينشئ البرلمان الجزائري ما يسمى ب »معهد التكوين البرلماني« للنواب، في مقر البرلمان،، وهو إدارة موازية لإدارة البرلمان، مقياس التوظيف فيه لتدريس النواب هو عنصران: 1 لغة حليب الأم 2 مسقط الرأس وإذا كنا ندعى بأن النائب يمثل الأمة فإن من يدرس عنده هذا النائب يمثل »الجهة« أو »اللغة«. وهذا المعهد يقوم ب (التكوين المهني) لنوابه، وخاصة في اللغات أو لغة الاتصالات والبرلمان والشعب الجزائري يدفع ثمن محو أمية من انتخبهم. لو كان النواب يحترمون أنفسهم لسجلوا أنفسهم في المعاهد والأقسام، كما فعل عمار سعيداني الذي سجل نفسه في السنة الأولى علوم سياسية، ولو كان البرلمان الجزائري يقدر الجامعات لسنّ قانونا يسمح لكل نائب غير جامعي بالدخول إلى السنة أولى جامعة، عوض أن يدفع الملايين من أجل محو الأمية للكثير من أعضائه. ولو كانت الهيئة التنفيذية تفكر في الأداء الجيد لوزارتها لالتحقت بتجربة البرلمان في محو الأمية. المؤكد أن محو أمية من تجاوز ال 70 سنة صعبة لأنها تحتاج إلى الالتحاق ب »جمعية إقرأ«، والأكثر تأكيدا أن البرلمان في حاجة إلى »معهد عال« للأخلاق، وهذا لا يتأتى إلا بتأهيل جديد للنواب القادمين لأنهم في حاجة ماسة إليها. وأول درس في الأخلاق هو إلزام النواب بالتصريح ب »ممتلكاتهم« ونشر معلومات حقيقية عنهم، لأن ملفات الترشيح المقدمة لأحزابهم تحمل الكثير من المعلومات الخاطئة، وخاصة لدى أحزاب »التحالف الرئاسي«. بعد أيام، سنقبل على الإدلاء بأصواتنا، ونحن أمام خيارات صعبة، فالمترشحون متساوون لدينا، لأنهم يمثلون قوائم، ولا يمثلون أنفسهم. ولو كانت هناك سلطة تحترم نفسها لأعادت الاعتبار للتصويت على الاسم عوض القائمة، وما أثار انتباهي أنه لأول مرة يترأس قائمة في تيزي وزو »عربي« لا يعرف الأمازيغية، ويحمل شعارا، لو حمله أي حزب بربري أو جهوي لوفر للجزائر ما لم توفره السلطات منذ أحداث 20 أفريل 1980 لغاية اليوم. وتمنيت لو أن حزبا قبائليا رشح عربيا في تيزي، وبربريا في قسنطينة أو هران. لو عملنا بهذا المنطق، لاعتبرنا النائب ممثلا للأمة وليس للجهة. المشكلة التي تواجه النواب هو كيف سيطلقون على اللواتي قد يصلن معهم إلى الغرفة السفلى، أو سيقول النائب لزميلته »سيدتي النائبة« بمعنى المصيبة أو الكارثة لغويا وكيف ستجيبه؟ وهل تتنازل المرأة في البرلمان عن »تاء التأنيث« أم ستتمسك بها، ولو كانت تعطيها صفة جيدة. إننا بالتأكيد لن نقاطع الانتخابات، ولكن كيف نصوت؟ هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى خيار شخصي، وليس إلى أي توجيه. وأعتقد أن الخريطة السياسية في الجزائر لن يحدث فيها تغيير كبير، وإنما قد تشهد استمرارية لوضع نأمل أن يتغير يوما ما حتى نلتحق بركب »جارتنا الموريتانية« التي أنقذت شرف الديمقراطية في المغرب العربي، وأعطتها نفسا جديدا، كنا نزعم أنه ولد في الجزائر، ولكن على طريقة »الأرندي« وللحديث بقية.