بلغ عدد الراغبين في خوض الاستحقاق الرئاسي المقبل، حتى الآن 97 ناويًا التقدم نحو السباق الانتخابي، قلّة منهم قيادات حزبيّة معروفة لدى الرأي العام، بينما الأغلبية الساحقة هم مواطنون عاديون، بل إنهم نكرات في عالم السياسة لا يعلم بوجودها أحد، ومع ذلك فقد تجشّمت مشقة الانتقال إلى مقرّ وزارة الداخلية والجماعات المحلية بالعاصمة، لأجل سحب استمارات الترشح والتوقيعات، طالما أنّ كل شيء بالمجان على عاتق الخزينة العمومية، بل أكثر من ذلك، فهي فرصة لهؤلاء من أجل الظهور الإعلامي والشعبي، وصناعة "الشّو" لعدّة أيام بين الناس، بغضّ النظر عن شروط الجدّية والأهليّة في مثل هذه المواعيد السياسية الكبرى. لكن الأيام القادمة ستغربل دون شكّ المشهد التنافسي من كثرة المجاهيل، لتخلو الساحة للأرقام الفاعلة في المعادلة الانتخابية، لأنّ مقصلة ال60 ألف توقيع ستضع الأكثرية المطلقة من الأسماء التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، في سياق الطرائف ونكت عام 2019، خارج مضمار المنافسة. وبذلك، فإنّ المتوقّع مرورهم بسلام نحو الأدوار النهائية من تصفيات الترشح للموعد الرئاسي قد لا يتجاوزون عدد الأصابع في اليد الواحدة، خاصّة في ظلّ عزوف شخصيات سياسيّة، معروفة بمشاركتها في محطات سابقة، عن دخول المنافسة حتى الآن، ولا يبدو أنّ قناعاتها ستتغير مستقبلا، لا سيما في حال ترسّم تقدّم الرئيس بوتفليقة لافتكاك عهدة خامسة. ويظهر رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، الأوفر حظّا في بلوغ النصاب القانوني من التوقيعات، لأن حمس تعدّ برأي المراقبين الحزب الأكثر تنظيمًا وانتشارًا بين تشكيلات المعارضة، زيادة على أنّ وعاءه الانتخابي لم ينزل في المواعيد السابقة منذ 1997، إلاّ نادرًا، عن نصف مليون صوت، وهي في نظر المتابعين تعبّر في الغالب عن مناضلين ملتزمين ومتعاطفين، بحكم التجذّر الاجتماعي، عن طريق الروافد الخيريّة والطلابية والنسوية والكشفيّة، فضلا عن المنتخبين وطنيّا ومحليّا، إذ يمكن تعويض التوقيعات الشعبيّة ب600 توقيع عن هؤلاء، ما يجعل مأمورية "مقري" في دخول حلبة السباق سهلة، أما مقتضيات المنافسة الفعلية فلها شروط أخرى. كما يبدو في المرتبة الثانية رئيس جبهة المستقبل، عبد العزيز بلعيد، في أريحيّة من أمره، فالحزب صار في ظرف 7 سنوات منتشرا وطنيّا، ويملك شبكة فعالة من الكفاءات التي ورثها عن تنظيم "الشبيبة الجزائريّة"، وهو ما تعكسه نتائج التشريعيات الماضية التي حاز فيها 14 مقعدا، زيادة على أنّ "بلعيد" حلّ ثالثا في آخر رئاسيات عام 2014. والحال نفسه بالنسبة لرئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، رئيس حزب طلائع الحريّات، فهو بحسب مراقبين يبقى قادرا على التجنيد لأجل جمع التوقيعات المطلوبة، فقد سبق للرجل أن خاض المنافسة في 2004، وعاد مرة ثانية ليجرّب حظّه بعد 10 سنوات، وإن لم ينل، بحسب لغة الأرقام الرسميّة، نسبة معتبرة من الأصوات في المحطتين المذكورتين، فإنّه شكّل فريق عمل حزبيا من الإطارات المركزيّة والولائية، جلّهم كوادر سابقة في دواليب الدولة ومناضلون لفظتهم الانشقاقات المتوالية في الأفلان. أما رابع الراغبين في الترشّح إلى غاية كتابة هذه الأسطر، فهو الوزير الأسبق للسياحة عبد القادر بن قرينة، والذي أعلن بدوره التقّدم نحو السباق.. صحيح أن حركة البناء الوطني التي يرأسها هي تشكيلة ناشئة، بل هي وليدة انقسامين مُتوالين عن "حمس" ثم عن "جبهة التغيير"، لكنّ الرجل في تقدير العارفين بشؤون التنظيمات العقديّة قادر على تجاوز عقبة 60 ألف توقيع، من خلال تعبئة منخرطي الحركة ومحيطها الأسري والاجتماعي، مع توظيف روح الانضباط الحزبي في تعويض الفارق المادّي مع الآخرين. فارس آخر يراهن على المنافسة الرئاسيّة مجّددا، وهو الذي لم يغب عنها منذ 2004، ويتعلّق الأمر برئيس "عهد54″، فوزي علي رباعين، ذلك أنّ الرجل لم تعجزه التوقيعات في المحطات السابقة، مع أن حزبه يعدّ ضمن التشكيلات المجهرية التي لا تظهر إلاّ في المواعيد الانتخابية، مستفيدًا من مساره النضالي منذ الثمانينات في إطار منظمات أبناء الشهداء ورابطة حقوق الإنسان، ثم الظهور المتكرّر في الاستحقاقات الرئاسيّة، لكن تبدو المأموريّة هذه المرّة معقّدة، بالنظر إلى نتائج ربّاعين في رئاسيات 2014، والتي لم يتجاوز نصيبه فيها 10 آلاف صوت، ما يعني أنّ 50 ألف صوت التي وقّعت لترشيحه لم تنتخبه حينما جدّ الجدّ! إضافة إلى هؤلاء السابقين، تبقى حظوظ الشيخ عبد الله جاب الله ولويزة حنون قائمة في الظفر بتزكية المناضلين للترشّح في حال قرّروا ذلك، أما الوزير الأسبق محمد السعيد وموسى تواتي فقد أعلنا عدم التنافس.