الرهانات الوطنية الآن بدأت تتضح معالمها، رغم الغموض والتداخل والاشتباه الحاصل وهذا بعد تسع جمعات من الحراك الأسبوعي، الذي تطور ليصبح حراكا مطلبيا شبه يومي. موقف المؤسسة العسكرية بدا واضحا أكثر فأكثر: موقف مصطف مبدئيا وبلا مواربة مع الإرادة الشعبية في التغيير والقضاء على النفوذ الفرنسي السياسي الإعلامي الاقتصادي الذي أوصل البلاد عن طريق نظام الحكم القائم منذ عشريات سابقة إلى حافة الانسداد والإفلاس الاقتصادي والسياسي. لم يعد بالإمكان السكوت والوقوف موقف المتفرج تجاه ما يحدث من نهب خيرات الوطن من طرف زمرة صارت الآن مصنفة ضمن توصيف “العصابة”. الرهان الأكبر اليوم هو رهان كسب ثقة الشعب وتفهم الحراك لهذه الرغبة الأكيدة لمؤسسة الجيش التي تريد أن تبقى ضمن نطاق الدستور في أي تعامل مع الأحداث، محاولة منها تجنب فراغ دستوري تريده الأقلية الساحقة باسم الأغلبية المسحوقة راكبة موجة الحراك جموع الحراك التي باتت هي الأخرى من دون أن تدري أو تعي حجم التضليل والاستعمال للمطالب المشروعة للأعراض ضيقة تصب كلها في صالح اللوبي الفرنكوفوني الذي لا يرد أن يترك السلطة والمال بدون مقاومة باتت تطالب بنفس مطلب الأقلية هذا، مما زاد في الحل الدستوري تعقيدا. الانتخابات الرئاسية في 4 جويلية، صارت الآن، رغم محاولة رئيس الدولة التشاورية إنقاذ الموعد الانتخابي من الفشل المحتوم. في الواقع، إن مطالب الحراك احترام إرادة الشعب من خلال مطالبه الأخيرة برحيل الباءات الأربعة، هو من صميم إرادة المؤسسة العسكرية التي تريد أن تبقى ضامنة ومتعهدة لتطبيق هذه الإرادة الشعبية، لكن دائما ضمن صلاحياتها الدستورية ومطلب الشعب والمعارضة والموالاة بمرافقة الجيش لهذه المرحلة الانتقالية. غير أن هذه الإرادة، تصطدم الآن بعدة حواجز من تنفيذ المخطط الفرنكو جزائري، وأعوانه حتى في المؤسسات الأمنية. وتهديد قائد الأركان للفريق مدين الأخير، خير دليل على ذلك. يبقى التساؤل الأكبر هو: كيف سنوفق في البقاء في الدستورية، في غياب حلول دستورية الآن وقد صار الشعب كله يلتف حول رفض كل الباءات وخطة طريق بن صالح التي يراها الشعب مرفوضة كونها خطة طريق سلفه المرفوض؟ للعلم، أن المؤسسة العسكرية تريد أن تبقى في إطار الدستور، وترفض أن تذهب لحل آخر يقضي بقيادة جماعية يقودها رموز من الأقلية الايديولوجية التي سيطرت مؤخرا على المشهد الإعلامي: رموز محسوبة على الأقلية الساحقة للإيديولوجية العلمانية المطالبة بجمهورية ثانية والتي يراد لها أن تكون بداية لتأصيل المد الفرنسي اللائكي عن طريق فصل الدين عن الدولة واستبدال الدستور القديم رأسها على عقب وإلغاء إعلان أول نوفمبر ومبدأ “جمهورية ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية” النوفمبرية. وقد بدأت بعض أحزاب الأقليات العلمانية والفرنكو شيوعية في الضرب على هذا الوتر تمهيدا لهذا الغرض. هل علينا الآن أن نواصل العمل من أجل انتخاب رئيس جمهورية في الآجال الدستورية؟ وهو أمر صعب التحقيق لعدم وجود ثقة بين السلطة القائمة والشعب في هذا المسار ومن يعملون عليه أصلا، أم سنمضي في استنفاد المسار الدستوري إلى غاية الخروج بحل توافقي حول شخصية وطنية تقول مرحلة انتقالية قصيرة؟ ونكون قد دخلنا في فراغ دستوري أجبره الانصياع للدستور؟ وهذا ما أتصور أنه قد يحدث إذا لم يحدث حادث آخر قد يفرز مخرجات جديدة لوضع لا يقبل الإطالة ومرض لا يقبل تمديده؟