جمعة سلمية عاشرة، في كلّ الولايات، للتأكيد على تمسّك الحراك الشعبي بمطالبه، تمهيدا للشروع في بناء جمهورية جديدة، والحال أن الجزائريين، برجالهم ونسائهم وشبابهم وشيوخهم وحتى أطفالهم، وجّهوا رسالة جديدة إلى أولي الألباب، مفادها أنهم لا يملّون ولا يكرهون ولا ييأسون ولا يتعبون ولا يستسلمون، إلى غاية تحقيق مطالبهم المشروعة! لقد حقّق الحراك، طوال العشر جمعات، منذ مسيرات 22 فيفري الماضي، الكثير من المكاسب، أهمها إسقاط العهدة الخامسة وتمديد الرابعة وإلغاء رئاسيات أفريل، والندوة التي دعا إليها الرئيس المستقيل، وبعدها جنى الحراك ثمار عزيمته بفتح ملفات الفساد النائمة و”اصطياد” الحوت الكبير، وتوقيع سلسلة إقالات وعزل، لم تكن في الحسبان حتى بالنسبة للسلطة نفسها، إلى وقت قريب! لكن الأغلبية المسحوقة مازالت تنتظر المزيد، في ظلّ استمرار “مطاردة” الوزراء كنتيجة حتمية لرفض الحكومة الحالية، وتترقّب أيضا سقوط ما تبقى من “باءات” بعد ما سقطت حبّة رئيس المجلس الدستوري من سبحة الباءات الأربعة، التي كانت ومازالت من بين أهمّ “الشروط” التي يضعها الحراك لأجل المرور نحو مرحلة جديدة لا تشارك فيها الواجهة السياسية السابقة! لم تفلح لا المعارضة ولا الصحافة ولا العدالة ولا منظمات المجتمع المدني، خلال 20 سنة مضت، في تحقيق ما حققه الحراك لفترة لم تتجاوز ال60 يوما، وهذا لأن الحراك حرّر هؤلاء وأولئك، ممّن كبّلهم “نظام بوتفليقة”، ومنعهم من التحرّك بالترهيب والترغيب، وبخنق أصواتهم، ووضع المتاريس والحجارة والمسامير في طريق كلّ محاولة للتغيير أو حتى الرفض! سياسة الأمر الواقع، هي التي انتهت إلى ما تعيشه البلاد اليوم، وعلى “الأمر الواقع” الذي تشهد عليه المليونيات السلمية، أن يدفع نحو تغيير ما يجب تغييره، والنزول الفوري وبكلّ حكمة وتبصّر، عند رغبة الجزائريين الذين يحلمون بواقع آخر ترسمه ألوان وأشكال الحريات والحقوق والعدالة الاجتماعية واحترام سيادة الشعب في اختيار ممثليه وبناء مؤسساته الدستورية! لعلّ العقل يقول بأن أقصر طريق، إلى الحلّ، هو أن يتصالح الجميع مع الشعب، فتمنح الكلمة للأغلبية “المسحوقة”، ويُحترم رأي الأقلية “الساحقة”، ويتجنب هذا وذاك، منطق العدمية والإقصاء، على أن ينسحب المتورطون والمتواطئون في الأزمة الحالية، قبل أن يُطردوا، كما يعود أيضا المصفقون والمطبّلون من جماعات “بني وي وي” إلى الصفوف الخلفية، بعد ما كشفت الأيام والسنوات، أن خياراتهم كانت خاطئة، وأحيانا يجب تجريمها في بعض تفاصيلها! ينبغي تحليل شكل ومضمون، الجمعة العاشرة، حتى لا تبقى جمعة بعد جمعة، إلى أجل غير مسمّى، أو إلى إشعار آخر، فتأجيل الحلول الممكنة، قد يكون مرادفا لتعجيلها، والمطلوب هنا، لا تأجيل ولا تعجيل، لا تأويل ولا تقليل ولا تهويل.. لكن إعادة الكلمة للشعب والاستماع لصوته بمنطق “بالرزانة تنباع الصوف”!