أخيرا أجبِر الرئيسُ عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة استجابة للشعب الثائر منذ 6 جمعات للمطالبة برحيله، وللجيش المتلاحم مع مطالب الحراك.. استقال بعد 40 يوما من التمنّع والتماطل والمحاولات المستميتة للتأجيل والتمديد.. بوتفليقة رضخ بعد أن تأكّد أنّ الجزائريين الذين يخرجون بالملايين كل يوم جمعة في مسيرات ضخمة ب48 ولاية للمطالبة برحيله الفوري ورحيل الفاسدين المحيطين به، لن يتراجعوا ولن يضعفوا حتى تتحقق مطالبهم كاملة، قبل أن يتعزّز موقفُهم أكثر بانضمام الجيش إلى صفّه وتأييد مطالبه جميعا بلا تحفّظ، وهو أمرٌ يُحمد عليه، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله. إنه يومٌ عظيم آخر في تاريخ الجزائر والجزائريين؛ ففيه خطا الشعبُ خطوة كبيرة نحو استعادة حريته وفكِّ قيودِ الاستبداد التي كبّلته 57 سنة كاملة، كان يمكن أن تتحوّل إلى قرن كامل أو أكثر كما قال جمال ولد عباس، لو لم يثُر منذ 40 يوماً ويعصف بالظلم والظالمين. صحيحٌ أنها مجرَّد خطوة أولى صغيرة على درب إنهاء منظومة الاستبداد والفساد التي عشّشت بقوة في مفاصل الدولة ولن تُجتثَّ بسهولة، وأن هناك خطواتٍ أخرى كثيرة يتعيّن قطعُها قبل التمكّن من إحداث تغيير عميق في الحكم وإقامة دولة الحقّ والقانون وترسيخ ديمقراطية حقيقية يوصِل فيها الشعبُ من يشاء إلى الحكم بالانتخابات ويُسقِط من يشاء.. لكنها خطوة هامّة ستغيِّر وجه الجزائر بالتأكيد؛ فالجزائر بعد 22 فبراير لا تشبه تماما الجزائر التي قبلها، فقد عادت إلى السكة الصحيحة وستصل بإذن الله إلى أهدافها بعد مدةٍ من الحكم الانتقالي وتعديل الدستور والقوانين وإجراء انتخابات جديدة حرة ونزيهة لإقامة مؤسساتٍ جديدة تمثيلية تخلُفُ المؤسساتِ المزوّرة التي تسيطر عليها الموالاة الآن. ختاماً لا بدّ أن نشكر بوتفليقة وأخاه وأحزاب الموالاة والانتهازية وعبادة الصور، فلولا تشبّثه الشديد بالحكم وإصرار محيطه على ترشيحه لولايةٍ رئاسية خامسة برغم مرضه البيِّن، لما ثار ملايينُ الجزائريين ولما خرجوا إلى الشوارع للمطالبة برحيله الفوري وسقوطِ العصابة الفاسدة المحيطة به وإجراءِ تغيير عميق للنظام، واستعادةِ حقه الدستوري كمصدر وحيد لأيّ سلطة، ما يبشّر بتغيير تدريجي للنظام قد يكون بطيئاً لكنه سيُفضي في النهاية إلى بناء جمهوريةٍ جديدة قوامها الديمقراطية الحقيقية والحريات والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون والعيش الكريم للمواطنين… لو قدّم هؤلاء الانتهازيون والمدّاحون والطبّالون أيّ شخصية أخرى، مرشحا جديدا للنظام، كعبد المجيد تبّون أو غيره، لمرّ من دون إشكال، ولزُوِّرت الانتخابات الرئاسية لصالحه ليفوز بالأغلبية الساحقة من الدور الأول، ولاستمرّت البلاد سنوات أخرى تحت حكم الاستبداد والفساد والنهب والعبث و”الحقرة” والإقصاء… لكن الله أعمى بصيرتهم فتمادوا في احتقار الشعب ورشّحوا بوتفليقة لعهدةٍ خامسة اعتقادا منهم أنّ صمت الشعب على ممارساتهم سنوات طويلة حرصا على استقرار الوطن وأمنه، يعني قبوله وخنوعه التام، ففاجأهم وثار عليهم وأسقطهم، وبعثهم إلى مزبلة التاريخ.. وصدق الله القائل: “الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصبّ عليهم ربُّك صوت عذاب إن ربّك لبالمرصاد”.