معظم رجال الأعمال الذين تم إيداعُهم الحبس المؤقت في انتظار محاكمتهم، توبعوا بتهم كثيرة بينها تهمة التمويل الخفيّ لأحزابٍ سياسية وقوائم انتخابية. هذه التهمة تكشف إلى حدّ كبير عنوان المرحلة التي سادت عهد بوتفليقة، وهي مرحلة الزواج المختلط بين السياسي والمالي، والتي أنتجت لنا -ضمن ما أنتجت- برلمانا هجينا، ومشوَّها، وغير مقبول من طرف السلطة والشعب معا. لا يكاد يختلف اثنان في الجزائر على فقدان المؤسسة التشريعية لوظيفتها الرقابية وتعطيلها مهمة اقتراح القوانين مع الاكتفاء بدور المُصادِق والمؤيِّد والموالي، إلى درجة تحويل هذا البرلمان الفاقد للمصداقية والشرعية أصلا إلى مجرد لجنة مساندة وغرفة تسجيل، لا أكثر ولا أقلّ. ولعل قيام وزارة العدل بالدعوة إلى رفع الحصانة عن عددٍ معتبر من هؤلاء البرلمانيين وأعضاء مجلس الأمة يدل على حجم الفساد الذي عشّش في الغرفتين، إذ أصبح غولا كبيرا يصعب تقدير خطورته على البلاد والعباد، فساد تمدّد بشكل كبير في الثلث الرئاسي الذي جعله نظام بوتفليقة فرصة لمكافأة الفاسدين سياسيا والعاطلين نضاليا والمتقاعدين إداريا، يضاف إلى هؤلاء، عددٌ من البرلمانيين الذين وصلوا إلى مناصبهم بدفع المال أو بشراء الذمم، وللأسف الشديد، يوجد من بين “الوصوليين الجدد” أيضا، بعض الأطباء والمثقفين والمناضلين السابقين، ممن ظهروا أكثر شغفا وحبّا للمناصب والنفوذ من محدودي المستوى الثقافي والاجتماعي. وفي الوقت الذي تواصل فيه السلطة الحالية تفكيك ألغام المؤسسة التشريعية، مع الاستفادة منها في تمرير اعتماد السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات وكذا تعديل القانون العضوي للانتخابات أيضا، بات واضحا أن المسألة تتجاوز رفع الحصانة عن هذا النائب أو ذاك، لتصل إلى بنية القوانين في حدّ ذاتها، والمتضمنة لعدة اختلالات، حولت هؤلاء البرلمانيين ومن ورائهم الأحزاب التي وفرت لهم الغطاء إلى مجرد مرتزقة وموظفين، يكفي القول إن هذه الأحزاب، بما فيها من استقالت بعد الحَراك مباشرة، ما تزال تتقاضى عن النائب الواحد خمسة ملايين سنتيم شهريا كمنحةٍ رسمية، أي 60 مليون سنتيم سنويا ويرتفع هذا الرقم ليتحول إلى مليارات حين يرتبط بأحزابٍ ذات أغلبية كالأفلان والأرندي، مع العلم أن هذه “المساعدة” تختلف تماما عن الرواتب الشهرية والمِنح المتعددة والتعويضات وبقية الامتيازات، فبأي حق يسطو هذا البرلمان على كل تلك الأموال في الوقت الذي يمارس فيه التقشف في أبشع صوره على المواطنين؟! سيذكر الجزائريون أن مرحلة بوتفليقة أمعنت في تصحير الساحة السياسة وتمييع النضال الحزبي، وأنتجت لنا من المؤسسات ما يمكن الاستدلال به لسنوات على مدى التشوُّه الذي طال سمعة البلاد والعباد، والغريب أن بوتفليقة نفسه كان يكره هذا البرلمان ولا يحترمه، في حين يطالبنا بعض من فيه حتى الآن بأن نحترمهم وهم الذين تجرَّدوا من كل شيء ولم تعد أمامهم من حيلة سياسية سوى الاعتذار أو الانتحار.