منذ أن ارتفعت أصوات التخوين ضد مؤسسات سيادية للدولة، وسط الحراك، كان واضحا أن الأمور تتجه نحو الأسوأ. من منطلقات خاطئة وخبيثة، عزف بعض الحمقى والمرتزقة سمفونية الصدام، بعد أن خططوا بدهاء لإخراج الحراك من سلميته وحضاريته التي أذهلت العالم في البداية. لقد كان الحراك سلميا بالكامل، شعبيا بامتياز، ملايينيا تحتضنه جميع الشرائح والفئات في كل المناطق والولايات، بل إنه كان قبل الزج بالعصابة في السجون، أقرب إلى الملائكية منه إلى البشرية، في حالة من الحب والتناغم غير المسبوقة بين الشعب ونفسه، وبين الشعب وجيشه وقواه الأمنية. حتى إن صور التلاحم بين قوى الأمن والمتظاهرين ما زالت عالقة في أذهان العالم إلى اليوم، كيف يحدث هذا في الجزائر، ولم يسبق أن سجلته أرقى الديمقراطيات في العالم، وأكثر الشعوب ثقافة وتطورا؟ لكن الخلاطين والمغرضين لم يسكتوا.. فجأة، تغيرت شعارات الحراك السلمية والأخوية (جيش شعب خاوة خاوة)، لتصبح مؤسسات الشعب هدفا لكل أنواع الشتائم والتخوين . وفجأة، فقد الحراك سلميته الجميلة، حين تحول إلى رفع شعارات عنيفة، والتحرش بقوى الأمن، وإلى ممارسة الإكراه الجسدي ضد المخالفين، وطرد أصحاب الشعارات الباديسية النوفمبرية. لقد كان واضحا، أن السلمية والحضارية لا تكون مطلقا بالشتائم والتخوين وإقصاء المخالفين.. كما كان واضحا أيضا، أن هذا التحول المريب، جاء مباشرة بعد إدخال بعض رؤوس العصابة إلى السجن، حيث جاء الدور لتتحرك “الأذناب”. تطور الأمر بعدها إلى ما هو أسوأ، وخرجت الأذناب من وسط الحراك، لتطالب بإطراق سراح أسيادها. هنا، بدأ التعامل الأمني مع الحراك يتغير.. حدثت بعض الاعتقالات المدروسة، ولعب جهاز العدالة دورا في ضبط العملية حتى لا تنفلت الأمور. غير أن “قرصة الأذن” تلك، لم تكن كافية ليرتدع “الخلاطون”.. أصحاب الأجندات الخاصة، أصحاب الرايات غير الوطنية، الحالمون بالسلطة بالتعيين، المتكالبون على الجيش لتحقيق حلم “الفدرلة”، المركوبون ايديولوجيا بحكم العاهات العقلية. باختصار كان من اللازم كشف الغطاء عمن باتوا يسمون ب”الشرذمة”. أولئك الذين اندسوا وسط الحراك، وقاموا بسرقة شعاراته وتحويل مساراته، الذين أخرجوا الحراك من الوقوف ضد العصابة إلى الوقوف ضد من سجن العصابة، ومن رفض الخامسة، إلى رفض الانتخابات برمتها. وبالنتيجة المؤسفة التي وصلنا إليها اليوم، أن الجيش الذي رافق الحراك السلمي، طوال الشهور الماضية، وكرد فعل على هذا التحدي، يجد نفسه يرافق بعض نشطاء الحراك إلى سجن الحراش. السلمية تضيع يوما بعد يوم.. والأمور تزداد تعقيدا.. الهدف الشيطاني الذي تدفع إليه بعض الجهات المأجورة، انطلق في محاولة يائسة إحداث الصدام بين الشعب وجيشه، لتبدأ هي على طريقة “اكلة الجيف”، في تحضير نفسها لولائم ما بعد المحرقة والعياذ بالله. هذا ليس الطريق الصحيح أبدا.. وهذه لعبة خطيرة جدا.. خطيرة على الشعب وعلى الوطن. إنها بالضبط لعبة الموت، التي يجب أن تتوقف صونا لحياة كريمة نريدها للجميع. وبداية نهاية هذه اللعبة.. هو أن تتوقف لغة الكراهية، أن تسقط شعارات التخوين، أن تعاد للحريات في إطار القانون مكانتها، وأن تسترجع الجماهير لغة الحب الذي سقطت منها ما بين ساحة أودان والبريد المركزي. الطريق الصحيح من.. هناك.