دعا مختصون وناشطون في مجال الأسرة إلى ضرورة فتح قانون الأسرة للنقاش والتعديل لمعالجة الإشكالات والاختلالات التي ظهرت بعد 14 سنة من التطبيق في الميدان، وانطلق المشاركون في ندوة الشروق من الأرقام المهولة للطلاق والخلع المسجلة سنويا، مؤكدين أن الوقت قد حان لوضع حد للاختلالات التي تجلّت في تسهيل إجراءات الخلع. رئيسة المرصد الوطني للمرأة شائعة جعفري: الدولة تخلت عن المطلقات وفتحت مراكز ل”الأمهات العازبات” – رفع التحفظات عن اتفاقية “سيداو” خطر سينسف مجتمعنا اعترفت رئيسة المرصد الوطني للمرأة، شائعة جعفري، خلال نزولها ضيفة على منتدى “الشروق”، بتقديم قانون الأسرة الحالي بعض الامتيازات للمرأة، لكنه حمل في طياته كوارث أيضا. وقد حان الوقت لإعادة النظر في هذا القانون الذي “أكل الدهر عليه وشرب” حسب المتحدثة، بعدما كان آخر تعديل فيه سنة 2005، وقد جاء بعده جيل جديد ولم يعد يتماشى مع مقتضيات ومتطلبات هذا العصر، وتكون مراجعته من خلال الحفاظ على روح القانون وجعله مواكبا للأحداث، ولكن ضمن حدود الشريعة الإسلامية، فالمرأة في الثمانينات والتسعينات تختلف عن المرأة الحالية. وأضافت ضيفة “الشروق” بأن قانون الأسرة قدم الكثير من الإيجابيات، لكن هناك فجوة بين القانون وتطبيقه، والمشكل يكمن في آليات تطبيقه وتفعيل بعض الأحكام، وذكرت المتحدثة عن تعاون المرصد في السنوات الفارطة، مع وزارة التضامن ومؤسسات أخرى حول الإستراتيجيات والتقارير التي أنجزوها، فهناك إستراتيجيات حول المرأة، الأسرة، الطفل، لكن لم يظهر لها أثر. والغريب أن بعض هذه الإستراتيجيات وفق ما قالته محدثتنا مدعمة من طرف الأممالمتحدة لم تجسد ثمارها بعد. عددت جعفري الامتيازات التي جاء بها قانون الأسرة الجديد مثل قانون الجنسية، فالمرأة أصبحت تمنح أبناءها الجنسية الجزائرية، السكن يمنح للمرأة المطلقة، لكن الواقع غير ذلك، فالزوج يمنح طليقته بدل إيجار، لكن ولأن المبلغ المحكوم به ضئيل جدا، لا يمكن للزوجة العثور على منزل للكراء بذلك المبلغ في عصرنا الراهن وهو ما يقتضي إعادة النظر فيه. وتحدثت رئيسة المرصد الوطني للمرأة عن الخلع، وهو حق منحه المولى عز وجل للمرأة وليس القانون من أعطاه لها، لكن التطبيقات والأرقام المرعبة للخلع وعدد حالات الطلاق تجعلنا نتساءل لماذا وصلنا لهذا الحد؟ ولابد من دق ناقوس الخطر والقيام بدراسة اجتماعية يشترك فيها جميع أطياف المجتمع، لوضع حد ضد التعسف الحاصل ضد المرأة والتي لم يعد يرعبها الطلاق والزوج غير المبالي بأسرته. وحملت المتحدثة القضاة مسؤولية فشل جلسات الصلح وتعجيلهم بفك الرابطة الزوجية، فهي لا تقوم بدورها ولا جدوى منها، بل بات من الضروري التوجه لمحاكم الوساطة القضائية، متسائلة لماذا منح القانون الوسيط القضائي العديد من المسائل ولم يمنحه شؤون الأسرة؟ فهو قادر على حل المشاكل قبل التوجه للقضاء، خصوصا وأن غالبية الجزائريين يرفضون دخول المحاكم، وهناك حلول بديلة مثل العودة لكبار العائلة والمصلحين الذين يجمعون شتات العائلة. تحدثت جعفري عن مراكز إيواء البنات التي تنشئها وزارة التضامن دون التفكير في مصير النساء المطلقات اللواتي لا يملكن عائلة ولا أشقاء ويجدن أنفسهن في الشارع، وهي خلاصة توصلت إليها بعد إجرائها بحوثا حول السيدات اللواتي يمتهن الدعارة وكانت محاولات فردية منها وفق ما ذكرته في الندوة، وقد تمكنت من التوصل لإحدى الحالات وهي لسيدة مورس عليها العنف من قبل زوجها، فقد كان يقيدها في المطبخ ويجلب النساء لبيت الزوجية، ولما غضبت منه وخرجت من البيت وقعت في يد عصابة استغلتها في الرذيلة. فلو كانت هناك مراكز للمطلقات ولم تحول للأمهات غير الشرعيات حسب المتحدثة دوما، لما توجهت تلك السيدة لممارسة البغاء. كاشفة بأن الأمهات غير الشرعيات أصبحن يتاجرن ويبزنسن في أبنائهن، وهذا نتيجة البيروقراطية والإجراءات الطويلة المعيقة للكفالة، فأصبح الاتفاق يتم مباشرة بين الأم غير الشرعية والعائلة التي ترغب في كفالة الطفل مقابل مبلغ مادي يتم الاتفاق عليه. وفتحت شائعة جعفري ملف صندوق النفقة الغامض والذي كان في وقت الإعلان عنه بمثابة طوق نجاة للمطلقات، وقد هللت له الجمعيات النسوية وأشدن به، لكن لا أحد يعلم أين وصل المشروع؟ ولا عدد المستفيدات منه، وهل الموجودات في الأريا يعرفنه ومعنيات به أيضا؟، وحذرت جعفري من الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الجزائر وأخطرها اتفاقية “سيداو”، واصفة إياها بالسم في العسل، فبالرغم من كونها قدمت أشياء جميلة للمرأة، لكنها تحمل أمورا خبيثة جدا تشكل خطرا على المجتمع الجزائري المسلم والمحافظ. فالجزائر وقعت عليها وتحفظت على بعض المواد التي تمس بالدين، لكنهم تفاجأوا بعد مرور 20 سنة بمطالبتهم برفع التحفظات على مواد مرفوضة في مجتمعنا ومخالفة لتعاليم ديننا الحنيف، مثل المادة 16 والمادة 17 كحرية التحكم في الجسد، إلغاء الولي وغيرها. وشددت رئيسة المرصد الوطني للمرأة على ضرورة التعجيل وإعادة النظر في قانون الأسرة، وتحيين المخططات المسطرة وإعادة النظر في آليات وأرضيات التطبيق وفق ما جاء في الشريعة الإسلامية دون المساس به فالإسلام خط أحمر، مستطردة لو تم تطبيق الشريعة الإسلامية ومنح للمرأة كل ما قدمه لها الإسلام، لأصبحت أفضل من النساء الأوروبيات ولما احتاجت القانون الوضعي. المحامي الأستاذ بهلولي إبراهيم: قانون الأسرة الحالي به اختلالات ويجب التعجيل بمراجعته أكد المحامي لدى مجلس قضاء العاصمة، الأستاذ إبراهيم بهلولي، خلال منتدى “الشروق”، على ضرورة تحيين قانون الأسرة ومراجعته مراجعة شاملة من المادة الأولى لآخر مادة فيه، وأوضح المتحدث بأن نحو 80 إلى 90 بالمائة من المواد القانونية مستمدة من الشريعة الإسلامية، لكنها تظل جامدة ولابد من تطويرها تماشيا مع العصر الراهن. فالعلاقات الاجتماعية ودرجة تحرر المرأة وغياب الوازع الديني جعل بعض الأفراد يتحايلون على النص القانوني وعلى العادات والتقاليد، ولابد أن تشمل المراجعة حسب المحامي الالتقاء أي الخطوبة وصولا للزواج، فالعقد الحالي لا يتم وفق أطر شرعية وقانونية، بل فيه اختلالات وهناك من يتحايل ويستغل عقد الزواج من أجل تحقيق مصلحة مرجوة كتوظيفه للحصول على سكن، وبعد تحقيق المراد ينطلق صراع من نوع آخر بين الزوجين حول أحقية امتلاك البيت. يرى المختص في القانون أن المراجعة هي لجعل القوانين تتماشى مع التطورات الحاصلة، على ألا تخالف العادات والتقاليد والنصوص الشرعية. فعندما تكون هناك اختلالات في الحياة الزوجية فهناك فك الرابطة الزوجية بإرادة الزوج، وهو ما يسمى الطلاق التعسفي، الطلاق بإرادة الزوجة ويسمى خلعا، الطلاق بالتراضي فالقاضي يطبق النصوص القانونية فقط، فهو قاضي نصوص وليس قاضي نفوس، وهو موظف يحتكم للنصوص القانونية ومقيد بها وأردف الأستاذ بهلولي بأن إرادة الزوج هي التي تتحقق في الطلاق التعسفي، وإرادة الزوجة في الخلع وجلسة الصلح ما هي سوى إجراء شكلي للإمضاء على المحضر فقط. ومن بين الإشكاليات الكبيرة في قانون الأسرة يقول المحامي في مسألة العدة، ضاربا لنا مثلا بحالة زوجيين عقدا جلسة الصلح بتاريخ 21 /09/ 2019 والقاضي أعلن أن الفصل في القضية سيكون بعد أسبوع أي بتاريخ 29/09 / 2019، وفيه سيعلن حكم الطلاق وفك الرابطة الزوجية بينما الزوجة غادرت منزل الزوجية في شهر جويلية، فهذا إشكال كبير وهو ما يقتضي أن تكون الأحكام القانونية إشهادا بتوقيع الطلاق في اليوم الذي غادرت فيه منزل الزوجية، وتحتسب تلك الفترة في العدة وليس من تاريخ صدور حكم الطلاق. وذكر المحامي بأن المادة 79 تلزم الزوج بالنفقة على زوجته وأبنائه ومنحهم بدلا للإيجار حسب استطاعته، مقرا بعجز صندوق النفقة عن حل هذه الإشكالية لغياب آليات لتطبيقه، وقد جاء مشتركا بين وزارتين وتبقى المشكلة الأساسية في المتاع الذي تجلبه الزوجة لبيتها وكذا الأولاد الذين يتحولون لورقة ضغط بين الطرفين، الأمر المؤدي لتنامي ظواهر غريبة ودخيلة عن مجتمعنا كحالات لبعض السيدات يتهمن طليقهن بالاعتداء على أبنائهم وممارسة الفعل المخل بالحياء. وركز الأستاذ بهلولي على مراجعة قانون الأسرة مادة بمادة وتحيينها نصا بنص، محذرا من جمعيات مدنية تنشط في الجزائر تدعو في الوقت الراهن لتطبيق اتفاقية “سيداو” والمساواة في الميراث، ومازالت لحد الساعة تعمل وتضغط وكان قانون الأسرة رهين هذه الجماعات الساعية لطمس هوية المرأة الجزائرية والسعي لتحقيق مخططاتهم على مدار أعوام. الشيخ علي عية: نرفض إعادة النظر في قانون الأسرة لأنه مستنبط من الشريعة رد الشيخ علي عية على الداعين إلى إعادة النظر في قانون الأسرة، ووضعها في سياق الحملات وبعض الدول المجاورة يتحدثون عن موضوع المرأة والأسرة، هذه كله نضعها في خانة الشطحات السياسية والمقصود منها هو استعطاف أمهاتنا وزوجاتنا وشقيقاتنا وبناتنا لخطف أصواتهن عن طريق الحيلة، لأن أكثر المصوتين نساء. وأضاف أن رفع شعار إعادة النظر في قانون الأسرة نرفضه جملة وتفصيلا بهذه الكيفية إذا قلنا إعادة النظر في عدم التطبيق والفجوة، نعم نقول إعادة النظر في الفجوة أو في ما بين التطبيق والقانون، وعندما نقول إعادة النظر في قانون الأسرة، نحن نعلم أنه قانون مستنبط من الكتاب والسنة وقف عليه الشيخ أحمد حماني وعلي المغربي واحمد حسين وعلي شنتير وغيرهم من المذهب المالكي، وكثير من الدول العربية المسلمة مبني قانون الأحوال الشخصية عندها على الشريعة، لا يمكن إعادة النظر في المنهج غير المقبول وقد حاولوا في الثمانينات بمسيرات برئاسة أحمد سحنون في رفض إعادة النظر في القانون، لأن الله خلقنا ليس عبثا، وسمى العقد الرابط بين الرجل والمرأة بالميثاق الغليظ على عكس عقود البيع والشراء، وفصل القرآن في قضايا الأسرة والمال أكثر من القضايا الأخرى التي قد تقع فيها تجاوزات. واشمأز من قول أن قانون الأسرة كوارث، والكارثة الحقة هي عدم تطبيقه، ويجب استبعاد مناقشة أن القانون أكل عليه الدهر وشرب، وهذا القول خطأ، لأن الكتاب والسنة صالحان في كل زمان ومكان، والعيب في الأشخاص وليس في مناهج الشريعة الاسلامية. الأخصائي النفساني أحمد قوراية: قانون الأسرة ليس قرآنا وهو قابل للنقد والتحيين يؤكد الدكتور أحمد قوراية أخصائي في علم النفس أن قانون الأسرة منتج فكري لعلماء وبشر يمكن إضافته وتحيينه، لأن المجهود الفكري قابل للنقد والطرح، ولتجديد قانون الأسرة هناك أوجه اختلاف نفسية واجتماعية التي غيرت مبادئ ومفاهيم البشر. عندما نسجل 68 ألف حالة طلاق في الجزائر سنويا يؤكد ذلك الخطأ الموجود في قانون الأسرة. ويرى الأستاذ قوراية أن التفكك الرهيب داخل الأسرة سببه انسلاخ أفراد المجتمع عن الدين الإسلامي، فبعد أن كنا نعيب عالم الغرب الذين يعيشون في الانفرادية والتفكك الأسري أصبح مجتمعنا مقلدا لهذه الحياة، وهو ما يدعو إلى طرح قانون الأسرة على علماء يركزون فيه على البعد الروحي والنفسي لتحولات الفرد الجزائري النفسية وذلك بتكوينه كيف يبني الأسرة، وهل يرى أن الزواج تكوين أسرة أو نزوة نكاح فقط، بالإضافة إلى تغيير هذه المفاهيم، ويجد الدكتور الحل في تحضير رجال قانون وأخصائيين اجتماعيين ونفسانيين حوصلة لقانون الأحوال الشخصية يتكيف في مختلف الحالات مع الإنسان. ويوضح، فعلا القرآن الكريم الصادق والقابل للتكيف في جميع الأزمنة بالتمعن فيما وراء المفهوم والمقروء من الناحية النفسية والقانونية، مشيرا إلى أن الإمام الغزالي كان يسمي علم النفس بعلم المعاملة. وأوضح الدكتور قوراية أن سبب ارتفاع نسبة الطلاق انسلاخنا عن الدين والعلم والمعرفة بالإضافة إلى الفراغ القانوني الذي يشهده قانون الأسرة بخصوص قضايا الخلع التي أصبحت المرأة فيها تخلع زوجها لأتفه الأسباب والقاضي يحكم لها بالطلاق. واستشهد الأستاذ بتجربة ماليزيا التي طبقت فكر مالك بن نبي فخرجوا من الوديان إلى الحضارة. وفي سياق متصل، أكد قوراية أن سبب تدهور الأسرة هو الفساد السياسي الذي شهدته البلاد خلال العهدات السابقة للرئيس السابق، والمشكل الآخر حسب المتحدث هو الطغيان النفسي وعدم قبول الرأي المخالف، لهذا يجب تطوير ذات الإنسان ليتقبل سماع الآخرين. وفيما يتعلق بالطفل، يجب تكوينه من عقل منير إلى منتج. وأشار مرة أخرى إلى ماليزيا التي سئل رئيسها يوما عن المعلم والبرلماني، فأجاب أنه علينا دفع راتب 30 مليونا للمعلم، لأنه ينوّر التلميذ ويكونه، أما راتب البرلماني فيكون 5 ملايين، لأنه غير منتج. وختم تدخله بضرورة تدخل الأئمة والتربويين والمصلحين الاجتماعيين وحتى القانونيين في إنقاذ الأسرة الجزائرية من التفكك وانسلاخ أطفالنا من التربية العامة والتغذية النفسية بعد أن أصبح الوالدان يفكران في بناء فيلات بطوابق لأطفالهم ونسوا بناء عقله ليصبح إنسانا سويا ومنتجا في مجتمعه.