الشرق الأوسط فوق صفيح ساخن، حراك شعبي في العراقولبنان، لا مثيل له من قبل، حدد هدفه الإستراتيجي في القضاء على قواعد النفوذ الإيراني، الذي تحكم بمفاصل البلدين، وزج بهما في دائرة صراعات لا يتحملان وزرها، وأفرغ قدراتهما الاقتصادية، وتركهما غارقين في مساوئ ظرف اجتماعي وأمني رديء، لا مخرج منه إلا باستعادة سيادتهما المفقودتين. لا يبدو النفوذ الإيراني في دول عربية احتلالا عسكريا، فهو يتخفى تحت غطاء مرجع ديني/مذهبي، وتشكيلات سياسية منحها دستور وطني شرعية وجود فاعل، يفتح أمامها أبواب الوصول إلى مركز القرار السياسي/السيادي، وميليشيات مسلحة خارجة عن القانون، تبرر وجودها الذي يتمرد على عمل المؤسسة العسكرية الوطنية، ويخل بمبادئ السيادة بأنه مقاومة ومكافحة لخلايا الإرهاب. هذه أدوات إيران في العراقولبنان، قاعدتا انطلاق مشروعها التوسعي الطائفي، أو بناء إمبراطوريتها في الشرق الأوسط، وممارساتها التي أذلت شعبي البلدين، ترتقي إلى ممارسات قوة احتلال عسكرية، غلقت كل منافذ الحياة، وأجبرت الشعبين على التزام الصمت والخنوع لسنوات طويلة، باعتماد سياسة القتل والخطف والترهيب . النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، أخلّ بقواعد الأمن فيها، وشاغل الدول العربية الأخرى، وفرض عليها حالة الاستنفار لمجابهة تمدده بما يحمله من مخاطر على وحدتها واستقلالها. تشهد منطقة الشرق الأوسط حالة اضطراب من قبل، غذتها سياسة النفوذ الإيراني اضطرابا على اضطرابها، وتعددت جبهات التوتر السياسي والأمني، جبهة في مواجهة الخطر “الإسرائيلي” وجبهة في مواجهة التهديد الإرهابي، وجبهة أوسع إزاء مشاريع إقليمية دفعت الشعوب ثمن اندفاعها غير المحسوب . جبهة مواجهة النفوذ الإيراني فتحت على مصراعيها في العراقولبنان، ارتقت حقا إلى مستوى معارك إقليمية، تتصاعد حدتها دون توقف، دعت طهران إلى تعزيز نفوذها بوحدات جديدة من الحرس الثوري ومستشاريه، أباحت لنفسها في العراق استخدام القوة النارية ضد المنتفضين، غير آبهة بتصاعد عدد القتلى والجرحى، بينما تتولى الميليشيات الطائفية دورها الموازي في ترهيب وخطف الناشطين، وفي لبنان تخرج العناصر الموالية ل”ولاية الفقيه” في محاولات عبثية لتشتيت التجمعات الشعبية المطالبة بوطن ينعم بسيادته. لن تتخلى إيران عن مناطق نفوذها التي تتمركز فيها قوتها الحقيقة، وتضمن بقاء نظامها في طهران، فمعارك النفوذ التي تخوضها في العراقولبنان، تحت غطاء أنظمة حاكمة لا تملك سلطة القرار الوطني، هي معارك حماية نظام “ولاية الفقيه” الذي يستمد قوته وشروط بقائه من قواعد هيمنته الخارجية. سقوط مشروع “ولاية الفقيه” شعبيا في مناطق نفوذه، سيفرض مبدئيا الاستحقاق المنطقي في بناء نظام رسمي عربي جديد، يتلاءم مع متغيرات الشرق الأوسط، التي ستحددها مسارات انتفاضة العراقولبنان في انتصارها أو وأدها. انتصار الانتفاضة في بغداد وبيروت، إعلان عن سقوط المشروع الإيراني رسميا، حكما ونفوذا، سيفرض وصول نظم سياسية وطنية جديدة، تتحرر من مساوئ التبعية لقوى إقليمية، سلبت سيادة الأوطان وجعلت من شعوبها أداة بلا حقوق في تنفيذ مخططاتها غير الملائمة لتربة الشرق الأوسط.