يلقب بكوميديان كل العصور، وملك الضحك الحزين، ويعتبر من أهم الأسماء الخالدة في تاريخ مصر الفني، بقي في قمة نجاحه طول حياته، وحتى بعد وفاته، بدأ من الصفر، هزم الصعاب والعقبات والشدائد، وبلغ ذروة النجاح، فاستحق بذلك لقب أسطورة الكوميديا المصرية.. اكتشفوا معنا في هذا الركن قصة إسماعيل ياسين. إسماعيل ياسين، من أهم الكوميديين، وأشهرهم على الإطلاق، سواء في مصر أم في الوطن العربي. ورغم مرور 46 سنة على وفاته، إلا أن أفلامه مازالت تحظى بنسب مشاهدة كبيرة، عجزت الأفلام الحالية بكل إمكانياتها عن تحقيقها، فجمهور إسماعيل ياسين كبير وعريض، ومن الجيلين، القديم والجديد، وهذا لا يحققه إلا من كان فنانا عملاقا، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. حياته في السويس… قليل من الرفاهية وكثير من البؤس والشقاء ولد إسماعيل ياسين في 15 سبتمبر عام 1912 م، كان والده صائغا معروفا، في مدينة السويس، فتربى في وسط عائلي، ميسور الحال، نشأ يتيما، حيث توفيت أمه وتركته طفلا. التحق إسماعيل، ككل الأطفال، بأحد الكتاتيب، ثم تابع دراسته في مدرسة ابتدائية.. إلى غاية هذه السن، كانت حياته هادئة وميسورة، ولما وصل الصف الرابع، انقلبت حياته رأسا على عقب، حيث أفلس والده، ودخل السجن، بسبب الديون المتراكمة عليه، فاضطر إسماعيل ياسين، وهو في هذه السن الصغيرة، إلى تحمل المسؤولية، والتوقف عن الدراسة، فبدأ يعمل. أول عمل له كان مناديا أمام محل لبيع الأقمشة، كان يتقاضى أجرا زهيدا لا يكفيه، وما زاده قهرا هو معاملة زوجة أبيه القاسية، ما اضطره إلى هجر منزل العائلة، فغير عمله وعمل مناديا للسيارات بأحد المواقف بالسويس. من السويس إلى القاهرة… رحلة شقاء… ثم نجومية ورفاهية كان إسماعيل ياسين مولعا بالفن، وبمحمد عبد الوهاب تحديدا، وكان يدرك تماما أن بداخله فنانا يريد الظهور، فكان دائما يبحث عن فرصته.. لإثراء الموضوع، انتقلنا إلى مدينة السويس، والتقينا بالأستاذ محمد طه، ابن عم إسماعيل ياسين، الذي لم يبخل علينا بمعلومات خاصة جدا تخص المرحوم. يحكي لنا الأستاذ محمد طه قصه الفنان الكبير: “انتقل إسماعيل ياسين إلى القاهرة، في بدايات الثلاثينيات، لكي يبحث عن مشواره الفني كمطرب، فقد كان يعشق منذ صغره أغاني الموسيقار محمد عبد الوهاب، وكان حلمه أن يصبح اسما لامعا كعبد الوهاب… فكان له ذلك.. لكن بعد ماذا؟ عندما بلغ عامه السابع عشر، اتجه إلى القاهرة، وعمل نادلا في أحد المقاهي بشارع محمد علي، واستأجر غرفة صغيرة بأحد الفنادق الشعبية.. ورغم عمله كنادل، إلا أنه كان يبحث عن فرصة تدخله المجال الفني، إلى أن التقى بالمؤلف الكوميدي “أبي السعود الأبياري”، الذي قدمه إلى المطربة بديعة مصابني، التي ضمته بدورها إلى فرقتها، التي كانت معروفة جدا في تلك الفترة. وكون إسماعيل ياسين مع أبي السعود الأبياري ثنائيا ناجحا، وكان شريكاً له في مشواره الفني. بدأت نجومية إسماعيل ياسين تظهر، فتألق في إلقاء المونولوج لمدة 10 سنوات، من عام 1935 إلى عام 1945، وهذه في حد ذاتها ظاهرة، ومن شدة إعجاب الجمهور به، استدعته الإذاعة وطلبت منه إلقاء مونولوجاته عبر أثيرها. من الكازينوهات والإذاعة إلى الأفلام والسينما بعد هذا النجاح، شد إسماعيل ياسين انتباه صناع السنيما المصرية، على غرار الفنان الراحل أنور وجدي، الذي انبهر بموهبة إسماعيل ياسين، وقرر منحه فرصة التمثيل في أعماله، فشارك في عدة أفلام لأنور وجدي، بأدوار صغيرة، إلى أن أعطاه أول دور بطولة مطلقة في فيلم “الناصح”، وكان ذلك عام 1949. استطاع إسماعيل ياسين أن يكون نجم صف أول، ونجم شباك، في ظرف قصير، فكانت كل التذاكر تباع بمجرد عرض اسمه على أفيش الفيلم. وتوالت نجاحاته، نجاحا بعد آخر، وكانت سنوات 52، 53، 54 عصرا ذهبيا في مسيرته الفنية، وتوالت الطلبات على إسماعيل ياسين، فكان يمثل 16 فيلما في العام الواحد، وهو رقم خيالي، وأغلب أعماله حملت اسمه كعنوان، على غرار إسماعيل ياسين في البحرية، وإسماعيل ياسين في مستشفى المجانين، وإسماعيل ياسين طرزان، وإسماعيل ياسين للبيع. مثل إسماعيل ياسين إلى جانب أسام كبيرة، مثل الفنانة الراحلة شادية، التي جمعته بها عدة أعمال ناجحة، كفيلم “كلام الناس” و”صاحبة الملاليم” و”في الهوا سوى” و”حماتي قنبلة ذرية”، وآخر فيلم جمع بينهما كان اسمه “الستات مايعرفوش يكذبوا”. كانت هذه السنوات فعلا ذهبية لإسماعيل ياسين، حيث أصبح نجم شباك، وفنان صف أول، إلى جانب الثروة الكبيرة التي كونها، فأصبح يملك عقارات كثيرة، وأرصدة بنكية معتبرة، إلى غاية الستينيات، حين بدأت الأمور تتغير.. من الثراء والنجومية.. إلى الفقر حكى لنا السيد محمد طه عن هذه السنوات في حياة الفنان فقال: “في الستينيات، بدأت حياة إسماعيل ياسين الفنية تتعثر، فبدأت الأضواء تنحسر عنه تدريجيا، وبدأ اهتمام الصحافة ورجال السينما يذهب إلى نجوم جديدة، برزت على الساحة الفنية، وبدأ نوع آخر من التمثيل يظهر ويجذب الجمهور، ففهم إسماعيل ياسين المستجدات واستوعبها، وأصر على الاستمرار، فاضطر إلى السفر إلى لبنان للعمل، وقام بأعمال فنية هناك لفترة من الزمن، ولما عاد من لبنان وجد أن الضرائب قد حجزت على كل أمواله، ومن شدة الصدمة أصيب بشلل مؤقت لمدة أسبوع.. بعدها، استفاق من صدمته، وسافر مجددا إلى لبنان للعمل، في محاولة لتعويض ما ذهب منه، فكان يضحك الناس وهو داخليا حزين، كان شجاعا في التعامل مع مشاكله، لكن قلبه الرقيق لم يتحمل كل هذه التغيرات والمستجدات، من تراجع نجوميته وفقدانه ثروته، فتعرض لأزمة قلبية حادة يوم 24 ماي 1972، كانت السبب في وفاته.