في هذه المحنة العصيبة، تحرّك الجيش الوطني الشعبي لتقديم خبرته "الطبية" ومساعدته في المجال الصحي، وها هي طائرتان عسكريتان تطيران نحو الصين وتعودان في ظرف 48 ساعة، محمّلتان بأجهزة طبية، في سياق جهود الدولة في محاربة جائحة كورونا. جنرالات الجيش وضباطه، تبرّعوا كذلك براتب شهري، لدعم صندوق مكافحة الفيروس، وقبلها شكر رئيس الجمهورية، وزير الدفاع الوطني، القائد الأعلى للقوات المسلحة، "المسبّلين" الذين انتقلوا إلى الصين وعادوا سالمين غانمين بحملة من الكمامات والعتاد الصحي، واعتبرهم "أحرار أبناء الأحرار"، بعد ما أكد الوزير الأول، عند استقبال الحمولة، أن الجيش حاضر في كلّ وقت، موجّها تحية إجلال لقواته الوطنية. لقد كان الجيش الجزائري حاضرا في كلّ الظروف العصيبة والاستثنائية، ولأنه سليل جيش التحرير الوطني، الذي قاوم وهزم الاستعمار الفرنسي، وقدّم مليون ونصف مليون شهيد، خلال الثورة التحريرية المباركة، فإنه لم يدّخر في المراحل المتباينة للاستقلال، أيّ جهد أو تضحية، فمن بإمكانه أن يتناسى التضحيات الجسام التي قدّمها "وليدات الشعب" خلال سنوات المأساة الوطنية، حيث وقف الجيش ومازال بقيادته وضباطه وجنوده وكل المنتسبين إليه، باسلا صنديدا في وجه الإرهاب الأعمى. لا يُمكن نسيان تلك الهبّة المنقطعة النظير لجيشنا، خلال زلزال الأصنام، وزلزال بومرداس، وفيضانات باب الوادي وغرداية وبشار.. من ينسى هبّته لفكّ العزلة عن القرى المنسية وإجلاء العالقين ومساعدة المنكوبين والمتضرّرين، أثناء العواصف الثلجية التي قطعت الطرقات وعزلت المدن وقطعت المؤونة عن آلاف المواطنين الذين واجهوا الكوارث الطبيعية جنبا إلى جنب مع جيشهم؟ من يمكنه أن يُخفي حصيلة الجيش الجزائري في مكافحة المخدرات والتهريب واستهداف الاقتصاد الوطني والهجرة السرية وتجارة السلاح، عبر آلاف الكيلومترات من الحدود البرية والبحرية..؟ وهل هناك من يجرؤ على التشكيك في عقيدة جيشنا المقدّسة، في أمّهات القضايا العادلة وحركات التحرّر، وهو الذي شارك في الحروب العربية الإسرائيلية من أجل فلسطين، التي كانت الجزائر ومازالت معها ظالمة أو مظلومة؟ ولأن الجيش الوطني، شعبي، بفطرته ونسيجه وتركيبته وانتمائه وولائه وامتداده وتاريخه، فلا غرابة أن يكون اليوم خلال هذه الأزمة العالمية، التي فرضها وباء "كوفيد 19″، في صفّ دولته وفي خدمة شعبه وتحت تصرّفه، لحمايته ودعمه وإسناده في كلّ الأحوال والظروف، للخروج من هذا الابتلاء منتصرين بحول الله تعالى ومشيئته، وهذا ليس بغريب عن بلد مميّز كان العالم بأسره شاهدا على شعار "جيش.. شعب.. خاوة خاوة" في حراك سلمي، حماه الجيش ورافقه ومنع سقوط قطرة دم واحدة طوال سنة كاملة. فعلا، قولا وعملا مثلما قالها الراحل الفريق أحمد قايد صالح، رحمه الله: "أحنا أولاد الشعب.. الجيش ضدّ العدو موش ضد شعبو".. وها هو ابتلاء كورونا، يعكس مرّة أخرى، آخر وليس أخيرا، لحمة الشعب بجيشه ووحدة مصيرهما.