عاشت السيدة منيرة موسوني باشا، الجزائرية المقيمة في انجلترا، تجربة مريرة مع فيروس كورونا الذي نزل ضيفا ثقيلا على بيتها ومكث فيه أكثر من شهر، ومنعها من رؤية أطفالها وهم خلف باب غرفتها، وفصلها عن زوجها الذي أصيب هو الآخر بالفيروس وبات غير قادر على رؤية أسرته . منيرة، وبعد أن تعافت هي وزوجها من كورونا، أرادت أن تبعث عبر" جواهر الشروق" برسالة إلى الجزائريين الذين يستهترون بهذا الوباء، معتقدين أنه لا يتسلط إلا على كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، في حين أن لديه من الجرأة والقدرة ما يجعله يتسلل إلى الأصحاء والشباب. تقول منيرة عبر رسالة على "واتساب": لست أدري بالضبط من نقل العدوى للآخر، ربما نقلها زوجي من مكان عمله، وربما التقطتها أنا من السوق حيث أتبضع، ولكن الشيء المؤكد أننا شعرنا بأعراض كورونا في يوم واحد. أصبت في أول الأمر بحريق وانزعاج في حلقي وبرودة في الجسم، حينها أدركت أن الفيروس قد تسلل إلى جسدي، لأن الإصابات كثيرة ومن السهل أن يصاب المرء به، يومها فكرت مباشرة في أولادي وعلمت أن القادم سيكون صعبا جدا. بعد الإحساس بهذه الأعراض، عزلت نفسي أنا وزجي في غرفتين منفصلتين واتصلت باستعلامات المستشفى، غير أنهم طلبوا منا المكوث في البيت والاتصال فقط إذا لم نتمكن من المقاومة، فلزمنا البيت 5 أيام، وعندما تضاعفت الأعراض، اتصلت بالاستعجالات حيث تم نقلي إلى المستشفى . هناك في المستشفى، لم يقدّم لي أي علاج على الأقل في تلك الفترة، عدا بعض المقويات والمسكنات والأوكسجين، مع العلم أن في انجلترا لا يسمحون للمريض بالبقاء في المستشفى كما في الجزائر، لأنهم يحتفظون بالأسرّة لكبار السن، فبالنسبة لي بقيت يومين في المستشفى فقط، ثم واجهت المرض الشديد بمفردي في البيت وفي عزلتي، كنت وقتها مشغولة بالتفكير في أولادي ومن سيرعاهم، وهل ستظهر عليهم الأعراض خاصة وأنهم مصابون بالربو، وساورني شعور أم لا تعرف إن كانت هي المذنبة لأنها لم تتخذ الحذر الكافي، أم هو قضاء الله وقدره، ويشتد تأنيبي لنفسي أكثر عندما أسمع ابنتي الصغيرة ذات ال3 سنوات تبكي وتريد رؤيتي، وقد صوّرت لها فيديو في بداية مرضي ونشرته على اليويتوب وهي تحاول الدخول إلى غرفتي . في تلك الأيام الصعبة، عانيت من أعراض ينأى الجسم عن تحملها، وأشدها تأثيرا ضيق التنفس، وآلام في الصدر، والحمى المصاحبة بالقشعريرة والهذيان المستمر، عانيت أيضا من آلام في الرجلين والرأس والسعال الجاف، غير أن هذه الأعراض بدأت تزول تدريجيا بعد 23 يوما، وبما أن أولادي كانوا ملتزمين بالحجر الصحي، وغير مسموح لهم بالالتقاء بأصدقائهم، فقد كانوا يعتمدون على أنفسهم في قضاء حاجاتهم الضرورية فقط، أما الكماليات فقد محيت من حياتنا، وكم كان صعبا العيش بدون الوالدين لمدة 37 يوما، ولعل ما زاد من معاناتنا أن عائلتي، وعائلة زوجي خاصة، لم يتمكنوا من سماع أخبارنا بشكل يومي لأن الألم الذي كنا نعاني منه منعنا حتى من الرد على الهاتف، أما أمي فلم يتم إخبارها أنني دخلت المستشفى خوفا عليها. وما أزّم الوضع في بيتنا أكثر، أن اثنين من أولادي أصيبا بالحمى، ولكن لا نعرف إذا كانت بسبب كورونا أم لا، لأن المستشفيات عاجزة عن إجراء التحاليل بسبب نقص الإمكانيات. كان من الممكن أن تمر هذه التجربة الصعبة في حياتي بدون ضجيج، لولا أنني أردت أن أوجه رسالة للجزائريين أحثهم فيها على تفادي هذا الفيروس بعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة، لا تصدّقوا الشائعات الطبية التي تقول إن هذا المرض يكون سهلا على الأصحاء، فأنا في ال 40 من عمري، ولا أعاني من أي مرض، ولكنني كنت على شفا حفرة من الموت، وفي لحظات كثيرة فقدت الأمل في الحياة . غير أني خرجت بتجربة مفيدة، وهي أن علاقتنا بالله يجب أن تكون وطيدة لأن بيننا وبين الموت خطوة واحدة، وأن الصحة نعمة كبيرة لا يعرف قيمتها إلا من فقدها، وأن الإرادة ضرورية جدا للشفاء، وأن العائلة في فترة المرض مهمة جدا، كما كشفت لي هذه التجربة عن الصديق الحقيقي من الصديق المزيف.