أزال رئيس القطب المالي والاقتصادي لدى محكمة سيدي أمحمد، القاضي كمال بن بوضياف خلال اليوم لمحاكمة رجل الأعمال بن فيسح والوزير الأول السابق أحمد أويحيى ووزير النقل عمار غول وعبد الغني زعلان ومن معهم، الستار عن طريقة الاستفادة من أراضي "البايلك"، وتوزيعها بطريق عشوائية على أصحاب المال والنفوذ، دون تجسيد المشاريع التي كان من المقرر أن تعود بالفائدة على الشعب وتنقذ مئات الآلاف من الشباب من "شبح البطالة"، مع القضاء على البيوت القصديرية وتحقيق مشاريع سكنية لصالح "الزوالية"، فيما برر المتهم الرئيس في قضية الحال محمد بن فيسح عدم استغلاله للأراضي التي تحصل عليها في إطار "الامتياز"، بمواجهته لعدة عراقيل وبيروقراطية الإدارة المركزية والمحلية، وبالمقابل فإن الوزير الأول السابق أحمد أويحيى أكد أن التعليمة التي أصدرها لحماية العقار العمومي جرته إلى "ترسانة" التهم لا ناقة له فيها ولا جمل. مشاريع بالملايير في مهب الريح وقد انطلقت أمس الاثنين بمحكمة القطب الوطني المتخصص في مكافحة الجريمة الاقتصادية والمالية لسيدي أمحمد برئاسة محمد كمال بن بوضياف قضية فساد المتابع فيها رجل الأعمال محمد بن فيسح، والوزير الأول السابق أحمد أويحيى ووزيري النقل والأشغال العمومية السابقين عبد الغني زعلان وعمار غول و3 ولاة سابقين لولاية سكيكدة. ويبلغ عدد المتهمين في قضية الحال 19 شخصا، حيث أن المستشار المحقق لدى المحكمة العليا الذي فتح التحقيق شهر سبتمبر 2019، قد أمر بإيداع كل من الوزير الأول أحمد أويحيى، والوزيرين السابقين عبد الغني زعلان وعمار غول الحبس المؤقت، في قضية الحال، فيما أمر قاضي التحقيق لدى محكمة سيدي أمحمد بإيداع الحبس المؤقت كل من رجل الأعمال محمد بن فيسح، إلى جانب 3 ولاة سابقين لولاية سكيكدة وهم على التوالي محمد بودربالي، فوزي بن حسين، درفوف حجري. وقد وجهت للمتهمين في قضية الحال تهم ثقيلة تتعلق بمنح للغير امتيازات غير مبررة عند إبرام صفقة أو عقد مخالف للأحكام التشريعية والتنظيمية، التبديد العمد والاستعمال على نحو غير شرعي من طرف موظف عمومي لصالحه أو لصالح شخص أو كيان أخر، ممتلكات أو أموال عمومية عهد بها إليه بحكم وظيفة أو بسببها، استغلال الوظيفة عمدا من طرف موظف عمومي على نحو يخرق القوانين والتنظيمات وهي الأفعال المنوه والمعاقب عنها بالمواد 26 / 1، 29، 48 من القانون 06 – 01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته المعدل والمتمم، وذلك طبقا للمادة 67 فقرة 3 من قانون الإجراءات الجزائية. حيلة "التقادم" لإسقاط المتابعات القضائية في حدود الساعة العاشرة وبعد إحضار المتهمين، أعلن القاضي بن بوضياف عن افتتاح الجلسة، وبعد المناداة على أطراف القضية شهود ومتهمين والأطراف المدنية، شرع المحامون في تقديم الدفوعات الشكلية، حيث ركز معظمهم على "التقادم" في الوقائع وبطلان إجراءات المتابعة فضلا عن المطالبة باستبعاد تقرير الخبرة الصادر باللغة الفرنسية وهو مخالف للقانون الذي يشترط أن تحرر الوثائق باللغة العربية. وفي السياق، قدم المحامي قايد نور الدين في حق مرابط لعيدي دفعا شكليا متعلقا بمخالفة أحكام المادة 8 من قانون الإجراءات الجزائية والمادة 6 من الأمر 02/15، مشيرا إلا أنها تتعلق بالنظام العام والذي يعتبر بأنه لا تحرك الدعوى العمومية ضد مسيري المؤسسات العمومية الاقتصادية التي تملك الدولة رأس مالها إلا بموجب شكوى، وقال "الوقائع في الجنح تتقادم بعد مرور ثلاث سنوات"، وتابع "موكلي متابع بوقائع مضى عليها أكثر من ثلاث سنوات"، وطعن المحامي في الخبرة المنجزة التي أمر بها القاضي المستشار المحقق لدى المحكمة العليا والتي وردت باللغة الفرنسية بدلا من اللغة الوطنية. ومن جهته، دفاع المتهم عليوان كمال، طالب بالتقادم في القضية وتطبيق المادة 54 باعتبار أن الوقائع المتابع بها تعود إلى 2012 والدعوى العمومية تم تحريكها سنة 2019، وتمسك الدفاع بالتقادم باعتبار أن الدعوى تم تحريكها بعد أكثر من ست سنوات من الوقائع. ونفس الطلبات تقدم بها دفاع عمار غول، المحامي كمال علاق الذي التمس بضرورة انقضاء الدعوى العمومية في جنحتي سوء استغلال الوظيفة ومنح امتيازات غير مبررة، وأضاف "المتابعة كانت بسبب أن غول منح الموافقة المبدئية لإمضاء الاتفاقية في 17 مارس 2013 مع شركة شمال إفريقيا وبداية التحريات انطلقت في 2019 وأرسل الملف في ديسمبر، فيما كان توجيه الاتهام من قبل المستشار المحقق للمحكمة العليا في جويلية 2020 وكل هذه التواريخ تثبت أنه مر أكثر من 7 سنوات على الوقائع وبالتالي انقضت بالتقادم". وفي هذا يتدخل وكيل الجمهورية ليرد على الدفوعات الشكلية قائلا: "التقادم بالنسبة لجريمة تبديد أموال عمومية تكون متساوية للنص الأقصى العقوبة وهي 10 سنوات وبالتالي المتهمون المتابعون بنص المادة 29 لا يشملهم التقادم". القاضي بن بوضياف يأمر بضم الدفوع الشكلية للموضوع ويشرع في استجواب المتهمين والبداية من الوالي السابق لولاية سكيكدة محمد بودربالي. ولاة سكيكدة: كانت غايتنا القضاء على البطالة والبيوت القصديرية برر واليا سكيكدة السابقان المتهمان في قضية "رجل الأعمال" بن فيسح منح مئات الهكتارات من الأراضي للمتهم الرئيسي في قضية الحال دون سواه لعدم وجود مستثمرين منافسين وللمساهمة في القضاء على شبح البطالة التي كان يعاني منها سكان الولاية بنسبة تتجاوز 18 بالمئة وخلق مناصب الشغل، وأجمع الولاة السابقون، على أن سبب عدم اكتمال المشاريع هو الانتشار الرهيب للبيوت القصديرية . القاضي: بودربالي محمد أنت متابع بمنح امتيازات غير مبررة وسوء استغلال الوظيفية.. تنفي التهم أو تؤكدها؟ بودربالي: سيدي الرئيس، أنكر جميع التهم الموجه لي.. فأنا كنت والي سكيكدة من أكتوبر 2010 حتى 2013، وأمضيت 38 سنة في خدمة الدولة . القاضي: لن أسألك عن مسارك الوظيفي، بل على الوقائع… أرض في عزابة 25 هكتارا منحت للمتهم بن فيسح محمد صحيح..؟ بودربالي: الأرض هي ملك خاص للدولة مخصصة للاستثمار الصناعي، وسائل التعمير كانت مهيأة الاستثمار، وتم منحها لتشييد مصنع الفولاذ وتشغيل 1000 عامل. القاضي: 25 هكتارا أليست كبيرة بالنسبة للمصنع..؟ بودربالي: القطعة مخططة ومهيأة على حسب مكونات المصنع لخلق 1000 منصب شغل وهذا يمكننا بطبيعة الحال من القضاء على البطالة. القاضي: لا أناقشك على مهامك كوال، لكن على مساحة الأرض الشاسعة ومنحها بهذه الطريقة..؟ بودربالي: لم أمنح تقسيم الأرضية، لأنه كانت في إطار منح جماعي وتم منحها في إطار قانوني وبموافقة أعضاء المجلس الولائي ولا أحد منح رأيا مخالفا لذلك، لأنه مشروع مهم وذو طابع اقتصادي واجتماعي، خاصة أن المنطقة فيها نسبة بطالة بلغت 18 بالمئة.. وكمسؤول كان ينبغي علي حل مشاكل المواطنين وكثرة الاحتجاجات على مستوى الولاية وللتكفل بانشغالات الشباب . القاضي: وماذا عن القطعة الأرضية التي تقدر مساحتها 8 هكتار بالطارف التي منحت لن فيسح؟ بودربالي: أرض محولة للوكالة العقارية وهي مكلفة بتسيير كل عقارات البلدية . القاضي: هل كانت هناك مداولة؟ بودربالي: تم منحها في اجتماع حضره رئيس المجلس البلدي ولم يبد أي اعتراض والسكوت علامة الرضا. القاضي: لكن الإدارة تقدم أوراق ماشي سكوت..؟ بودربالي: المشروع كان سيوفر 250 منصب شغل ولتدعيم السياحة. القاضي: لكن هذه منطقة غابية ولم يتم فيها أي استثمار بعد أن أخذها؟ وحتى المصنع هل تم انجازه؟ بودربالي: لا علم لي، أنا غادرت الولاية نحو ولاية سطيف، المستثمر هو الذي يقدم تبريرات لماذا لم يكمل مشاريعه وكانت هناك عراقيل . القاضي: التسيير الإداري ليس مشكلتنا، بل المسائل القانونية هو ما يهمنا..؟ ..1.8 مليار تهيئة وتسييج و1.6 مليار أخرى ولم يحدث أي شيء؟ بودربالي: سيدي الرئيس المشروع لدعم السياحة . وكيل الجمهورية: بالنسبة للوعاء العقاري عزابة ليس ملك للدولة؟ بودربالي: الأرضية منحت في إطار تخصيص واستخدمت في إطار الاستثمار الصناعي . وكيل الجمهورية: هل المشروع كانت فيه شراكة أجنبية؟ بودربالي: الملف الذي وضع بين أيدينا لا توجد فيه أي اتفاقية شراكة مع متعامل أجنبي، بل كانت فكرة من المستثمر بن فيسح، لكن لم تجسد… سيدي الرئيس الامتياز ليس تحويل ملكية وتبقى الأرضية ملك للدولة. القاضي بن بوضياف يطلب من بودربالي العودة إلى زنزانة الموقوفين وينادي على الوالي السابق لخليفته الوالي السابق فوزي بن حسين. القاضي: بن حسين فوزي أنت متابع بتهم منح امتيازات غير مبررة وسوء استغلال الوظيفة وتبديد الأموال، تنكر التهم أو تعترف بها، منحت قطعة أرضية، هل لا يوجد غير بن فيسح مستثمرا لمنحه أراض في سكيكدة، ألا يوجد مستثمر غيره؟ بن حسين: كنا سنقوم بتعزيز الاستثمار في المنطقة. القاضي: قمتم بدراسة أم قرار فقط؟ بن حسين: كان هناك مكتب دراسات قام بالدراسة داخل منطقة النشاطات وتمت مناقشته على مستوى لجنة لبناء مصنع لتحويل الإسمنت، وكنا نعاني من البطالة وعدم وجود فرص عمل والحكومة منحت أوامر وتعليمات من أجل خلق الاستثمار وتدعيم الخواص لخلق مناصب شغل الشباب. القاضي: هل تداولتم في اللجنة؟ ألم تطرحوا سؤالا بأن أخذ قطع كثيرة حوالي 40 هكتارا..؟ بن حسين: نعم تداولنا في اللجنة وهو تحصل على ذلك لأسباب موضوعية وقام أصلا بالتنازل عن 25 هكتارا، هذا السيد لما استفاد ولم يخدم كان هناك مشاكل وتتمثل في المواطنين الذين شيدوا بنايات بطريقة فوضوية وأنا كوالي ولاية عندي خيارين، إما نخرج الناس أو نحلوا المشكل. القاضي: لهذه الدرجة لا يوجد أي مستثمر أراد الاستثمار في سكيكدة من غير بن فيسح . بن حسين: فيها 9 قطع. يا هل ترى كمسير في ولاية.. ولدينا أسباب موضوعية، هذا السيد إستفاد من 25 هكتارا وطلب منا أن نقوم بإخراج المواطنين من البيوت القصديرية وبالفعل عندما توجهنا وجدنا المواطنين يقطنون في هذا المكان وأكثرهم كانوا ضد المشروع، وعلى هذا الأساس أقمنا مشروع سكنات من أجل فسح المجال للاستثمار، كما كنا نبحث بشتى الطرق عن مستثمرين. وانتقل القاضي لاستجواب محفوف حجري والي سكيكدة سابق بخصوص الامتياز المينائي الممنوح لرجل الأعمال بن فيسح . القاضي: أنت عدلت العقد للمساحة الممنوحة للمتهم بن فيسح؟ محفوف: العقد كان معلقا وأنا متهم بإهمال الشروط المالية، لكنني لم أعدلها، لأن الإتاوات من صلاحية مديرية أملاك الدولة. وكيل الجمهورية: أنت منحت الموافقة على العقد؟ محفوف: أنا كلَمت رئيس البلدية وأجبت المستثمر حتى جاء قرار مجلس الدولة على أساس لا يوجد في الملف ما يثبت أنه مشوب بأي عيب وتوجد موافقة رئيس المجلس الشعبي البلدي، لا علاقة لي بالمنح. إطارات في فم المدفع من جهته، فإن مدير وكالة عقارية واقعة ببلدية عزابة المتهم هيلي شريف خلال رده على سؤال القاضي المتعلق "بمن يقوم بجمع الإتاوات..؟"، قال "أنا من أقوم بجمعها"، ليسأله القاضي: لماذا لجأتم للقضاء؟ يجيب المتهم: "لجأنا للقضاء التجاري لتحصيل الإتاوات وصدر حكم لصالح المستثمر بحجة أن الوكالة ليس لها الحق في المطالبة بها لعدم تمكن المستثمر من إتمام الأشغال بسبب المشاكل التي واجهته". يتولى وكيل الجمهورية طرح الأسئلة: "من قام بالتنازل عن العقار؟"، يرد شريف: "الوكالة العقارية لديها صلاحيات التسيير وليس لها حق المطالبة بالإتاوات.. والمداولة تكون عامة في المجلس الشعبي البلدي". وإلى ذلك حاول المتهم حبة فيصل مدير الصناعة التنصل من المسؤولية بخصوص منح القطعة الأرضية ببلدية فلفلة سكيكدة، وشرح في تصريحاته للقاضي: "يصلنا ملف على مستوى المصلحة الخاصة بالاستثمار وندرسه"، ليسأله القاضي: بن فيسح سيف الدين، هل عنده سجل تجاري؟ يجيب المتهم: "نعم، عنده تم إيداع ملف وتم تكوين لجنة الدراسة التقنية التجارية"، ليواجهه القاضي: "لكن الخبرة تقول أنه لم يكن يملك سجلا تجاريا إلا بعد شهر؟ "، يرد المتهم: "كان لديه كل الملفات الثبوتية". أما المتهم عمارة رشيد مدير أملاك الدولة بسكيكدة نفى التهم الموجهة له وأكد خلال استجوابه من القاضي، بخصوص عدم تنفيذ دفتر الشروط، أنه لا علم له بذلك وأنه تقلد المنصب في سنة 2016، وفي رده على سؤال وكيل الجمهورية المتعلق بعد تحديد الإتاوات في العقد، قال المتهم عمارة أن هذا مسجل في العقد الأصلي وهو من قام برفع دعوى لفسخ العقد في عزابة ولديه الحكم . القاضي يسأله مجددا: متى تم فسخ العقد؟ عمارة: في 2019 قمنا بالدعوى الخاصة لدفع الإتاوات بالنسبة لي كمدير، كل شيء مر بشكل عادي ولما تحصلت على دفتر الشروط قمت بالتصرف. أما المتهم بوكزازة شريف مدير التعمير بولاية سكيكدة نفى التهمة الموجهة له جملة وتفصيلا، وأوضح في رده على أسئلة القاضي بخصوص إبداء الرأي التقني، وهل قام بدراسة الملف قبل تقديم الموافقة، أنه فعلا قام بتأجيل الموافقة إلى غاية رفع التحفظات. وفي رده على سؤال وكيل الجمهورية التالي "هل وافقت البلدية على منح رخصة البناء، أم لا..؟ قال المتهم: "لم تعترض وأنا كنت رئيس الاجتماع ولا أحد اعترض، فقط تم تأجيل الفصل إلى غاية رفع التحفظات".