مرت ثماني سنوات كاملة على إقرار صندوق تنمية الجنوب، الذي رصدت له الحكومة سنة 2005 مبالغ مالية ضخمة فاقت 150 مليار دولار، من خلال اقتطاع نسبة 2 في المائة من الجباية البترولية، لم تتجسد أغلبها في مشاريع تنموية، بسبب البيروقراطية وضعف وسائل الإنجاز، وتعقيدات قانون الصفقات العمومية، التي جعلت من تلك البرامج مجرد مخططات على الورق. وقرر رئيس الجمهورية استحداث صندوق تنمية الجنوب والهضاب لتدارك التأخر الذي تعانيه تلك الولايات، خصوصا من ناحية العجز في الهياكل. لذلك، تم رصد مبالغ مالية قدرت حينئذ بحوالي 400 مليون دولار، لتدعيم الهياكل القاعدية والتنمية المحلية بالمناطق الصحراوية، ويتعلق الأمر بتسع ولايات جنوبية، وهي أدرار وتمنراست وبشار وتيندوف وإليزي وغرداية والوادي وبسكرة وورڤلة، لتضاف إليها أربع ولايات أخرى وهي الأغواط والبيض والنعامة والجلفة، غير أنه بعد مرور ثماني سنوات على إقرار الصندوق ما تزال نسبة كبيرة من المشاريع المبرمجة تراوح مكانها، لأسباب أوعزها نواب هذه الولايات إلى ضعف وسائل الإنجاز، وعدم مراقبة تنفيذ المشاريع فضلا عن البيروقراطية. ويرى النائب عن ولاية أدرار، علي الهامل، بأن ضعف مراقبة تسيير الميزانية ومتابعتها من قبل بعض المديرين الولائيين من أهم أسباب تأخر تجسيد صندوق تنمية الجنوب، وأعطى على سبيل المثال الغلاف المالي الضخم الذي خصص للبرنامج الصحي بالولاية، والمقدر ب 1000 مليار سنتيم، لإنجاز مستشفى ب 140 سرير وآخر ب 120 سرير، وكذا مركز للشيخوخة وللأمومة وآخر لمعالجة مرضى السرطان، أغلبها ما تزال قيد الإنجاز، والقلة القلية منها سيتم استلامها قريبا. كما شمل التأخر منشآت قاعدية أخرى، منها طريق البيض زاوية الدباغ الذي سيقلص المسافة بين المنطقة ووهران ب 380 كلم والممتد على مسافة 160 كلم، حيث تم إنجاز 60 كلم فقط إلى غاية اليوم. ويحصر النائب سالم دفيني، عن ولاية تمنراست، إشكالية تعطل تنفيذ صندوق الجنوب في ضعف وسائل الإنجاز، وكذا تعقيدات قانون الصفقات العمومية، موضحا بأن تمنراست التي تعد من أكبر الولايات الجنوبية تفتقر إلى مستشفيات، كما أنها تعاني عجزا فادحا من حيث الإطارات الذين يغادرونها فور ترسيمهم في مناصبهم، مؤكدا بأنه لا أثر تقريبا لصندوق تنمية الجنوب، وهو ما غذى التذمر والاستياء لدى المواطنين، لكنه نفى طرح مطالب انفصالية التي تقف وراء الترويج لها حسبه أطراف خفية. ويعترف من جانبه النائب عن ولاية وادي سوف عبد الرحمان بن فرحات بأن منطقته حظيت ببرمجة مشاريع كبيرة، من بينها مسبح نصف أولمبي ببلدية جامعة الذي تم تسجيله سنة 2009، مركز لألعاب القوة وقاعة متعددة الرياضات، جميعها تراوح مكانها، بسبب سوء التقييم المالي، لأن الكلفة المالية التي تم تقديرها في البداية غير مناسبة، وإعادة تقييمها يستلزم إعادة الصفقة من جديد، وهذا يستغرق أزيد من 6 أشهر، كما أن أي تأخير سيصاحبه ارتفاع في تكلفة الإنجاز، ويحمل النائب الإدارة الجزء الأكبر من المسؤولية، لكون السكان استبشروا خيرا بصندوق الجنوب، غير أن المشاريع التي تضمنها لم تظهر كلها على أرض الواقع. ولا تختلف مشاكل ولاية ورڤلة عن المناطق الجنوبية الأخرى، وفق تأكيد نائب الأفالان حاج بوعزة، الذي أثار قضية بطء تنفيذ المشاريع بسبب ضعف وسائل الإنتاج، لكنه أصر على أن التشغيل هو من أهم مشاكل الولاية، في حين قال محمد الداوي نائب عن حزب الكرامة عن نفس الولاية، بأن المشاريع كانت تنفذ في السابق بصندوق تنمية الجنوب، حينما كان يشغل منصب رئيس بلدية، لكن الاعتماد على الصندوق توقف رغم استهلاك 30 في المائة فقط من الأموال المودعة فيه، والسبب في رأيه يعود إلى تعقد قانون الصفقات العمومية، وكذا ضعف وسائل الإنجاز، والضبابية في تسيير الصندوق. . وزارة خاصة بتنمية الجنوب للخروج من عنق الزجاجة يعتبر الخبير الاقتصادي، فريد بن يحيى، بأن إقرار صندوق تنمية الجنوب كان حتميا، لكون أغلب الثروات تستخرج من الجنوب، لكن القرار كان ينبغي أن يصاحبه وضع استراتيجية محكمة لتنمية المنطقة، بإعطاء الأولوية للمشاريع كتطوير الصناعة والخدمات، فضلا عن تعيين مختصين في الاقتصاد والتسيير لتولي شؤون المنطقة، مقترحا تعيين لجنة حكماء تضم ممثلين عن الحكماء والأعيان لوضع خارطة طريق، لكون المنطقة تعيش على وقع الانفجار، ووضع وزارة خاصة بالجنوب، مع ضخ أموال إضافية لكون الأموال المرصودة غير كافية، إلى جانب الاهتمام بالتنمية البشرية، ووضع خارطة طريق لمعالجة إشكالية البطالة في أقرب وقت، قبل أن تستغلها أطراف لزعزعة المنطقة.