لا يزال قرار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، القاضي بالاعتراف بمسؤولية جيش الاحتلال في تصفية المحامي والمناضل، علي بومنجل، تصنع الجدل سياسيا وإعلاميا في فرنسا، بعد نحو أسبوع من صدور القرار، فيما توقع متابعون أن تكون الخطوة المقبلة، الاعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية في تصفية الشهيد البطل العربي بن مهيدي. بعض الفرنسيين بمن فيهم الأكاديميين لم يهضموا القرار، ومنهم المؤرخ، جان مارك ألبرت، الذي طالب بقرار مماثل من الجانب الجزائري، وذلك في مقال، نشره أمس بيومية "لوفيغارو" المعروفة بقربها من الأوساط اليمينية في فرنسا. بالنسبة لهذا المؤرخ، فإن "السلطات الجزائرية لا تنوي الاعتراف بالجرائم المنسوبة إلى جبهة التحرير الوطني"، وفق زعمه، ومن ثم فهو يرى أنه "لم يكن هناك داع لاعتراف باريس بالجريمة التي ارتكبت ضد محامي جبهة التحرير الوطني، علي بومنجل". يعتقد المؤرخ الفرنسي أن إيمانويل ماكرون، بالغ في استرضاء الجزائر من خلال اعترافه باسم الدولة الفرنسية بمسؤوليتها في تصفية المناضل الشيوعي والأستاذ الجامعي المتعاطف مع جبهة التحرير، موريس أودان، ومن بعده الاعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية في تصفية المناضل علي بومنجل، لكنه يهتدي بسرعة إلى ما يراه هدف ماكرون من وراء خطوته هذه. وبالمقابل، يتحدث عما يمكن أن تفعله الجزائر على هذا الصعيد، وهو يشير هنا إلى ما يعتقد أنه مسؤولية الطرف الجزائري في تصفية واختفاء بعض الفرنسيين و"الأقدام السوداء" و"الحركى" بعد الاستقلال، وهي الرواية التي يرددها بعض المؤرخين الفرنسيين المسكونين بهاجس ضياع حلم "الجزائر فرنسية". يربط جان مارك ألبرت بين قرار الرئيس الفرنسي وتوقيته، عندما يتساءل عن هدف ماكرون من وراء إثارة مثل هذا النقاش في هذا الوقت بالذات، مرجحا فرضيتين لما أقدم عليه، أولها المكاسب الانتخابية التي يمكن أن يجنيها من وراء ذلك، أو تحويل اهتمام الرأي العام الفرنسي عن النقاش الدائر هذه الأيام في صالونات باريس ومنصاتها الاعلامية، حول ما يسمى "اليسار الإسلامي الجامعي". المؤرخ الفرنسي يرى أن السلطات الجزائرية لم تتحمس كثيرا للاعتراف الذي قدمته باريس لعائلة الناشط الفرنسي الداعم للثورة التحريرية، موريس أودان، في عام 2018، وهو ما شجعها لتقديم تنازلات أخرى (الاعتذار لعائلة بومنجل)، لكنه دافع عن القمع الذي تعرض له داعمون لقضية التحرر في الجزائر، مثل حاملي الحقائب بتهمة التخابر مع "العدو"، والذين من بينهم فرنسيون أيضا. ومن منظور جان مارك ألبرت، فإن "التنازلات" التي قدمها الرئيس الفرنسي للجزائريين، مدفوعا بضغط الحركات المناهضة للاستعمار في العالم الثالث والحملات الصحفية التي رافقتها، وكذا تكريم وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، ل"الشهداء" الجزائريين، وما تضمنه تقرير المؤرخ بنجامان ستورا، فإن كل هذا لم يؤد إلى المصالحة بين الذاكرات، وهو الهدف الذي وضعه ماكرون هدفا لسياسته على هذا الصعيد. وبرأي المؤرخ الفرنسي، فإن الاعتذار لعائلة الشهيد بومنجل، لا تعدو أن تكون مجرد خطوة "رمزية"، لأن الجنرال الفرنسي بول أوساريس، كان قد اعترف بجريمة جيش الاحتلال في تصفية بومنجل في عام 2001، وتوقع أن تكون الخطوة المقبلة للرئيس الفرنسي، هي الاعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية في تصفية الشهيد بن مهيدي، وهي الحادثة التي كانت أيضا، محل اعتراف من قبل الجنرال المظلي السالف ذكره.