اعترف المؤرخ الفرنسي، بنجامان ستورا، بصعوبة تحقيق المصالحة بين الجزائروفرنسا بسبب الماضي الاستعماري، لكنه يعتقد أن سياسة "الخطوات الصغيرة" التي تعتمدها باريس في التعاطي مع قضية الذاكرة، من شأنها أن تقود إلى تجاوز هذه العقبة الكأداء. وقال بنجامان ستورا: "لا يمكن إصلاح ما أفسد في قرون بكلمة واحدة.."، وذلك بينما كان يتحدث عن حيثيات التقرير حول الذاكرة والاستعمار الفرنسي للجزائر، الذي سلمه للرئيس، إيمانويل ماكرون، في العشرين من يناير المنصرم. وذكر المؤرخ الفرنسي أن سياسة "الخطوات الصغيرة" التي تميز التعامل مع قضية استعمار الجزائر، من قبل السلطات الفرنسية، لم تأت من فراغ، وإنما بعد نضالات امتدت لعقود، ليس فقط من قبل جزائريين، وإنما من نخب وبعض الساسة الفرنسيين، رأوا في الماضي الاستعماري لبلادهم في الجزائر غير مشرف وفيه الكثير من الإجرام والمآسي. ولفت ستورا في هذا الصدد، إلى التصريحات التي صدرت عن عدد من المسؤولين الفرنسيين الذين أدانوا الاستعمار وأفعاله وممارساته، بمن فيهم الرؤساء، وعلى رأسهم، الرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون، عندما كان مرشحا للرئاسة الفرنسية، حيث وصف الاستعمار بأنه جريمة ضد الإنسانية، وسلفه في قصر الإيليزي، فرانسوا هولاند، الذي وصف النظام الاستعماري ب"الظالم"، بالإضافة إلى الكثير من السياسيين والباحثين الفرنسيين. وبرأي ستورا فإن حلحلة مسألة الذاكرة، راجع إلى تحول الاستعمار بما انطوى عليه من سلبيات، إلى مادة دسمة للبحوث العلمية والتاريخية: "في السبعينيات من القرن الماضي، قليل من كان يبحث في الاستعمار أما اليوم فهناك موجة من البحث في هذه الظاهرة على مستوى فرنسا، وهذا يعتبر تسريعا في ملف الذاكرة". وجاءت هذه التصريحات في منتدى نظمته "مؤسسة جان جواس" الفرنسية، حضرها كل من لويس سيمون بوالو، عضو مرصد المؤسسة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وخوسيه بوي، وهو صحفي متخصص في شؤون الجزائر، وعضو في مرصد شمال أفريقيا والشرق الأوسط التابع للمؤسسة، بالإضافة إلى مدير مرصد شمال أفريقيا والشرق الأوسط بالمؤسسة، فريد وحيد. المؤرخ الفرنسي قدر بأن الخطوات التي تحصل من حين لآخر بين الجزائروباريس، وآخرها الاعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية في اغتيال المناضل ومحامي "جيهة التحرير"، على بومنجل، مهمة على طريق البحث عن المصالحة بين الذاكرات، والتي تبقى مؤجلة، وقال: "التقدم صعب على طريق المصالحة، لكن كلما نخطو بخطوة ولو صغيرة، يعتبر تقدما". وتحدث بنجامان ستورا عن حساسية هذه القضية في كل من الجزائروباريس، وعبر عن اندهاشه من هول التداول الإعلامي المثير في القنوات الفرنسية، عندما تثار قضية الاعتذار الفرنسي للجزائر، تماما كما هو الحال في الجانب الجزائري، عندما يصدر تصريح من مسؤول فرنسي يرفض من خلاله تقديم باريس للاعتذار (الندم أو الندم repantance)، كما يحلو للفرنسيين التعبير عن ذلك، حيث تقال التحاليل وتصدر الانتقادات للسلطات الفرنسية. المؤرخ الفرنسي حمل مسؤولية "حرب الذاكرات" بين الجزائروفرنسا، لمن وصفهم أنصار "الامبراطويرية الاستعمارية الفرنسية"، وكان يشير هنا إلى الأقدام السوداء والحركى وبعض الأوساط اليمينية المتطرفة. وتأسف لأن البعض يحاول توظيف الذاكرة من أجل الانتقام، كما قال، هناك ذاكرة ضد الاستعمار. ولاحظ بنجامان ستورا "هناك من لا يريد مسح الذاكرة لكنه يريد أن يتقدم نحو الأمام، وربما هذا هو توجه الأجيال الجديدة، هناك من يريد علاقات جديدة بين الجزائروفرنسا"، مشيرا إلى أن "في السابق اليمين كما اليسار كان يدافع عن الاستعمار، وإن كان اليمين متفقا على الدفاع عن الاستعمار، إلا أن اليسار مشتت بين مدافع ومنتقد لهذه الظاهرة، على غرار المحامية جيزال حليمي والسياسي منداس فرانس الذي استقال من منصبه كرئيس للوزراء إبان الثورة التحريرية.