نقف اليوم، عبر ركن أسماء من الذاكرة، لمجلة الشروق العربي، مع اسم نسوي، ترك أعمالا خالدة، خلدت من خلالها هذه الأنثى، مسيرة فنية عطرة، عرفها الجمهور والمشاهد الجزائر منذ سنوات طويلة، حيث شاركت في العديد من روائع التلفزيون، ومحطات مشرقة في عالم التمثيل في الجزائر، واستطاعت بحق أن تحجز لنفسها مكانة مرموقة في صرح الثقافة الجزائرية، وأن تضع لنفسها لبنة صلبة، لا تزال اليوم شاهدة على حضورها وزخم عطائها. هي دوجة عبدون، التي ولدت عام 1923 بالحي العتيق في أعالي العاصمة، القصبة. بدأت حياتها الفنية مبكرا، وكانت إطلالتها في سنوات السبعينيات، بداية التأريخ لمشوار فني طويل بعدها، حينما شاركت في مسلسل الحريق. وهو عمل مقتبس من روايتين للروائي الجزائر محمد ديب، الذي ذاع صيته في تلك الفترة، ولا يزال إلى حد الساعة، ويبقى من روائع ما أنتج في الثقافة الجزائرية إلى حد الساعة، كانت دوجة قطعة فيه. كانت عبدون دوجة تملك كاريزما وحضورا قويا، أهّلها لأن تكون حاضرة في الكثير من الأعمال التي اختلفت بين الفكاهة والأنواع الأخرى من التمثيل، رحلت خلالها بين الكثير من الأدوار، بنفس الإبداع والتمرس، وأحبها الجمهور الذي عرفها منذ مسلسل الحريق، وبقي يحفظ لها الكثير من المشاهد، واعترف لها كل من جلس إلى أعمالها، بقدرة التحكم في الدور الذي يتجاوز مجرد تمثيل ويصل إلى الحقيقة، بعيدا عن التصنع واجترار ما قدم من قبل. شاركت في الكثير من الأعمال، رفقة وجوه فنية مشرقة في عالم التمثيل في الجزائر، على غرار وردية في رائعة "ليلى والأخريات"، كما وقعت باسمها في أعمال أخرى مثل "ثمن الحلم"، وكلها أعمال تربعت على عرش جمالية الحضور والكاريزما، والفن الهادف الراقي الذي يتعطش إليه الجمهور اليوم. لذا، أصبح واجبا عليه الحنين إلى دوجة عبدون، والأخريات اللواتي بصمن بأحرف من ذهب على خلود أسمائهن، رغم أن الموت غيبهن منذ زمن بعيد. أعجب المخرج الكبير، جعفر قاسم، بفكاهتها وقوة حضورها. لذا، لم يتردد في أن يجعلها قطعة أساسية في الكثير من أعماله الناجحة، على غرار جمعي فاميلي، وناس ملاح سيتي، وغيرهما. عكس نجاحها في تقمص هذه الأدوار، قدرتها على التأقلم مع الدور مهما كان هدفه أو شخصيته. بعد هذا العطاء الذي لامس الإبداع بكل ألوانه، ورافق النجاح في كل مواقعه، رحلت دوجة إلى الأبد ولم تعد بيننا، ماعدا أعمالها الخالدة خلود روحها بين محبيها، سنة 2008، تاركة وراءها فراغا رهيبا لا يملؤه إلا زخم عطائها.