هو أحد عمالقة الفن الجزائري صعد إلى الخشبة ودخل كواليس التمثيل يوم كان الممثلون يعدون على رؤوس الأصابع، فصنع له إسما في عالم الفكاهة، الذي تألق في سمائه بأعماله الخفيفة الممتعة التي لا يزال الكثير يتذكرها، بل ويحفظ جل مقاطعها ويتوق لمشاهدتها، واليوم، وبعد مرور سنوات طويلة حصد من خلالها رصيدا مشرفا دونه ضمن ذكريات لا تنسى، ومواقف جادة وهزلية لا تمل مهما تكررت رؤيتها، ها هو ضيفنا الممثل المحترف القدير »محمد حلمي« ، يهدينا تاريخ المسرح الجزائري كله، وحتى ما قبله من خلال مسلسل انتهى من كتابته وينتظر التوقيع ليرى النور قريبا، إضافة الى عمل سينمائي فضل تأجيله ليبدأ بالأهم ثم المهم، أي بالمسرح أولى خطواته ليصل إلى السينما، وعطاء الرجل الفنان لا يزال متواصلا ومتميزا، وسنكتشف مزيدا منه في هذا الحوار الشيق الذي جمعنا به... - "المساء": مذكرات في جزئين، هذا يعني بلا شك أن حياة الممثل محمد حلمي حافلة جدا، وربما هذا ما يجر إلى مذكرة ثالثة؟! * الممثل محمد حلمي: مذكراتي بالفعل حافلة وحافلة جدا كما قلت، ومليئة بالذكريات والمواقف الجميلة والمؤثرة، لذا فكرت في تدوينها لكونها تحتاج بالفعل الى أجزاء وأجزاء، وربما جر الجزء الثاني إلى أجزاء أخرى لا تقل أهمية، نظرا لما تختزنه ذاكرتي ويدخره مشوار حياتي الخاصة والفنية، لذا ترينني أرفض تصوير بورتري حول شخصي يلخص حياتي وأعمالي وذكرياتي في ربع ساعة أونصفها أو حتى ساعات! - ما هي أجمل الذكريات التي جمعتك بشخصيات فنية جزائرية، لا تزال تعتز بها؟ * الذكريات الجميلة كثيرة، خاصة في تلك الحلوة الرائعة التي كنا نتصدى فيها بفننا لعدو غاشم يخشى الكلمة أكثر من الرشاش، والمدفع والفن آنذاك، كان بالفعل مؤثرا، وله دور كبير في توعية العقول وإراحة النفوس، وأجمل ذكرياتي كانت في المسرح الإذاعي مع نخبة ممن صنعوا المسرح أمثال المرحوم رويشد، الحاج نور الدين، علي عبدون، الممثلة القديرة كلثوم التي أعتبرها هرما من أهرام المسرح الجزائري، فأنا أحترمها كثيرا وأقدر عطاءها فهي من جيل العمالقة، وكانت أول امرأة جزائرية عززت المسرح في 1948 بوجوه نسائية معروفة أمثال نورية، دوجة، صابونجي وغيرهن، كما أعتز أيضا بذكرياتي مع الفنانة الراحلة ياسمين التي شاطرتني أوبيرات غنائية، وما أكثر ما أعتز به من ذكريات جميلة وخالدة! - الجزائر أنجبت عمالقة في مجالات عدة أهمها الفن، وهناك أمر محير في هؤلاء العمالقة، وهو أن فنهم لا يموت ولا يندثر أبدا مهما تعاقبت السنون، فهل لنا معرفة سر جاذبية أعمالهم وخلودها بما أنك أحدهم؟ * تمكّن حب الوطن في النفوس جعلنا نبدع ونعطي أكثر وأكثر، ونعمل بصدق وإخلاص لإعطاء صورة واقعية عن أوضاعنا آنذاك، وعن معاناتنا بشكل جاد وهزلي في آن واحد، يوصل الرسالة الى أبعد الحدود، فكنا نسخر من العدو بطريقة غير مباشرة وعن طريق إنتاج مميز بسيط لكنه عميق في محتواه، وكان هناك اتحاد وتلاحم وتعاون وتشاور وألفة بين الفنانين، وهذا ما أوجد عمالقة في تلك الفترة الصعبة، فنانون خلدوا سجلا فنيا حافلا لا يموت ولا يندثر مهما مر الزمن، والدليل ونحن نسجل حصة في وقت مضى (1953) في راديو فرنسي كنت ضيفا فيها، كانت هناك اتصالات مباشرة من مستمعين كانوا يحفظون مقاطع من تمثيلياتي حفظا تاما وبطريقة متقنة مدققة! وهذا يدل على جودة ما أعطينا وتجاوب المشاهد معنا. - لن نبرح قائمة العمالقة، فما هي أهم شخصية فنية تثير دهشتك؟ * محبوباتي! شخصيا هذا العبقري يدهشني بخرجاته غير المتوقعة، فمن غيره فكر في الشمس الباردة، وحدث وأن سألته كيف جاءته فكرة كتابة كلمات عن شمس باردة، والمعروف عن الشمس أنها حارقة، فأجاب بتواضع رغم عبقريته، هو الإلهام المستوحى من مخيلة تسبح بعيدا لتصل إلى أعمق وأجود المعاني والكلمات، وقد سبق وأن تعاملت معه في فيلم »عش بتناش«، حيث طلبت منه كتابة كلمات أغنية، وطلب هو مني بالمقابل تحديد المناظر لتتماشى والكلمات، وبالفعل أعطاني كلمات أديت بإحساس عال جدا من طرف أحلام. - ما هو جديد الممثل محمد حلمي؟ * تاريخ المسرح الجزائري في مسلسل من 10 حلقات، ينتظر توقيع المدير العام للتلفزيون لنبدأ التصوير، وهو في الواقع مسلسل يتطرق إلى تاريخ المسرح وما قبل المسرح. وهناك فيلم سينمائي حظي بموافقة الوزيرة ذاتها ودعمه موجود، لكني مع هذا فضلت أن أبدأ بالأهم المسرح وتاريخه ثم المهم. كما أن هناك تمثيليات إذاعية ومشروعا فكاهيا بالأمازيغية بطقطوقات قبائلية، وللمشاريع بقية... - كلمة أخيرة؟ * أتمنى أن ترى أعمالي الجديدة النور وأن أحظى دائما برضى وحب جمهوري العريض، وطبعا شكرا ل "المساء" على الاستضافة واللقاء.