نعترف أنّ وزير التجارة كمال رزّيق قد فاجأنا تماماً بقرار تعريب لافتات المحالّ التجارية؛ ذلك أنّ عملية تعميم استعمال اللغة العربية عرفت جمودا كبيرا منذ صدور قانون التعريب في 16 جانفي 1991 إلى حدّ الساعة، ولم تحقّق العملية تقدّما يُذكر سوى في قطاعات محدودة، ثم انتكست بسبب طغيان نفوذ الفرنكوش من بقايا دفعة لاكوست في الجزائر، ونشرهم الفرنسية على نطاق واسع، حتى تجرّأوا على قطاع التربية نفسه الذي يعدّ حقلا خالصا للغة العربية، وكادوا ينجحون في فرْنسة الموادّ العلمية للتعليم الثانوي، لولا وقوف أنصار العربية ضدّهم على قلب رجلٍ واحد. قرارُ وزير التجارة يأتي في ظرفٍ تعرف فيه العربية تقهقرا مستمرّا وتهميشا كبيراً في عقر ديارها، في حين تشهد الفرنسية انتشارا متواصلا؛ الكثيرُ من الإدارات والمؤسسات والهيئات العمومية لا تكلّف نفسها عناء تعريب وثائقها ومراسلاتها ومعاملاتها اليومية، وتتعامل بالفرنسية وكأنّها "لغةٌ وطنية" وليست أجنبية، وامتدّ الوباءُ إلى المؤسسات الخاصة وحتى المحالّ التجارية التي يرفع الكثيرُ منها لافتاتِه بالفرنسية وحدها، حتى أضحى الزائر لعاصمة البلاد يعتقد أنها مجرّد مدينة ملحقة بباريس وليست مدينة جزائرية، ما دفع الكثير من العرب الذي زاروا البلاد إلى التساؤل في كلّ مرة باستغرابٍ وذهول عن سرّ تفضيل الجزائريين –بصيغة التعميم- لهذه اللغة الأجنبية وتهميش لغتهم الرسمية برغم مرور سنوات طويلة على استقلال بلادهم؟! وإذا كان قرار الوزير كمال رزّيق قد فاجأنا، بعد أن يئسنا من إمكانية تحقيق التعريب أيّ تقدّم في الظرف الحالي بسبب غياب أيّ إرادةٍ سياسية، فإنّ ردود أفعال الفرنكوش المناوئة لقرار الوزير لم تفاجئنا البتة، لأنّ السوابق السوداء لهذه الأقلية المتسلّطة في مجال مقاومة التعريب معروفةٌ وكثيرة، وقد كان لها دورٌ فاعل في تجميد القانون سنة 1992 ثم سنة 1998 حينما بعثه الرئيس الأسبق اليامين زروال بنصيحةٍ من مستشاره بتشين، يكفي فقط أن نذكّر بخروج أحد أحزابها في مظاهرات حاشدة ببلكور للمطالبة بتجميد القانون، قبل أيام فقط من موعد 5 جويلية 1998 الذي حُدِّد مجددا لاستكمال عملية تعميم استعمال العربية واستعادة الجزائر سيادتها اللغوية، فاضطرّ الرئيس زروال إلى الاستجابة للطلب لوأد فتنةٍ خطيرة كانت تطلّ برأسها في الأفق. لذلك، توقّعنا أن يظهر الآن من ينتقد قرار الوزير رزّيق بشدّة ويطالبه بالاهتمام بتوفير الزيت والمواد الأساسية للجزائريين، وتركِ التجار يكتبون لافتاتهم بأيّ لغةٍ شاءوا، وأن يقوم أتباعُ فرنسا في الجزائر، بكلّ صفاقةٍ ووقاحة، بحملةٍ شرسة في شتى المواقع تطعن في اللغة العربية وتنعتها بأبشع الأوصاف والنّعوت، قصد إفشال العملية في مهدها، ودفعِ السلطة إلى التدخّل وإلغاء قرار الوزير، كما فعلت في مناسباتٍ سابقة، ومن ثمّة الإبقاء على هيمنة الفرنسية، وعلى تبعية الجزائرلفرنسا لغويّا بعد قرابة 60 سنة من الاستقلال! أخيرا نتساءل: لماذا يقتصر الأمر على تعريب لافتات التجار؟ ماذا عن تعريب باقي المحيط والمؤسَّسات والإدارات والهيئات العمومية التي لا تزال الفرنسية تهيمن على وثائقها ومراسلاتها ومعاملاتها اليومية بشكل مُهين؟ لماذا ينبري وزيرٌ واحد لتطبيق جزءٍ من قانون التعريب؟ ماذا عن باقي الوزراء وقطاعاتهم؟ التعريبُ الناجح هو الذي يستند إلى إرادة سياسية واضحة وثابتة ويُنفَّذ وفق خطة عملٍ شاملة ولها آجالٌ محدّدة، وليس مجرّد جهد يقوم به وزيرٌ واحد، مع شكرنا الخالص لوزير التجارة على مبادرته. إن فراشةً واحدة لا تصنع الربيع.