يتجلى من خلال برامج الشبكة الرمضانية المقترحة هذه السنة من طرف الفضائيات العربية ملامح راديكالية جديدة، أمام الغياب البارز" للمحجبات" و كذا تراجع المسلسلات الدينية، ناهيك عن اكتساح الأعمال التلفزيونية الخليجية بقوة الشاشات الصغيرة، وهو ما يعكس تسابق الفضائيات نحو "التبرج"، و الاستثمار القوي ،لإثراء حلتها هذه السنة، لعل من تتصدرها في هذا المجال قناة " أبو ظبي" التي خصصت ميزانية كبيرة. عرفت رمضان السنة الفارطة موضة لا سابق لها توسعت عبر التلفزيونات و الفضائيات العربية و هي تشهد" صحوة" دينية وجدانية في وسط مشاهير الممثلات العرب، و هن يعلنن صحوتهن و ارتداءهن للباس الديني المحتجب، أو اعتزالهن لمهنة التمثيل و الفن، واختلفت السيناريوهات و كثرت ، وأثارت الجدل و النقاش الواسع بين البناء و المشتت، و قوت شوكة المعارضين باختلاف الأسباب و الدوافع، ضد هذا " التسونامي" الذي زلزل في سلم البرامج الرمضانية العام الماضي. مسلسل الحجاب الذي ظهر بصورة فاحشة و تقاسمت ادوار البطولة فيه العديد من نجوم الشاشة الصغيرة اللواتي سرقن الأضواء لم يبدو أكثر من بهرجة استعراضية في مجال السمعي البصري و صفحات" البيوبل" و الإعلام ، نظرا لما آل إليه السيناريو في نهاية المطاف بعد أن تراجعت معظم البطلات في فكرة الحجاب و الاعتزال ، و وجدن إمكانية العودة للاستظهار أمام العدسات تدريجيا في شكلهن المتبرج، و هو ماحدث مع الفنانة المصرية عبير صبري التي طالما دافعت عن مسلسلا المتحجبات الممنوعة من البث ليتفاجىء المشاهدون بعد تحجبها بعودتها تدريجيا إلى الشاشة و خلع الحجاب مثلها مثل غادة الدغيدي و ذلك بسبب عدم تلقيهما لأية عروض. و فيما يطرح السؤال في مدى جدية فكرة" فضيلة العودة إلى الأصل "، يرجح إلى أن الأسباب القوية التي دفعت بالفنانات العربيات من اللواتي قررن الظهور بالحجاب ثم خلعه أو ببساطة الغياب عن مرأى المشاهد هذه السنة، تعود بالدرجة الأولى إلى الهجوم الشرس الذي تعرضن إليه السنة الماضية بين اتهامهن بالرغبة في إثارة الاهتمام و الجدال بغية اكتساب الشهرة بطريقة أخرى، أو محاصرتهن من طرف شركات الإنتاج و المخرجين الذين عزفوا عن اقتراح عروض ادوار ضمن الأعمال التلفزيونية الجديدة ، من حيث عرفت الأفلام و المسلسلات التي شاركت ضمنها الفنانات المحجبات انتقادا واسعا، وهو ما يفسر ربما غياب الفنانة المصرية حنان ترك في مسلسل " أولاد الشوارع " حيث اعتبر العمل رغم نجاحه إساءة للمجتمع المصري و لقي استنفارا في مصر خصوصا و انه تم بثه على قناة "دبي"، كما تم و صف ظهور الممثلة صبرين في مسلسل "" بوصمة عار بعد العمل التلفزيوني الكبير "أم كلثوم". و انتقدت كذلك سهير البابلي، أشهر الفنانات المصريات المحجبات التي اعتزلت التمثيل لسنوات، لأنها لم تكن في حجم عودتها . الشاشة من خلال حلقات " قلب حبيبة"، كما اتهمت سهير رمزي الإساءة للحجاب و ترويجها للأزياء التي تظهر بها و كأنها تستعرض آخر ما صممته في موضة الحجاب. محجبات واقفات و على غرار الغياب و سياسة التغييب و الحصار المفروض على الممثلات المحجبات و "تردي" أخريات، تبقى بعض الممثلات صامدات أمام كل الإغراءات و طرق التحرش الفكرية في حقهن و خيارهن حيث تعود بعض الوجوه بعد نجاحهن في الأعمال التلفزيونية رمضان الماضي ، عبر الفضائيات هذه السنة من خلال أعمال جديدة، من بينهن الفنانة المصرية فيفي عيد التي ستظهر حصريا على قناة "الراي" الكويتية في مسلسل " أزهار" بعد نجاحها في حلقات "سوق الخضار" العام الماضي، وذلك الى جانب الفنانة سماح أنور، كما ستعرف قناة ابو ظبي عودة كل من الممثلتين يسرى و الفخراني عبر إعمال جديدة في الشبكة الرمضانية فيما غابت نادية الجندي رغم ظهورها الناجح في العام الفارط. ابوظبي"،" دبي"، و تراجع المسلسلات الدينية سباق مع الزمن في تشكيل الباقة التلفزيونية و استقطاب اكبر عدد من المشاهدين ، فبعد أن كانت قناة دبي تتصدر قائمة الفضائيات الأكثر مشاهدة و استثمارا في جلب أحسن الأعمال و البرامج في رمضان السنة الماضية ، تبين هذه السنة أن القناة الفضائية "ابوظبي" تحتل الصدارة من حيث الاستثمار و تخصيص ميزانية كبيرة لتوفير برنامج رمضاني أكثر تنوعا ونوعية، لكن النقطة البارزة في هذا النطاق هو تراجع إنتاج المسلسلات الدينية بسبب الميزانيات الثقيلة التي تكلفها و استبدالها بالمسلسلات الاجتماعية و الإعمال الكوميديا و في هذا الشأن تبين كذلك بروز موجة جديدة في مجال الكوميديا العربية و المتمثلة في الأعمال الخليجية التي استوردت بقوة هذا العام سيما من السعودية و ذلك بعد النجاح الذي لقيته وسط المشاهدين العرب. من هنا سيجد المستهلك العربي نفسه أمام ثقافة تلفزيونية جديدة لم يعتد عليها و هو في عصر العولمة يعيش التناقضات في كل أحوالها ، من الصراعات الطائفية و الحروب الدينية، الاقتصادية و الاجتماعية ، الإخبار السياسية و مستجدات الأوضاع الراهنة، تنعكس عبر الشاشة التي يلوذ إليها للبحث في نقطة تراجع و استدراك الواقع، ليراود في نفسه ذات السؤال: هل من بديل؟ فاطمة بارودي