قالت رئيسة جمعية ''الحياة''، السيدة لحول حياة، إنه رغم مرور 24 سنة على ظهور مرض السيدا في الجزائر، ما يزال فيروس فقدان المناعة المكتسبة يشكل طابو تحوم حوله أفكار خاطئة، ونتيجة ذلك تكشفها الأرقام التي تشير حسب أهل الاختصاص، إلى تسجيل ما لا يقل عن 1118 حالة سيدا جديدة، وحوالي 4745 حالة حامل للفيروس سنويا حسب إحصاءات شهر سبتمبر 2010، مؤكدة أن العديد من الناس يجهلون أن الإيدز مرض متنقل وليس معديا. لكن الطامة الكبرى، حسبها، تكمن في تصرف بعض الأطباء المختصين الذين يعرفون طبيعة المرض، حيث يتعاملون مع المصابين بوحشية، رغم أن الحل بسيط ولا يتطلب سوى اتخاذ بعض الاحتياطات، وتعقيم الأدوات الطبية لتفادي انتقال الفيروس. تفاصيل عن واقع هذه الشريحة، حدثتنا عنها رئيسة جمعية الحياة في هذا الحوار الذي جمعنا معها. السيدة لحول حياة، رئيسة جمعية ''الحياة ايدز ''، في اليوم العالمي لمرض السيدا ، كيف ترين وضعية المصابين بهذا الداء في الجزائر؟ أرى وضعية المصابين بداء السيدا في الجزائر متدهورة نوعا ما، يعني أننا بدل أن نتخطى عتبة هذا المرض نجد أنفسنا نتراجع إلى الوراء كالانقطاع في الأدوية، وحتى التوعية قلت. فالسيدا لم يعط له اهتمام كاف من قبل وزير الصحة السابق، حيث تميزت تدابير هذه الأخير بالخمول والتهميش وانقطاعات متكررة في الإمدادات بالأدوية، ولكن منذ تولي الدكتور جمال ولد عباس هذا المنصب الجديد، تحركت بعض الأمور التي كانت جد مهمشة. قطعت شوطا مع هذا المرض، كيف اكتشفت بأنك مصابة بهذا المرض؟ وكيف تعاملت مع هذا الداء ؟ وهل تأثرت به؟ تزوجت وأنا عمري 19 سنة واكتشافي لهذا المرض كان عن طريق التحاليل الطبية التي أجراها زوجي الذي كان مصابا بالسيدا ، اكتشف بأنه مصاب بالفيروس وأنا على ذمته، فطلب مني بدوري الأطباء إجراء التحاليل لاكتشاف الفيروس، وحينما أجريت التحاليل اكتشفت أني أصبت بالعدوى. توفي زوجي بهذا الداء بعد فترة من الزواج نظرا لانعدام توفر الأدوية الكافية آنذاك، بل إن العلاج الثلاثي الذي منحنا فرصة الحياة لم يكن متوفرا أو لم يكن قد اكتشف بعد لأنه هو من منحنا حق الحياة. الحمد لله أنني لم أتلق أي صعوبة مع هذا الداء، فتعاملت معه كباقي الأمراض الأخرى، فلابد على الإنسان أن يتقبل نفسه. تلقيت دعما معنويا وماديا من قبل عائلتي وحتى أصدقائي لم يبخلوا في مد يد العون لي، وأنا كذلك كنت عضوا في جمعية ايدز الجزائر، فلم أتلق أي رد وأنا حاملة لهذا الداء، بالعكس فقد ساعدوني، لأنني تقبلت المرض لأنني لم أكن مذنبة بل ضحية لزوجي المتوفى: وها أنا ادخل في السنة 15 من إصابتي بالفيروس، وأتبع علاجي بالأدوية كما ينبغي. وعلى الرغم أن المصاب بهذا الداء سواء امرأة أو رجل له الحق في الزواج اليوم فقط مع الالتزام بعدم تكوين أسرة وأولاد. إلا أن مجتمعنا الجزائري لا يتقبل هذا المريض ولا يسانده، بل يعمل على تهميشه، لأن أي واحد منا معرض للإصابة عن طريق العدوى حتى ولو لم يكن عن طريق الجنس وحتى لو كان عن طريق الحلال. هل تغيرت نظرة مجتمعنا الجزائري نحو المرضى المصابين بالسيدا ؟ تغيرت نوعا ما نظرة مجتمعنا الجزائري للمصابين بهذا الداء مقارنة بالسنوات الماضية، وذلك نتيجة الحملات التحسيسية والتوعوية التي كنا نباشرها في كل مناسبة عبر مختلف الوسائل الإعلامية. إلا أن أساس المشكلة التي تزيد في انتشار فيروس فقدان المناعة المكتسبة يرتبط بالفهم الخاطئ للمرض. فكثيرون لا يدركون أن مرض السيدا الذي بدأ ينتشر في الجزائر محلي وليس مستوردا من الدول الأخرى، فهو يصنع هنا، ولا أحد بمنأى عن الإصابة بفيروس فقدان المناعة المكتسبة، طالما أن العلاقات الجنسية ليست السبيل الوحيد للإصابة به. ومن انعكاسات هذا الجهل هو أنه رغم مضي 24 سنة منذ ظهوره في مجتمعنا، إلا أن العديد من عامة الناس يخشون حتى الجلوس والتصافح، أو تناول الأكل مع مريض السيدا، في ظل غياب الإعلام الصحيح عن هذا الداء. كيف تتكفلون بالمرضى المصابين بالايدز؟ هل يتوفر العلاج مجانا لكل المرضى ؟ إن قلت إننا نتكفل بالمرض بنسبة 100 بالمائة، في الحقيقة خطا، فنقص التمويل جعلنا نتراجع إلى الوراء ولا نستطيع التكفل بالمرض كما ينبغي، يوميا نستقبل ما بين 8 إلى 10 حالات وكل حالة واحتياجاتها. فنحن نعمل مباشرة مع مستشفى القطار، وجمعيتنا تتكفل بالمرضى المصابين بالايدز عن طريق توفير العلاج المجاني لهم بما فيه الأدوية، ومعنويا وبسيكونفسانيا وبلباقة. وفي هذا الباب جمعيتنا عملت على تجسيد نشاطات مرجعية في ولاية تمنراست الجنوبية، واخترنا هذه الولاية لتعليم النساء المصابات الماكثات في البيت أو المتعاطفين معهم، كل ما هو تقليدي من خياطة، طرز، حلويات وغيرها، حتى نعمل على إدماجهن ''بلونجام'' ويحصلن على محلات مصغرة، حتى تصرن مسؤولات على أنفسهن وتتكفلن بعائلاتهن وتحسين اقتصادهن، ''أوني سيدا '' هي من تعمل على التكفل بهذا المشروع من خلال التمويل، وسينطلق خلال هذه الأيام. كل الأدوية التي يتلقاها مرضى الايدز أدوية مجانية، ولكن هناك مشكل الانقطاع في هذه الأدوية التي تقدم في المستشفيات للمصابين بهذا الداء، وهي عبارة عن أدوية ثلاثية يعالج بها المصاب مدى الحياة، إلا أن يُكتشف دواء شافٍ للتخلص نهائيا منها. هل ترين بحكم عملك كرئيسة جمعية، أن جل النساء المصابات بالسيدا نقلت لهم العدوى عن طريق أزواجهن؟ وما هي الفئة العمرية الأكثر عرضة ؟ جملة النساء المصابات نقلت إليهن العدوى عن طريق أزواجهن. من خلال الحالات التي نستقبلها يوميا يمكن القول إن نسبة 95 بالمائة تنقل إليهن عن طريق الأزواج، لتبقى نسبة ضئيلة جدا وغالبيتهم شباب، تنقل إليهم عن طريق غياب الثقافة الجنسية. والفئة العمرية الأكثر عرضة هم شريحة الشباب سنهم يتراوح ما بين 18 و25 سنة، وكلا الفئتين متساويتين من حيث الإصابة بهذا الداء. السيدة حياة هل هناك حالات لمصابين تأثرت بها عند استقبالك لها ؟ حالات كثيرة تأثرت بها، وبحكم جمعيتنا تستقبل فئات مختلفة من المصابين، فهناك ثلاث حالات لا تزال راسخة في ذهني فالأولى هي لشابة في مقتبل العمر أصيبت بالداء عن طريق زوجها، ولما سمعت والدتها بمرض ابنتها توفيت بسكتة قلبية، وحتى البنت أصيبت بالجنون، وهي الآن تتماثل للعلاج عند الأطباء النفسانيين، هذه الحالة عندها حوالي عامين، فحالة البنت تأثرت بها كثيرا. وحتى الجنس الخشن تأثرت بهم كحالة السيد جيلا لي ب البالغ من العمر 57 سنة من ولاية غرداية، يحلم بسرير في مركز يكون قريبا من مستشفى القطار وبوجبة ساخنة تقدم له كغيره من النزلاء في مواعيدها، حتى يتمكن من تناول دوائه دون مضاعفات، فحالة السيد جيلالي انقلبت رأسا على عقب بعد وفاة والده واستحواذ زوجته على المسكن بعد معرفتها لمرضه، لتبدأ معاناته في رحلة بحث عن المأوى والعمل ليقتات به منذ 6 سنوات، طرد من ثلاث مؤسسات بسبب مرضه، كل أبواب المراكز أغلقت في وجهه. وهو الآن ومنذ سنوات عديدة بصفة اضطرارية بسبب مرضه الذي يستدعي تنقله كل ثلاثة أشهر إلى مستشفى القطار، لزيارة طبيبه المعالج والحصول على حصته من الأدوية، يفترش الكرتون بضواحي باب جديد وبور سعيد بالعاصمة، متحاشيا الأماكن التي تكثر فيها أعمال العنف والانحراف، بعدما أوصدت كل مراكز الإيواء في وجهه، وآخرها طرده من مركز دار العجزة بباب الزوار، وأنا في نظري هذه الحالة مطلب بسيط ولن يصعب على مصالح وزارة التضامن الوطني توفير سرير واحد لهذا المريض بحجة انه ليس من سكان العاصمة، وخاصة أنها نجحت في إيواء كل المتشردين الذين لا مأوى لهم من مختلف ولايات الوطن.