عبد العالي رزاقي عندما أصبح الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) يمثل خطرا على قريش تبنّت اقتراح أبي جهل بن هشام وهو إشراك القبائل في اغتيال الرسول حتى يتوزع دمه على الجميع. وإذا كانت قريش قد أخفقت في الاغتيال، فإنها أفلحت في غرس الفكرة لدى القبائل. بحيث اغتيل أبو بكر الصديق بالسم حين أراد تحرير الإسلام من أدعياء النبوة أمثال مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي وطليحة من بني أسد، وحتى النساء وجدن فيها طريقا فادعت سُجاح من بني تميم النبوة، واستئصال المرتدين عن الإسلام؟. وجاء بعده عمرو بن الخطاب ب»مشروع دولة إسلامية« وخلال عشر سنوات ونيف وضع أسس الاستقرار السياسي، ولكن التآمر الخارجي، دفع بالغلام المجوسي أبي لؤلؤة إلى الانتصار للفرس. والحق يقال ان عمرو بن الخطاب لم يكن مقتنعا بحاشيته ولهذا اضطر إلى محور ما كتبه حتى لا يصل إلى الناس. وجاءت الفتنة بعد تولي عثمان بن عفان الخلافة، فقد قاد علي بن أبي طالب المعارضة، والمفارقة أن رومان بن سرحان صديق محمد بن أبي بكر الذي اغتيل فيما بعد، هو الذي قتل عثمان، والنهاية تشابهت فقد اغتيل علي بن أبي طالب هو الآخر على يدي عبد الرحمن بن ملجم. واغتيال الخلفاء الراشدين كان درسا للخلافة الأموية التي حاولت »التمسك« بالعنصر العربي الأصيل في بناء الدولة الأموية. والواقع أن الاغتيالات تواصلت بعد نهاية »الحكم الراشد« ولم تفرق بين الصحابي والخليفة أو العالم أو الفقيه، فاغتيل الحسن بن علي، وطلحة بن عبد الله، ومروان بن الحكم وعمر بن عبد العزيز، والإمام أبي حنيفة والنسائي (صاحب كتاب السنن)، بل إن المسجد كان مصدر الفتاوى المتعلقة بالقتل، ولم ينج من الاغتيالات إلا الأكثر دهاء أمثال عمرو بن العاص. البعض فسر الاغتيالات بالتآمر الفارسي اليهودي في مقتل عمرو بن الخطاب بست طعنات، والبعض حولها إلى قصص تفيد أن رؤوس الخلفاء كانت تمثل أغلى مهر. الممنوعات في الأنظمة الأحادية مرت الاغتيالات السياسية بثلاث مراحل: الأولى كانت خلال الثورة المسلحة وكان القرار يتخذ فيها بالأغلبية، وأحيانا تتم عبر المحاكمات باستثناء حالات لا يسمح الوقت بالكشف عنها. أما في المرحلة الثانية، فكانت خلال فترة 62 - 1989 واستهدف رموز الثورة الذين انتقلوا إلى المعارضة أمثال محمد خيضر وكريم بلقاسم. أما في المرحلة الثالثة، فإن عمليات الاغتيال كانت تسند إلى فتاوى، أو إلى »خطاب ديني« في أحد المساجد فالفتوى والتحريض عاملان في تفشي ظاهرة الاغتيالات. وما كان يجري في كواليس »أمراء الجريمة« في الجزائر، لا يختلف كثيرا عن قصص عربية أوردها معارض سعودي (تأبط خيرا) في كتابه (قضاء يسحق العدالة) الصادر ب(دار المحروسة) بمصر عام 2006، إنما يمكن تصنيف هذه الاغتيالات إلى: 1- اغتيال رجال الإعلام العاملين في المؤسسات الإعلامية للسلطة بوصفهم »أبواق« للطغاة. 2- اغتيال رجال الإعلام العاملين في المؤسسات الإعلامية التي وضعها »أمراء الجريمة« في خانة »المطلوبين«. 3- الأسماء التي تشكل ردود أفعال إعلامية، بهدف إثبات الحضور الإعلامي للجماعات المسلحة. وقد اتصلت بأحد »هؤلاء الأمراء« واستوضحت الأمر، فأكد لي أنه لم يكن هناك تنسيق بين الجماعات المسلحة، وزعم بأن هناك تسللا داخل الجماعات، وأن عمليات القتل كانت سياسية، ولكنها لا تخضع للمحاكمات أو أحكام، وأشار لي إلى أن الأمير علي بن حجر تدخل لإنقاذ أحد الصحافيين بعد اختطافه من قبل مجموعة مسلحة. كان هدف الجماعات المسلحة هو إثارة الرعب في الأوساط الإعلامية، مما جعلهم يتنافسون على الوصول إلى ارتكاب الجريمة ولو في حق صحافي أو صحافية مبتدئة. تحولت المجموعات المسلحة في الجزائر إلى »نظام سياسي أحادي« همّه الوحيد اغتيال كل من يعارض أفكاره، بحيث صار الصحافي بين مطرقة السلطة وسنديان الإرهاب. والمفارقة أن الاغتيالات التي طالت المجاهدين في بعض الولايات مثل البليدة، شارك فيها »أبناء الحركة والقومية« وأشارت تقارير أمنية إلى أن عملية الانتقام من المجاهدين كانت إحدى الأولويات لدى »الحركى والقومية« الذين مايزالون أحياء في باريس. تجار الجريمة غياب السلطة خلال فترة (92 - 1999) حول البلاد إلى سوق، فظهر تجار المخدرات، وتجار الحاويات، وتجار القتل، فكانت الاغتيالات تدر على منفذيها أموالا أو تقربهم من الأمراء والاغتيالات كانت تتم كالتالي: أولا: يحدد الهدف عبر المعلومات المقدمة حول تنقلات الأشخاص المستهدفين. ثانيا : يتم تعيين المنفذ للجريمة ممن لا يعرفون الشخص المستهدف. ثالثا: يقوم المرشد، وغالبا يكون من باعة السجائر، بالإشارة إلى الشخص المستهدف أو تقديم أوصافه للمنفذ. رابعا: تقوم مجموعة أخرى بحماية المنفذ، والالتفاف حول المقتول، ومحاولة إثارة الفوضى. خامسا: إذا كان هناك شاهد تتم عملية تصفيته. كانت الجماعات المسلحة قد تسللت إلى مراكز الشرطة، بحيث أن الأديب بقطاش مرزاق الذي حاولوا اغتياله، كان يستنطقه، بعد خروجه من المستشفى، أمير من الأمراء، كان محافظ شرطة. ولما كانت للجماعات المسلحة امتدادات خارجية، فأغلب الذين احتالوا على الجماعات، بأخذ الأموال، دون الوفاء بالتعهدات، قاموا باستئصال عائلاتهم، وقتلوا »الأجنة« في البطون حتى لا تنقل المسروقات إليهم حين يكبرون. والمصدر الوحيد، في فتاوى القتل، الذي لم تتعرض له الصحافة الجزائرية، هو أطروحة دكتوراه عمر عبد الرحمن بإشراف الطنطاوي، وهذه الأطروحة طبعت موخرا وأثارت جدلا كبيرا في أوساط المثقفين المصريين. أما تفسير الإبادة فكان الهدف منه تصفية لمجموعة على حساب مجموعة أخرى. والملاحظة هي أن القصور التي بيعت خلال فترة الإرهاب اشتراها من لهم علاقة بالإرهاب، وحتى الكثير من الأراضي. وحين انتفى الغطاء السياسي للجماعات الإسلامية، بعد الاستفتاء على مشروع السلم والمصالحة، ظهر تجار جدد داخل الجماعات الإسلامية. ووظيفة هؤلاء التجارة من »التعامل مع المصالح والجماعات الإسلامية« في الوقت نفسه، والكثير من القضايا المطروحة حاليا على العدالة ذات صلة مباشرة بالموضوع الذي أتحدث عنه. وبعض »التائبين« لعبوا دورا خطيرا في تزويد الجماعات المسلحة بالمعلومات، كما أن هناك من يعتقد أن التحاقه بالجماعات المسلحة يجعله »مهمّا« في المجتمع، وربما يعطيه »دورا إعلاميا« يمكنه من انتزاع »قيمة اجتماعية«. لقد فقدت الفتوة »الرجلة« معناها في الأحياء الشعبية، فتحولت إلى الجماعات المسلحة، فصار كل »تاجر« يقدم مشروعا ل»تجار الموت«، ويقدم أسماء المنفذين للجريمة لقاء شراء سيارة أو بيت أو قطعة أرض، وبعض المتعاملين مع الجماعات الإسلامية صاروا وسطاء بين القنوات الدولية والجماعات المسلحة التي تدعي أنها تنتمي إلى القاعدة. وكل من يريد دعما ماليا يلجأ إلى الاتصال ب»تجار الموت«، ويحظى بدعم لمشروع في شكل إنشاء »خلية« في قطر مغاربي. وحين تصبح »القاعدة« غطاء سياسيا للجريمة والغناء الفاحش، والنهب، يصير السؤال المحرج: هل الخطر في القاعدة أو مموليها أم تجارها. المؤكد أن الاغتيالات السياسية في الجزائر كانت تقف وراءها عدة جهات داخل وخارج الجزائر. وللحديث بقية...