إلى وقت قريب كانت محلات بيع أشرطة الكاسيت قبلة الشباب كما الكبار، فكل فئة تبحث عما يطرب الأذن لسماعه من أغاني شبابية وأخرى طربية قديمة من الطابع الجزائري أو المشرقي، إلا أن عوامل كثيرة ساهمت في قلة الإقبال على هذا النمط من التسجيلات بعضها يتعلق بتغير أذواق الجزائريين وأخرى تعود إلى الوسيلة نفسها التي أضحت حسب البعض موضة قديمة في ظل ظهور أجهزة تسجيل أكثر تطورا. بعاصمة الجنوب الغربي بشار، وبعد أن كانت أحياؤها الشعبية وأسواقها تعرف رواجا كبيرا لمحلات بيع أشرطة الكاسيت لدرجة منافستها لمحلات المواد الغذائية، تحولت اليوم إلى محلات أشبه بمكاتب للأرشيف لا أكثر، حيث يمكن لزائر هذه المحلات على قلتها اليوم أن يلحظ تلك الأشرطة عبر الرفوف وقد غمرتها الأتربة وتعرض الكثير منها إلى التلف بفعل العوامل الجوية وكذا العزوف على اقتنائها مما يجعلها لا تبرح مكانها لسنوات. وقد أرجع عدد من أصحاب هذه المحلات المتواجدة بمدينة بشار الوضعية التي آلت إليها سوق الكاسيت إلى ظهور نمط جديد من التسجيلات ووسائل الاستماع لمختلف الأغاني كالأقراص المضغوطة التي يعترف الجميع أنها أكثر تطورا وديناميكية مقارنة بالكاسيت التي لا تستعمل إلا بجهاز راديو كاسيت. والجيل الجديد محق في عزوفه عن مثل هذه الوسائل، حيث لم ينف أحد هؤلاء الباعة أن هناك فئة قليلة لاتزال وفية لسماع الأغاني المسجلة عبر الكاسيت، ليس لأنها تفضلها على الوسائل الحديثة ولكن يقول إن الأغاني التي يود سماعها لا تتوفر لدى محلات بيع الأقراص الحديثة وأشرطة الفيديو وهي الأغاني الطربية الجزائرية والعربية. بائع آخر في سن الخمسين بدا جد مستاء من الوضعية التي وصلت إليها سوق الكاسيت والسبب حسبه ليس للخسارة التي تكبدها هو وغيره من الباعة وإنما لانحطاط الذوق في سماع الأغاني، وباعترافه لا ينفي تردد بعض الزبائن عليه من فئة كبار السن الذين يرغبون في سماع الأغاني الصحراوية وأغاني أم كلثوم وعبد الحليم مما يجعله يبحث عنها تحت الأنقاض وينفض عنها غبار السنوات، والمحظوظ من هؤلاء الزبائن من يظفر بشريط لعبد الوهاب أو خليفي أحمد وقد حافظ الشريط على جودة الصوت، لأنّ معظم الأشرطة اضطر لرميها كونها أصبحت غير صالحة. بعض المواطنات اللواتي التقيناهن بالقرب من أحد هذه المحلات لم تنفيْن ترددهن على هذه المحلات، لكن في مناسبات الأعراس فقط لملاءمة الكاسيت لمثل هذه المناسبات التي لا يمكن حسبهن استعمال جهاز الكومبيوتر خلالها، كما أنه لا يتوفر لدى أغلب العائلات، لكنها لا تنفين استياءهن من النوعية الرديئة لهذه الأشرطة التي ترجعنها لإهمال الباعة أنفسهم وعدم صيانتهم الدورية للكاسيت ومحاولتهم التكيف مع جو المنافسة التي تفرضها سوق المعلوماتية، والاهتمام بأناقة المحلات التي أصبحت أشبه بجحور تتكدس بها الأشرطة. ولم يتردد أحد الشباب في أن يذكر لنا حادثة وقعت له بأحد هذه المحلات عندما دخل أحدها باحثا عن شريط للراحل عبد الحليم وبمجرد تفوهه باسم المطرب بدا جميع من كان بداخل المحل من شباب مندهشين من هذا الطلب لدرجة يقول أنه شعر بالإحراج أين بادره بعضهم بقوله إنك »ستيل قديم«، مبدين استهزاءً بالنوع الذي أحبّ سماعه من الأغاني العربية المطولة، أين أكد لنا أن العزوف عن الكاسيت ليس لقدم هذه الوسيلة فحسب، بل لأن الأغاني الشبابية الراقصة أصبحت لا تتوفر غالبا في أشرطة الكاسيت وأينما توفرت يلهث وراءها الشباب. ح. فاطمة